مقالات

​التوحيد عقيدة ونظام حياة توحيدية


الإمام الخامنئي "دام ظله"

مهمة علماء الدين الدعوة إلى التوحيد
حسنٌ، لقد تخطينا الوقت كثيرًا؛ سأذكر نقطتين أو ثلاثًا. إحداها أن جماعة علماء الدين ـ وأنتم علماء الدين الشباب من الفئات المتحمسة والمؤثرة في الحركة العلمائية - مهمتها مواصلة مهمة الأنبياء؛ ينبغي النظر لعمل علماء الدين بهذه النظرة. 
الدرس الذي تدرسونه والبرنامج الذي تخططونه لمستقبلكم، يجب أن يكون وفق هذه النظرة. أنتم تتابعون عمل الأنبياء. حسنٌ، عمل الأنبياء ورد بهذا الشكل في سورة الأعراف المباركة: "وإلى عادٍ اَخاهُم هودًا قالَ‌ يٰقَومِ‌ اعبُدُوا اللَهَ‌ ما لَكم مِن إلهٍ غَيرُه‌" (1). القضية هي قضية التوحيد. مسيرة الأنبياء مسيرة من أجل التوحيد. بل إنّ أساس عمل الأنبياء ودعوتهم هي دعوة إلى التوحيد. 

التوحيد دعوة إلى إقامة مجتمع توحيدي
والدعوة إلى التوحيد ليس معناها فقط بأن تعتقدوا أن الله واحد وليس اثنين، وأنّ هذه الأصنام والأوثان والآلهة الموجودة لا تستحق الألوهية. ليس هذا فقط، إنما الاعتقاد بالتوحيد أساس وركيزة أو أرضية أساسية لرؤية كونية تصنع الحياة. الاعتقاد بالتوحيد يعني إيجاد مجتمع توحيدي، مجتمع يتكوّن ويدار على أساس التوحيد. هذا هو الاعتقاد بالتوحيد وهذه هي عقيدة التوحيد. 
لو لم يكن الأمر هكذا، لما كان هناك معاداة الأنبياء «وكذلك جَعَلنا لِكلِّ نَبِي عَدُوًّا شَياطينَ‌ الاِنسِ‌ والجِنِّ‌ يوحي بَعضُهُم إلى بَعضٍ زُخرُفَ القَولِ غُرورًا» (2). سبب العداوات أن الأنبياء جاؤوا واعترضوا على شكل المجتمع وتصدّوا له، وقدّموا شكلًا آخر وهندسة جديدة لأسلوب حياة البشر.
أسلوب الحياة الذي نادى به الأنبياء هو الحياة الطيبة، وقد تلا أحد الإخوة هذه الآية الشريفة: «يٰا أيهَا الَّذينَ ءامَنُوا استَجيبوا لِلَّهِ ولِلرَّسولِ اِذا دَعاكم لِما يحييكم» (3). الحياة هي الحياة الطيبة «مَن عَمِلَ صٰلِحًا مِن ذَكرٍ اَو اُنثىٰ‌ وهُوَ مُؤمِنٌ فَلَنُحيينَّه حَيوٰ‌ةً طَيبَة‌» (4)، أي إن هناك ما هو أكثر من هذه الحياة الظاهرية وهو ما يسمى الحياة الطيبة. 
فما هي الحياة الطيبة؟ إنها الحياة التي تكون مفعمة بالإيمان. الحياة تحتاج إلى ماء وهواء وطعام وعلم وتقنية وتحتاج إلى كل شيء. الحياة تحتاج إلى كل هذا، ولكنها إذا كانت من دون إيمان، فهي ليست حياة، بل هي موت. 
القرآن الكريم لا يعتبر هذه حياة. تكون الحياة حياةً عندما تكون مجموعة تحركات الحياة وعناصرها مفعمة بتلك الحياة؛ حينها تكتسب النور. الأمر أشبه بفضاء مظلم تسطع عليه الأضواء فتنيره. هذا هو شأن العلمائية وعلماء الدين . إنكم تريدون أن تمنحوا الحياة للمجتمع البشري.
سيعترضكم أعداء ومخالفون ثم تنتصرون

وهذا ما يستتبع بالطبع المشكلات التي عاني منها الأنبياء نفسها، وله أجر النبوة نفسه، وفيه نجاحات وتوفيقات الأنبياء نفسها. فالأنبياء نجحوا وتوفقوا. كل الأنبياء حتى الذين استشهدوا وحتى الذين كذّبهم قومهم وأنكروهم قد أزهرت كلماتهم ونمت في نهاية المطاف. 
انظروا لكلام النبي نوح والنبي هود والأنبياء الذين كان لهم في أزمنتهم كل أولئك الأعداء، كم لهم اليوم من الطلاب والمحبين والمريدين الكثر؟ حسنٌ، لقد بقي هذا الكلام حيًا، لقد انتصر. واجه الإنكار والتكذيب في ذلك الحين ولكن بعد ذلك استمرت سلسلة الأنبياء وانتصر كلامهم. 
إذًا، عملكم هو عمل الأنبياء، وسوف يزدهر كلامكم وسوف يتكرس ويتقدم إلى الأمام بلا شك وسوف تشملكم التوفيقات الإلهية. أي إن الله تعالى سوف يعينكم «اِنّا لَنَنصُرُ رُسُلَنا والَّذينَ آمَنوا فِي الحَيوٰةِ الدُّنيا» (5). إن الله ينصركم، هذا جانب آخر من القضية، وسيكون لكم كما كان للأنبياء أعداء ومعارضون ومخالفون. 
إذًا، الموقف نفسه والوضع نفسه، فأعدوا أنفسكم لهذا. كلكم شباب ولعل أمامكم بعد الآن إن شاء الله ستين عامًا وسبعين عامًا من الوقت كي تعيشوا وتعملوا وتجدوا. أعدوا أنفسكم لخمسين سنة، وستين سنة، وسبعين سنة من العمل والسعي والجهد. واعلموا إن العالم سيتغير في نهاية هذا الطريق بفضل جهودكم ومساعيكم، وسوف تتقدمون نحو الهدف المطلوب بلا شك، وهذا ما سيحصل بالتأكيد.
ـــــــــــــــــــ
کلمة سماحة الإمام الخامنئي خلال لقائه جمعًا من طلاب العلوم الدينية في الحوزات العلمية في محافظة طهران؛ في حسينية الإمام الخميني (قدس سره) ــ 28/8/2017م
1 ـ سورة الأنعام، جزء من الآية 112.
2 ـ سورة الأنفال، جزء من الآية 24.
 3 ـ سورة النحل، جزء من الآية 97.
 4 ـ سورة غافر، جزء من الآية 51.
5 ـ نهج البلاغة، الحكمة رقم 71.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد