
﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ﴾(1).
معنى استكثار الجنِّ من الإنس:
الآيةُ المباركة بصدد الكشف عن مشهدٍ من مشاهد يوم القيامة، فقوله تعالى: ﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا﴾ يعني واذكر لهم يا رسولَ الله (ص) يومَ يُحشرُ الثقلين من الجنِّ والانس جميعاً، فكلمة "يوم" مفعولٌ به لفعلٍ محذوف تقديرُه واذكر أو هو منصوبٌ على الظرفيَّة، ففي ذلك اليوم يُنادى معشر الجنِّ وهم الشياطين والأبالسة بقرينة مؤدَّى النداء أعني قوله: ﴿قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ﴾ فهذه الفقرةُ هي مؤدَّى النداء، وهي ما سيُخاطب بها الشياطين للاحتجاج عليهم والتوبيخ لهم.
ومعنى: ﴿قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ﴾ هو أنَّكم يا معشر الجنِّ قد استهويتم الكثير من الإنس وأضللتموهم وصيَّرتموهم ضمن دائرتكم كما يُقال استكثر الأميرُ من الأتباع يعني عمِلَ على تكثيرهم وجمَعَ حوله الكثير منهم، فصاروا من أتباعه وأعوانه يأتمرونَ بأمره وينتصرونَ له، فمعنى استكثار الجنِّ من الإنس هو سعيُهم لتضليل الكثير من الإنس ليكونوا بعد إضلالهم وإغوائهم من أتباعهم وأنصارهم وفي دائرتهم.
فالفعل استكثر من صِيَغ الفعل الثلاثي المزيد بالألف والسين والتاء وهو بهذه الصيغة يدلُّ غالباً على الطلب، يُقال: استرحم زيدٌ أي طلب الرحمة، واستفهَم أي طلب الفهم، ومنه قوله تعالى: ﴿وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ﴾(2) يعني وإنْ طلبوا نُصرتكم فعليكم الاستجابة لطلبهم، ومن ذلك قوله تعالى: ﴿فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا﴾(3) فمعنى: ﴿اسْتَطْعَمَا﴾ هو أنَّهما طلبا الإطعام، ومن ذلك أيضاً قوله تعالى: ﴿فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ﴾(4) أي طلب المغفرة، وعليه فالمستظهَر من معنى قوله: ﴿اسْتَكْثَرْتُمْ﴾ هو أنَّكم طلبتم كثرة الأتباع من الإنس، غايتُه أنَّ الطلب قد يكون بمثل الأمر، وقد يكون الطلب بالسعي العملي لتحصيل المطلوب، وهذا هو المراد في المقام من الاستكثار، فشياطين الجنِّ يسعون جاهدين في اجتلاب الإنس إليهم وذلك من طريق إغوائهم وتضليلهم، فهم يسعون عملاً إلى أنْ يكونَ الغُواة من الإنس كثيرين، فمطلوبُهم هو كثرة الغواة من الإنس.
فالآيةُ تُخاطب شياطين الجنِّ لإدانتهم بأنَّكم في الدنيا قد استفرغتم وِسْعكم في تضليل الناس ليكونوا في زُمرتكم ومن أتباعكم وكانت غايتكم ومطلوبكم أنْ يدخلَ الكثيرُ منهم في دائرة الضلال التي حرصتم على توسيعها ما استطعتم.
ثم تصدَّت الآيةُ لبيان ما يُشبه إقرار الأتباع من الإنس، فأفادت الآيةُ أنَّ الأتباع -الذين عبَّرت عنهم الآية بأولياء الجنِّ- قد استمتع بعضُهم ببعض أي أنَّ أولياء شياطين الجنِّ استمتعوا بالشياطين، واستمتع الشياطين بأوليائهم وأتباعهم من الإنس.
معنى استمتاع الإنس بالجنِّ والجنِّ بالإنس:
ومعنى استمتاع الإنس بشياطين الجنِّ هو أنَّهم كانوا يلتذُّون بتسويلاتهم وتزيينهم للمعاصي وتحبيبها إليهم، فإنَّ التزيين والتسويلات التي يُوحيها الشياطينُ لأوليائهم من الإنس تبعثُ في نفوسِهم النشوة والابتهاج والأُنس وهو نحوٌ من الالتذاذ والاستمتاع، ولهذا صحَّ أنْ يُقال أنَّ الإنس يستمتعون بشياطين الجنِّ كما يُقال استمتعتُ بزيد أي بحديثه وإطرائه وتشجيعه.
وأمَّا استمتاع الجنِّ أو شياطين الجنِّ بأوليائهم من الإنس فمنشأه انقياد الإنس لهم واستجابتهم لتسويلاتهم، فإنَّ ذلك يبعثُ في نفوسهم الشعور بالنجاح والغبطة، وفي ذلك نحوُ التذاذ واستمتاع تماماً كما يستمتعُ المتبوع بانقياد الأتباع إليه. بل لعلَّ النشوة والمُتعة التي تعتري المتبوع من انقياد الأتباع إليه تفوقُ الكثير من الـمُتَع الماديَّة، ولهذا صحَّ القول بأنَّ شياطين الجنِّ يستمتعون بأوليائهم وأتباعهم من الإنس.
وأفاد بعضُ المفسِّرين أنَّ هذه الفقرة من الآية تُشير إلى ما كان عليه عربُ الجاهليَّة من أنَّه إذا سافر أحدُهم وتوسَّط بعض المفاوز وخاف من ضرر الجنِّ فإنَّه كان يستعيذُ بسيِّد الوادي بتوهُّم أنَّ لكلِّ وادياً سيِّدٌ من الجنِّ يأتمرُ سَكنةُ الجنِّ فيه بأمره، فإذا استعاذ الإنسان بسيِّد ذلك الوادي فإنَّ ذلك يُوجب دخوله في جِواره وعصمته وحمايته، فلا يناله ضررٌ من جنِّ ذلك الوادي، فمعنى استمتاع الإنس من الجنِّ هو انتفاعهم بشياطين الجنِّ وذلك بإجارتهم وحمايتهم من الضَرر وتأمينهم من الخوف. وإلى ذلك أشار قوله تعالى: ﴿وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا﴾(5) وأمَّا استمتاع الجن بالإنس فهو شعورهم بالغبطة والنشوة والاعتداد لاعتقاد الإنس فيهم أنَّهم ينفعون ويضرون، وأنَّهم قادرون على حمايتهم وتأمينهم.
ولو تمَّ هذا التفسير فإنَّه بيانٌ لمصداقٍ من مصاديق قوله تعالى: ﴿وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ﴾.
ــــــــــــــــــــ
1- سورة الأنعام / 128
2- سورة الأنفال / 72.
3- سورة الكهف / 77.
4- سورة ص / 24.
5- سورة الجن / 6
معنى (لمز) في القرآن الكريم
الشيخ حسن المصطفوي
حقّانية المثنّى كمبدأ أنطولوجي (3)
محمود حيدر
التحسس الغلوتيني اللابطني لا علاقة له بمادة الغلوتين بل بالعامل النفسي
عدنان الحاجي
{وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا}
الشيخ مرتضى الباشا
أكبر مسؤوليات التربية... منع تسلّط الوهم على الفطرة
السيد عباس نور الدين
الحرص على تأمين الحرية والأمن في القرآن الكريم
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
نوازع وميول الأخلاقيات
الشيخ شفيق جرادي
المذهب التربوي الإنساني
الشهيد مرتضى مطهري
الحق والباطل: ماء راسخ وزبد يزول
الشيخ جعفر السبحاني
{حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ..} كيف يُنسب اليأس للرسُل؟
الشيخ محمد صنقور
اطمئنان
حبيب المعاتيق
الحوراء زينب: قبلة أرواح المشتاقين
حسين حسن آل جامع
أيقونة في ذرى العرش
فريد عبد الله النمر
سأحمل للإنسان لهفته
عبدالله طاهر المعيبد
خارطةُ الحَنين
ناجي حرابة
هدهدة الأمّ في أذن الزّلزال
أحمد الرويعي
وقف الزّمان
حسين آل سهوان
سجود القيد في محراب العشق
أسمهان آل تراب
رَجْعٌ على جدار القصر
أحمد الماجد
خذني
علي النمر
معنى (لمز) في القرآن الكريم
حقّانية المثنّى كمبدأ أنطولوجي (3)
التحسس الغلوتيني اللابطني لا علاقة له بمادة الغلوتين بل بالعامل النفسي
لا محبّ إلّا اللَّه ولا محبوب سواه
الدّريس يدشّن ديوانه الشّعريّ الأوّل: (صحراء تتنهد ومطر يرقص)
جلادة النّقد
{وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا}
فوائد الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر
معنى (نسف) في القرآن الكريم
أكبر مسؤوليات التربية... منع تسلّط الوهم على الفطرة