مقالات

أسباب شهادة الإمام العسكري عليه السلام

 

إن من يتتبع التأريخ وينظر إلى حال الطغاة والظّلَمة يدرك جيدًا أن سلطانهم وملكهم لم يقم إلا على سفك دماء الأبرياء، وأنهم يجهدون دائما بشتى الطرق وبكل ما أوتوا من خدع وكذبٍ وأضاليل لتحريف الوقائع والحقائق ليبرروا أفعالهم.

ومن هؤلاء بنو العباس، الذين أسسوا دولتهم برفعهم شعار «الرضا من آل محمد»، ولكن بعد استقرار حالهم ساروا بسيرة أسلافهم، وبدأوا بالتنكيل بكل شريف ومؤمن شعروا أنه يهدد كيانهم ودولتهم، لذلك كان تركيزهم على أئمة الهدى ومصابيح الدجى وذريتهم ومواليهم، لأنهم يمثلون الحق والصدق والدين، وهذا ما يزعزع سلطان الظلم.
فقد استطاع الإمامان الباقر والصادق (عليهما السَّلام) أن يزلزلوا عروش الظالمين من خلال كلماتهم ومواعظهم، فقاموا بنشر علوم آل محمد (عليهم السَّلام)، وهذا ما جعل أمرهم يمتد إلى أغلب البلاد الإسلامية، وكذلك فعل باقي الأئمة كالكاظم والرضا والجواد والهادي (عليهم السَّلام)، مع ما عانوه من الظلم والاضطهاد، فقد استطاعوا من خلال أخلاقهم وسيرتهم وعلمهم ومناظراتهم أن يبثوا دين الحق للعالم الإسلامي، لذلك عمد بنو العباس إلى وضع بعضهم في السجن، كحال إمامنا الكاظم (عليه السَّلام)، ووضع بعض الأئمة (عليهم السَّلام) تحت الإقامة الجبرية كحال الإمام العسكري (عليه السَّلام)...
فالظرف الذي عاش فيه (عليه السَّلام) كان صعباً وشديداً على بني العباس، ففي حياة الإمام العسكري (عليه السَّلام) تمت إزالة المهتدي والمعتز ولمّا يستكملا السنة من حكمهما، وذلك بسبب استيلاء الأتراك على مفاصل الحكم آنذاك، وبالرغم من أنه لم يكن للخليفة أي دور، ومع ذلك فقد كان بنو العباس يسيئون معاملة الإمام (عليه السَّلام)، ووضعوه تحت الإقامة الجبرية. 
أضف إلى أنّ الأموال والصدقات والحقوق والأخماس كانت تصل سراً عن طريق عثمان بن سعيد العمري إلى الإمام (عليه السَّلام)، وقد وشى بعضهم إلى الخليفة العباسي بهذا الأمر. ورافقت هذه الحقبة أيضاً ثورات قام بها بعض العلويين ضد بني العباس، ما جعل الإمام (عليه السَّلام) في وضع أصعب لكونه زعيم العلويين، وإن كان قد صرح بعدم رضاه عن ذلك، كحال صاحب الزنج (محمد بن علي العلوي) الذي استولى على بعض البلاد الإسلامية وعاث فيها فساداً وظلماً كما نقل المؤرخون. حيث ورد عن الإمام (عليه السَّلام) قوله: «صاحب الزنج ليس من أهل البيت». [بحار الأنوار: ج50، ص293]. ولعلَّ من أهم الأسباب أيضاً ما كان معروفاً وذائعاً عند الجميع، وهو أّن الإمام العسكري (عليه السَّلام) هو الإمام الحادي عشر من أئمة الهدى (عليهم السَّلام)، ومن صلبه يخرج القائم المهدي (عجَّل الله تعالى فرجه الشريف)، فكانوا يسعون بكل ما يستطيعون للقضاء عليه، فعمدوا إلى وضع الإمام (عليه السَّلام) تحت الإقامة الجبرية وتتبع حال نسائه ولكن: وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ. [التوبة: 32] فكانت ولادة الإمام (عجَّل الله تعالى فرجه الشريف) من أهم الأسباب التي دفعتهم لأن يفكروا في قتله، وخاصة أن ولادة المنقذ (عجَّل الله تعالى فرجه الشريف) لم تظهر إلا للخواص من الشيعة حفاظاً على حياته، لذلك حاول المعتز والمهتدي مراراً قتل الإمام العسكري (عليه السَّلام)، وكذلك فعل المعتمد من بعدهما، إلى أن دسَّ له السم في طعامه، وكانت شهادته (سلام الله عليه) في الثامن من ربيع الأول لسنة 260 للهجرة النبوية الشريفة، ودفن في سامراء بجوار والده الإمام الهادي (عليه السَّلام).

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة