قرآنيات

سورة سبأ (1)

 

الشيخ محمد جواد مغنية
1): )﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ...﴾: له الحمد في الدنيا وفي الآخرة، والملك كله، والحكم المطلق، ولا أحد يملك معه شيئًا إلا ملكه مالك الملك.
(2): ﴿يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ﴾: من أسرار ومعادن وعناصر، وأكثرها طي الكتمان حتى الآن ﴿وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَ﴾: من أرزاق وخيرات ﴿وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاء﴾: أي يصعد ويرتقي من أقمار اصطناعية ومركبات وطيور وطائرات، وتقدم في الآية 59 من الأنعام وغيرها. 
(3): ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى... ﴾: أنتم تجحدون المعاد، ونحن به مؤمنون، والله يعلم المحقّ من المبطل فإلى اللقاء، وتقدم في الآية 53 من يونس.
(4): ﴿لِيَجْزِيَ الَّذِينَ﴾: أحسنوا بالحسنى، والذين أساءوا بما كانوا يعملون.
(5): ﴿وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ﴾: عملوا بكل وسيلة أن يظهروا أنبياء الله بمظهر العاجزين عن إثبات الحق ومثله تمامًا (يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم).

(6): ﴿وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ﴾: ما من عالم منصف مسلمًا كان أو غير مسلم يدرس القرآن دراسة واقعية إلا وينتهي إلى أن كل ما فيه من حق وصدق، وأنه يهدي إلى حياة أقوم أجل أن القرآن ليس كتابًا علميًا أو فلسفيًا، لكن هل من عالم يستطيع أن يتجاهل هذه الحقيقة وهي أن العلماء والفلاسفة ما عثروا على شيء في القرآن يصطدم مع العلم والواقع؟ وقد أعلن ذلك الكثير من علماء الغرب، وعلى سبيل المثال نذكر ما قاله الفرنسي (لوازون): ( خلف محمد كتابًا آية في البلاغة وسجلاً في الأخلاق، وليس بينه وبين المسائل العلمية المكتشفة حديثًا أي تعارض. – من مقال بعنوان انتظروا معجزة من السماء نشرته جريدة أخبار اليوم المصرية ت 28/ 10/1972م.
(7): ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُو﴾: بالمعاد: أيها الناس ﴿هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ﴾: أي محمد (ص) ﴿يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ﴾: عظام بالية، وأجزاء مبعثرة تعود بشرًا سويًا! لن يكون ذلك أبدًا، ولماذا؟ لا لشيء إلا لشعورهم الذاتي بالمحال، ولا أعجب من أهل الجاهلية أن يقولوا هذا، فنحن في القرن العشرين، وقال أكثر الناس أو الكثير منهم: محال أن يصعد الإنسان إلى القمر حتى صعد.
(8): ﴿أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَم بِهِ جِنَّةٌ﴾: كل من آمن بالمعاد، أو جعل الآلهة إلهًا واحدًا، أو ساوى بين الناس في الحقوق والواجبات وقال: ان للطاغين شر مآب – فهو مجنون أو كذاب! وهذا المنطق يشهد على نفسه بالجهالة والضلالة.
(9): ﴿أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُم﴾: وعن يمينهم وشمالهم من عظمة الله في خلقه، ويعلمون أن الله قادر على البعث بعد الموت تمامًا كقدرته على إيجاد الكون وخلقه؟ ﴿إِن نَّشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفًا مِّنَ السَّمَاء﴾: إن الله قادر على البعث، وأيضًا قادر أن يأمر الأرض فتبلعهم والسماء فتمطرهم قطعًا من العذاب ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِّكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ﴾: راجع إلى عقله، والمعنى كل ذي لب إذا فكَّر وأمعن الفكر في قدرة الله ينتهي حتمًا إلى الإيمان بالبعث وإمكانه.
(10): ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ... ﴾: تقدم في الآية 79 – 80 من الأنبياء.

(11): ﴿أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ﴾: دروعًا كاسية واقية ﴿وَقَدِّرْ فِي السَّرْد﴾: أحكم صنعها لكي تقي المقاتل من الطعن والضرب، ولا تمنعه عن الحركة.
(12): ﴿وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ﴾: كانت الريح تحمل سليمان، وتقطع في الصباح مسيرة شهر كامل على الأقدام، وكذلك في المساء ﴿وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ﴾: أسلنا: أذبنا، عين: نفس الشيء، تقول: هذا عين كتابي أي هو بالذات، والقطر: النحاس أو الحديد، وقد أذابه سبحانه لسليمان كما ألان الحديد لأبه داوود ﴿وَمَن يَزِغْ﴾: ينحرف ويخرج عن الطاعة.
(13): ﴿يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاء مِن مَّحَارِيبَ﴾: جمع محراب وهو المعبد وما أشبه ﴿وَتَمَاثِيلَ﴾: جمع تمثال وهو صورة الشيء ﴿جِفَانٍ﴾: جمع جفنة وهي القصعة ﴿كَالْجَوَابِ﴾: جمع جابية وهي الحوض الكبير ﴿وَقُدُورٍ﴾: جمع قدر ﴿رَّاسِيَاتٍ﴾: ثابتات، وتقدم في الآية 82 من الأنبياء، وتجدر الإشارة أنه قد كان ما كان لسليمان من قصور وجفان وتماثيل وأكاليل ولكن ما كان ذلك أو شيء منه على حساب العراة والجائعين كلا ولا بأيديهم كالأهرام في مصر، وقصر يلدز في القسطنطينية أو قصر الآس في غرناطة أو الحمراء في قرطبة أو قصور الملوك في عصرنا أو عصر البائدين، بل كان من عمل الجن لا من الإنس بنص القرآن الكريم.

(14): ﴿فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ﴾: على سليمان ﴿الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ﴾: السوسة التي تأكل الخشب ﴿تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ﴾: وهي العصا، وخلاصة المعنى: مات سليمان متكئًا على عصاه وبقي كذلك إلى ما شاء الله، وكان الإنس والجن ينظرون إليه ويحسبونه حيًا، إلى أن دبت السوسة في عصاه، وأكلت جوفها فانكسرت وسقط سليمان، وعلم الجميع بموته، وقُضي على الخرافة القائلة بأن الجن يعلمون الغيب، ولو علموه ﴿مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ﴾: وأخيرًا فنحن نؤمن ونصدق كل ما دلَّ عليه ظاهر هذه الآيات، وإن كان بعيدًا عن الأفهام، لأنه يتفق مع النقل ولا يخالف العقل.
(15): ﴿لَقَدْ كَانَ لِسَبَ﴾: قبيلة من العرب، سميت باسم أبيها، وفي قاموس الكتاب المقدس؛ أن بلاد سبأ في جنوب جزيرة العرب ﴿فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ﴾: آية أي دلالة وعلامة على نِعم الله الوافرة، وعن يمين وشمال كناية عن الخصب والازدهار في كل جزء من أجزاء أرضها ﴿بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ﴾: رزقًا وهواء ﴿وَرَبٌّ غَفُورٌ: لمن آمن واتقى، وقد أرسل سبحانه لقوم سبأ رسله وأنبياءه مبشرين ومنذرين.
(16): ﴿فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ﴾: بكسر الراء، ومعناه السد الذي يمسك الماء فيرتفع ويسقي الزرع ﴿وَبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَى أُكُلٍ خَمْطٍ﴾: شجر الأراك ﴿وَأَثْلٍ﴾: الطرفاء﴿وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ﴾: أرسل سبحانه على قوم سبأ عذابًا خرب السد، وأهلك الزرع والضرع، وأبدلهم الحدائق الغناء أشجارًا ضرها أكثر من نفعها كالطرفاء والسدر وما أشبه مما لا تستسيغه إلا الحيوانات.
(17): ﴿ذَلِكَ جَزَيْنَاهُم بِمَا كَفَرُو﴾: أطغاهم الغنى, وكفروا بأنعم الله، فكان جزاؤهم الذل والهوان بالجوع والفقر﴿وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ﴾: أبدًا لا يجزى جزاء الشر إلا فاعله.
(18): ﴿وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ﴾: كان من أنعم الله على قوم سبأ أن قراهم كانت متواصلة متقارب بعضها من بعض مع كثرة الأشجار والثمار، فإذا ما سافر أحدهم لا يحمل طعامًا ولا شرابًا، فحيث نزل وجد الماء والثمر ﴿سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ﴾: وفوق ذلك كله الأمن والأمان للحاضر والمسافر ليلاً ونهارًا.

