الشيخ احمد الوائلي ..
هذه بعض أدلّة الشيعة في العِصمة، وهي مُنتَزعة مِن الكتاب والسُنّة والعقل، فما وجه نِسبتها إلى عبد الله بن سَبَأ؟ وأين موضع الصدق مِن تلك النسبة؟
1 ـ الدليل الأوّل:
يقول العَلاّمة الحلّي في كتابه الألفين : المُمكنات تحتاج في وجودها وعدمها إلى عِلّة ليست مِن جنسها، إذ لو كانت مِن جِنسها لاحتاجت إلى عِلّة أُخرى واجبة غير مُمكنة، كذلك الخطأ مِن البشر مُمكن، فإذا أردنا رَفع الخطأ الممكن، يجبُ أن نرجع إلى المُجرَّد مِن الخطأ، وهو المعصوم. ولا يمكن افتراض عدم عِصمته؛ لأدائه إلى التسلسُل أو الدور.
أمّا التَسلسُل: فإنّ الإِمام إذا لم يكن مَعصوماً، احتاج إلى إمام آخر؛ لأنّ العلّة المحوجة إلى نَصبه هي جواز الخطأ على الرعيّة، فلو جاز عليه الخطأ لاحتاج إلى إمام آخر، فإن كان معصوماً، وإلاّ لَزم التسلسل.
وأمّا الدور: فلِحاجَة الإِمام ـ إذا لم يكن معصوماً ـ للرعيّة؛ لتردَّه إلى الصواب مع حاجة الرعية للإِقتداء به (1).
2 ـ الدليل الثاني:
يقول الشيعة: إنّ مفهوم الإِمام يتضمَّن معنى العِصمة؛ لأنّ الإِمام لُغة: هو المُؤتّم به كالرداء اسم لِما يُرتَدى به. فلو جاز عليه الذنب، فَحال إقدامه على الذنب إمّا أن يُقتدى به أو لا، فإن كان الأوّل: كان الله تعالى قد أمرَ بالذنب، وهذا مُحال، وإن كان الثاني: خرج الإِمام عن كونه إماماً، فيستحيل رفع التناقض بين وجوب كونه مُؤتّماً به، وبين وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المُنكر، إلا بتصوّر أنّ العِصمة مُتَضَمَنة في مَفهوم الإِمام، ولازِمَة لوجوده (2).
3 ـ الدليل الثالث:
الإِمام حُجّة الله في تبليغ الشرع للعباد، وهو لا يُقرّب العباد مِن الطاعة، ويُبعّدهم عن المعصية مِن حيث كونه إنساناً، ولا مِن حيث سلطته، فإنّ بعض الرُؤساء الّذين ادّعوا الإِمامة كانوا فَجَرَة لا يصحُّ الإِقتداء بهم، فإذا أمَروا بطاعة الله كانوا مصداق قوله تعالى: ( أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ ) البقرة: 44.
وفي مثل هذه الحالات لا يثق المُكلّف بقولهم، وله عذره.
فثبت أنّ تقريب الناس مِن طاعة الله لا مِن حيث كون الإِمام إماماً، وإنّما مِن حيث كونه مَعصوماً حيث لا يكون للناس عُذر في عصيانه تصديقاً لقوله تعالى: ( لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ) النساء: 165 ، والأئمة حُجج الله كالرُسُل، سواء بسواء؛ لأنّ الإِمام منصوب مِن قِبَلِ الله تعالى لهداية البشر (3).
هذه ثلاثة أدلّة مِن كثير مِن الأدلّة العقليّة التي اعتمدوها في التدليل على العِصمة.
الأدِلَّةُ النَقليَّة على عِصمة الإِمام
أ ـ قال الله تعالى في سورة البقرة، الآية: 124 لنبيه إبراهيم: ( إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) دَلّت هذه الآية على العصمة؛ لأنّ المُذنب ظالم ولو لنفسه لقوله تعالى: ( فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ ) فاطر: 32 .
ب ـ قال الله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ ) النساء: 49 ، والدليل فيها: أنّ أُولي الأمر الواجب طاعتهم يجب أن تكون أوامرهم موافقة لأحكام الله تعالى؛ لتجب لهم هذه الطاعة، ولا يتسنّى هذا إلاّ بعصمتهم؛ إذ لو وقع الخطأ مِنهم لوجب الإِنكار عليهم، وذلك يُنافي أمر الله بالطاعة لهم (4).
ج ـ ذَهَبت الآية الثانية والثلاثين مِن سورة الأحزاب إلى عصمة أهل البيت الّذين نَزلت فيهم، وهي قوله تعالى: ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً )، فبعد إثبات نُزولها في أهل البيت، الذي نصَّ عليه كلٌّ مِن الإِمام أحمد في مُسنده، ومستدرك الصحيحين، والدر المنثور، وكَنز العُمّال، وسُنن الترمذي، وتفسير الطبري، وخصائص النِسائي، وتاريخ بغداد، والاستيعاب لابن عبد البر، والرياض النَضِرة للمحب الطبري، ومُسند أبي داود وأُسد الغابة، جميع هؤلاءِ قالوا إنّها نَزلت في النبيّ ( ص ) وعليّ ( ع ) وفاطمة والحسن والحسين ( ع ) (5).
ويتساءل العلماء عن معنى ذهاب الرجس؛ لينتهوا إلى أنّه نَفيُ كلّ ذنب وخطأ عنهم، والإِرادة هُنا تكوينيّة لا تشريعيّة؛ لوضوح أنّ التشريعيّة مُرادة لكلّ الناس. ولا يَلزم منه الإِلجاء؛ لما سبق أن ذكرناه مِن أنّ العصمة مَدَدٌ مِن الله تعالى، واستعداد مِن العبد.
هذه بعض أدلّة الشيعة في العِصمة، وهي كما ترى مُنتَزعة مِن الكتاب والسُنّة والعقل، فما وجه نِسبتها إلى عبد الله بن سَبَأ؟ وأين موضع الصدق مِن تلك النسبة؟
إنّ القارئ مِن حقِّه أن يسأل هؤلاءِ الكُتّاب: هل اطّلَعوا على مَصادر الفِكر الشيعي عندما كَتبوا عن الشيعة أو لا؟
فإن كان الأوّل، فما معنى هذا الخبط، وهذه النِسب الباطلة؟ وإن كان الثاني، فما هو المُبرِّر لَهُم للخوض في أُمور لم يَطَّلعوا عليها؟ أليس لهم رادع مِن مقاييس الأدب الإِسلامي، الذي رسمه الله تعالى بقوله: ( وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً ) الإسراء: 36، وفي الوقت ذاته إنّ المنهج العِلمي يأبى عليهم هذه التَخرُّصات، ونسبة الأشياء إلى غير مصادرها.
إذاً ففكرة العصمة حتّى ولو كانت أدلّتها غير ناهضة، فلا يَجوز أن تُنحى عن مصدرها، وتُنسب إلى شخصيَّة وهميّة خلقها الحِقد، وافتعلها الهوى.
ـــــــــــــــــ
(1) الألفين للعلاّمة الحلّي: ص54.
(2) الأربعين للرازي: ص434.
(3) نهاية الإِقدام للشهرستاني: ص85.
(4) كشف المُراد للعلاّمة الحلّي: ص124.
(5) انظر فضائل الخمسة مِن الصحاح السِتّة: 5/ 219 فصاعداً.
الشيخ مرتضى الباشا
إيمان شمس الدين
عدنان الحاجي
السيد محمد حسين الطبطبائي
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
الشيخ جعفر السبحاني
الشيخ محمد جواد مغنية
السيد محمد حسين الطهراني
الفيض الكاشاني
الشيخ محمد هادي معرفة
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
ناجي حرابة
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبد الوهّاب أبو زيد
فريد عبد الله النمر
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان
الشيخ عبد الجليل البن سعد: القيم والتقوى: ركائز الأمان والتمييز في بحور النفس والمجتمع
عبور لنهر هيراقليطس، أمسية لهادي رسول في الخبر
برنامج أسريّ بعنوان: (مودّة ورحمة) في جمعيّة تاروت الخيريّة
المشكلة الإنسانية، جديد الدكتور حسن العبندي
الأسرة الدافئة (2)
السّيادة والتّسيّد وإشكاليّات التّغيير، الزهراء عليها السلام نموذجًا (2)
حبيبة الحبيب
السيدةُ الزهراءُ: دُرّةَ تاجِ الجَلال
السّيادة والتّسيّد وإشكاليّات التّغيير، الزهراء عليها السلام نموذجًا (1)
نمط حياتك قد ينعكس على صفحة دماغك ويؤدي إلى شيخوخته