الشيخ محمد هادي معرفة
قال تعالى: ﴿ وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَىٰ بِنَا حَاسِبِينَ ﴾وقال:﴿ وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَٰئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ ﴾ وقال:﴿ فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا ﴾ وقال:﴿ ... وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ ... ﴾ .
هذا مع قوله تعالى بشأن المؤمنين:﴿ ... فَأُولَٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ وقوله:﴿ ... إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ وقوله بشأن الكافرين:﴿ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا ﴾ فكيف التوفيق؟
ليس في القرآن ما ينفي المحاسبة وموازنة الأعمال، والآيات المُستَند إليها إنّما تعني شيئاً آخر وهو: الرزق والأجر بما يَفوق الحساب، وكذا الذي حَبِطت أعماله، لا وزن له عند اللّه ولا مِقدار.
قال الطبرسي ـ عند قوله تعالى:﴿ ... وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ 1: فيه أقوال:
أحدهما: أنّ معناه يُعطيهم الكثير الواسع الذي لا يَدخله الحساب مِن كثرته.
ثانيهما: أنّه تعالى لا يَرزق الناس في الدنيا على مقابلة أعمالهم وإيمانهم وكفرهم، وكذا في الآخرة لا يُثيبهم على قَدَرِ أعمالهم بل يَزيدهم فضلاً منه وإنعاماً.
ثالثها: أنّه تعالى يُعطي العطاء لا يؤاخذه عليه أحد، ولا يسأله عنه سائل، ولا يطلب عليه جزاءً ولا مُكافأة.
رابعها: أنّه يعطي العدد من الشيء الذي لا يُضبط بالحساب ولا يأتي عليه العَدَد؛ لأنّ ما يَقدر عليه غير متناهٍ ولا محصور، فهو يُعطي الشيء لا مِن عدد أكثر منه فينقص منه، كمَن يُعطي الألف من الألفين، والعشرة من المِئة، قاله قطرب.
خامسها: أنّ معناه يُعطي أهل الجنّة ما لا يَتناهى ولا يأتي عليه الحساب.
ثمّ قال رحمه اللّه: وكلّ هذه الوجوه جائز حسن 2.
وقال الزمخشري ـ في تفسير قوله تعالى:﴿ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا * أُولَٰئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا * ذَٰلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا ﴾ 3: (ضلّ سعيهم) ضاع وبطل... وعن أبي سعيد الخدري: يأتي ناس بأعمالٍ يوم القيامة، هي عندهم في العِظَم كجبالِ تَهامة، فإذا وَزَنوها لم تَزن شيئاً،﴿ ... فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا ﴾ 4 فنزدري بهم ولا يكون لهم عندنا وزن ولا مِقدار 5.
وقال الطبرسي: أي لا قيمة لهم عندنا ولا كرامة، ولا نعتدّ بهم، بل نستخفّ بهم ونُعاقبهم، تقول العرب: ما لفلانٍ عندنا وزن أي قَدر ومَنزلة، ويُوصف الجاهل بأنّه لا وزن له ؛ لخفّته بسرعة بطشه وقلة تثبّته، ورُوي في الصحيح: أنّ النبي (صلّى اللّه عليه وآله) قال: (إنّه ليأتي الرجلُ العظيمُ السَّمين يومَ القيامة لا يَزن جَناح بعوضة) 6.
قال العلامة الطباطبائي: والوزن هنا هو الثِقل في العمل في مقابلة الخِفّة في العمل، وربّما تبلغ إلى مرتبة فَقْدِ الوزن رأساً.
وقال ـ في قوله تعالى:﴿ وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ ... ﴾ 7: المراد أنّ الوزن الذي تُوزن به الأعمال يومئذٍ إنّما هو الحقّ. فبقَدَر اشتمال العمل على الحقّ يكون اعتباره وقيمته، والحسنات مُشتملة على الحقّ، فلها ثِقل، كما أن السيّئات ليست إلاّ باطلة فلا ثِقل لها، واللّه سبحانه يَزن الأعمال يومئذٍ بالحقّ، فما اشتمل عليه العمل مِن الحقّ فهو وزنه وثِقله 8 9.
ــــــــــــــــ
• 1. القران الكريم: سورة البقرة (2)، الآية: 212، الصفحة: 33.
• 2. مجمع البيان، ج2، ص305 ـ 306.
• 3. القران الكريم: سورة الكهف (18)، الآيات: 103 - 106، الصفحة: 304.
• 4. القران الكريم: سورة الكهف (18)، الآية: 105، الصفحة: 304.
• 5. الكشّاف، ج2، ص749.
• 6. مجمع البيان، ج6، ص497.
• 7. القران الكريم: سورة الأعراف (7)، الآية: 8، الصفحة: 151.
• 8. الميزان للطباطبائي، ج8، ص8 ـ 9.
• 9. شُبُهَات و ردود حول القرآن الكريم، تأليف: الأُستاذ محمّد هادي معرفة، تحقيق: مؤسّسة التمهيد ـ قم المقدّسة، الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة ص 264 ـ 266.
عدنان الحاجي
الشيخ شفيق جرادي
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
الشيخ محمد صنقور
الشيخ فوزي آل سيف
الشيخ جعفر السبحاني
الشيخ محمد مصباح يزدي
الفيض الكاشاني
السيد عبد الأعلى السبزواري
الشيخ محمد هادي معرفة
حسين حسن آل جامع
حبيب المعاتيق
ناجي حرابة
عبدالله طاهر المعيبد
فريد عبد الله النمر
أحمد الرويعي
حسين آل سهوان
أسمهان آل تراب
أحمد الماجد
علي النمر
دور القيادة والأتباع في حركة سرب طيور الأوز، وماذا باستطاعتنا أن نتعلّم منها؟
الأدبيّات الدّينيّة
الإمام العسكري (ع) وتأصيل مرجعية الفقهاء العدول
آيات الله في خلق الرّوح (3)
{مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى..} مناقشة لدعوى سبب النزول (2)
الإمام العسكري (ع) والتّمهيد لغيبة صاحب الأمر (عج)
الشّاعر البريكي ضيف خيمة المتنبّي بالأحساء
أمسية شعريّة لابن المقرّب بمشاركة الشّاعرين البريكي والمؤلّف
القرن الثامن ومرجعيات شيعية
فلسفة الدين بلا إسلام