بيّنت هذه الآية {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [يونس: 57]، أربع صفات للقرآن، ولإدراك مدلولاتها ومحتواها لابدّ أن نعتمد أوّلا على لغاتها ومعناها.
«الوعظ» و«الموعظة»، كما جاء في المفردات: هو النهي الممتزج بالتهديد، أنّ معنى الموعظة أوسع من هذا ظاهراً، كما نقل عن الخليل بن أحمد الفراهيدي في نفس كتاب المفردات، أنّ الموعظة عبارة عن التذكير بالنعم والطيبات المقترنة برقة القلب.
وفي الحقيقة فإِنّ كل نصح وإِرشاد يترك أثراً في المخاطب، ويخوفه من السيئات ويرغّبه في الصالحات يسمى وعظاً وموعظة. وطبعاً ليس معنى هذا أن كل موعظة يجب أن يكون لها تأثير، بل المراد أنّها تؤثر في القلوب المستعدة.
والمقصود من شفاء أمراض القلوب، وبتعبير القرآن شفاء ما في الصدور، هي تلك التلوّثات المعنوية والروحية، كالبخل والحقد والحسد والجبن والشرك والنفاق وأمثال ذلك، وكلها من الأمراض الروحية والمعنوية.
والمقصود من «الهداية» هو الهداية نحو المقصود، أي تكامل ورقي الإِنسان في الجوانب الإِيجابية كافة.
والمراد من «الرحمة» هي النعم المادية والمعنوية الإِلهية التي تشمل حال الأفراد اللائقين، كما نقرأ في كتاب المفردات أنّ الرحمة متى ما نسبت إِلى الله فإِنّها تعني بذله وهبته للنعم، وإِذا ما نسبت إِلى البشر فإِنّها تعني العطف ورقة القلب.
في الواقع، إِنّ الآية أعلاه تشرح وتبيّن أربع مراحل من مراحل تربية وتكامل الإِنسان في ظل القرآن.
المرحلة الأولى: مرحلة الموعظة والنصيحة.
المرحلة الثّانية: مرحلة تطهير روح الإِنسان من مختلف أنواع الرذائل الأخلاقية.
المرحلة الثّالثة: مرحلة الهداية التي تجري بعد مرحلة التطهير.
المرحلة الرّابعة: هي المرحلة التي يصل فيها الإِنسان إِلى أن يكون لائقاً لأن تشمله رحمة الله ونعمته. وكل مرحلة من هذه المراحل تأتي بعد المرحلة السابقة لها، والجميل في الأمر أنّها تتمّ جميعاً في ظل نور القرآن وتوجيهاته.
القرآن هو الذي يعظ البشر، والقرآن هو الذي يغسل قلوبهم من تبعات الذنوب والصفات القبيحة، والقرآن هو الذي يوقد نور الهداية في القلوب ليضيئها، والقرآن أيضاً هو الذي ينزل النعم الإِلهية على الفرد والمجتمع.
ويوضح أمير المؤمنين علي (عليه السلام) في كلامه الجامع في نهج البلاغة هذه الحقيقة بأبلغ تعبير، حيث يقول: «فاستشفوه من أدوائكم، واستعينوا به على ولائكم، فإِنّ فيه شفاء من أكبر الداء، وهو الكفر والنفاق، والغي والضلال» (1).
وهذا بنفسه يبيّن أنّ القرآن وَصْفَة لتحسين حال الفرد والمجتمع، والصيانة من أنواع الأمراض الأخلاقية والاجتماعية، وهذه الحقيقة أودعها المسلمون في كف النسيان، وبدل أن يستفيدوا من هذا الدواء الشافي، فإِنّهم يبحثون عن دوائهم وعلاجهم في المذاهب الأخرى، وجعلوا هذا الكتاب السماوي الكبير كتاب قراءة فقط، لا كتاب تفكر وعمل!
وتقول الآية الأخرى من أجل تكميل هذا البحث والتأكيد على هذه النعمة الإِلهية الكبرى ـ أي القرآن المجيد ـ : {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا} [يونس : 58] فلا يفرحوا بمقدار الثروات، وعظم المراكز، وعزة القوم والقبيلة، لأنّ رأس المال الحقيقي والأساس للسعادة الحقيقية هو هذا القرآن، فهو أفضل من كل ما جمعوه، ولا يمكن قياسه بذلك المجموع، لأنه (هو خير ممّا يجمعون).
________________
1- نهج البلاغة ، الخطبة 176 .
الشيخ عبد الله الجوادي الآملي
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
الشيخ حسن المصطفوي
الدكتور محمد حسين علي الصغير
الشيخ محمد صنقور
الشيخ علي رضا بناهيان
الشيخ محمد مهدي الآصفي
الفيض الكاشاني
السيد جعفر مرتضى
الشيخ جعفر السبحاني
حبيب المعاتيق
فريد عبد الله النمر
حسين حسن آل جامع
عبدالله طاهر المعيبد
ناجي حرابة
أحمد الرويعي
حسين آل سهوان
أسمهان آل تراب
أحمد الماجد
علي النمر
علماء يكتشفون أن الكافيين يُفعّل مفتاحًا خلويًّا قد يُبطئ الشيخوخة
أيها الشباب احذروا
التشاور مع الشباب
آيات الله في خلق الجبال (1)
معنى (عضد) في القرآن الكريم
الشّيخ صالح آل إبراهيم: إصلاح النّفس أساس كلّ تغيير إيجابيّ
(سباحة في بحر الوجود) جديد الكاتب فاضل الجميعي
(فنّ التّخطيط الإستراتيجيّ بعدسة هندسة الفكر) جديد الكاتب عبد المحسن صالح الخضر
تشخيص المجاز العقلي في القرآن وعند العرب
معنى قوله تعالى: ﴿فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي﴾