(19): ﴿فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَ﴾: طلبوا من الله سبحانه أن يباعد القرى عن بعضها، ويجعل بينها مفاوز وفلوات كي يركبوا الرواحل ويحملوا، ويبدو من هذا أن للسفر متعة وفوائد على ما فيه من مشاق﴿وَظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ﴾: بالطغيان وكفران النعم ﴿فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّق﴾: شتتهم سبحانه ووزعهم في أقطار شتى حتى صاروا أُحدوثة للأجيال ومضرب الأمثال، ومن ذلك: (تفرقوا أيدي سبأ) وأبناء عاملة - أي أهل جبل عامل المعروف اليوم بجنوب لبنان – جاء ذكرهم في حديث لرسول الله (ص) ذكره ابن كثير في تفسيره ج3 ص531، وهذا نصه: (لسبأ من الولد عشرة: سكن اليمن منهم ستة وأربعة في الشام، أما اليمانيون فمذحج وكندة والأزد والأشعريون وأنمار وحمير، وأما الشامية فلخم وجذام وعاملة وغسان).
(20): ﴿وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ﴾: حيث قال (ولأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين – 39 الحجر) ﴿فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾: وتومئ كلمة (فريق) أن الكثرة الكاثرة من أهل الأديان وغيرهم من حزب إبليس.
(21): ﴿وَمَا كَانَ لَهُ﴾: لإبليس ﴿عَلَيْهِم﴾: على العباد ﴿مِّن سُلْطَانٍ﴾: من حجة وبرهان أو إكراه وإرغام ﴿إِلَّا لِنَعْلَمَ مَن يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ﴾: لا شيء عند الشيطان إلا التزيين والوسوسة بالباطل، ولا يستجيب له إلا من كان دينه في معدته وهيئته، أما من رسخ دينه في عقله وقلبه فيدعه الشيطان إلى من يستهويه ويغازله.
(22) – (23): ﴿قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ﴾: قل يا محمد للمشركين: نادوا واستغيثوا بالذين زعمتموهم شركاء لله أو شفعاء عنده، ثم انظروا هل يسمعون وينفعون أو يضرون؟ كلا إنهم ﴿لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ﴾: أي لا يملك آلهة المشركين زنة ذرة من خير و شر أو نفع وضر ولا معين لهم وشفيع، وفي هذا إبطال لقولهم: (ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى – 3 الزمر)﴿حَتَّى إِذَا فُزِّعَ﴾: - بتشديد الزين – أي ذهب الفزع ﴿عَن قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ﴾: للمفسرين في شرح هذه الجملة كلام غامض ومتضارب، ولعل أوضحه ما معناه أن الله سبحانه إذا تكلم وأوحى بشيء خاف أهل السماء والملائكة، فإذا انتهى سبحانه من وحيه وكلامه انكشف عنهم الفزع وذهب، وعندئذ يسأل أهل السماء: ما قال سبحانه؟ فيقول لهم الملائكة المقربون: قال، تقدست كلمته: الحق وهو العلي الكبير.

(24): ﴿قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ﴾: جاء السؤال والجواب من رسول الله (ص) حيث لا خلاف بين السائل والمسئولين – أي المشركين – على أن الله وحده هو خالق الأرزاق والمرتزقة، وعليه فيجب أن يكون الإله إلهًا واحدًا في ذاته وصفاته ﴿وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ﴾: هذا الأسلوب في الحوار والنقاش من خصائص العالم الواثق من نفسه كل الثقة، وكأنه يقول لخصمه: ابحث ودقق لتتعلم أي الفريقين أهدى سبيلاً.
(25): ﴿قُل لَّا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾: هذا هو الإسلام نصًا وروحًا في دعوته إلى الله وشريعته، يكشف عن الحق، ويدعمه بالأدلة، وبحث المدعوين على النظر وإعمال العقل، ويقول لهم من جملة ما يقول: (إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا – 46 سبأ) وتختاروا لأنفسكم ما تشاءون، فمن اهتدى منكم فلنفسه ومن ضلَّ فعليها.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد