من التاريخ

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
عن الكاتب :
أحد مراجع التقليد الشيعة في إيران

سياسية الإمام السجاد(ع) في إحياء الثورة الحسينيّة (1)

خطب الإمام (عليه السلام) وبياناته ضمان لاستمرار الثورة

لابد من الاعتراف بأن خطب الإمام السجاد عليه السلام في الكوفة والشام، تعدّ من الخطب التي هزّت أركان قصر آل أمية الغاصبين، وقضّت مضاجع اليزيديين في الشام، وبكلامه (عليه السلام) في تلك الخطب أفاق أهل الشام وأهل الكوفة من غلفتهم وسباتهم، ولابد من الإذعان أيضًا أن بلاغة المنطق وقوة البرهان في تلك الخطب، أفسدت كل خطط بني أمية الخبيثة في محو الإسلام وإضعاف دور الثورة وتأثيرها في الناس، وتحجيم وتصغير عظمة شهادة الحسين (ع) وأهل بيته وصحبه.

مثال ذلك ما قاله الإمام (عليه السلام) في الكوفة "أيّها الناس من عرفني فقد عرفني ومنْ لم يعرفني فأنا أُعرّفْه بنفسي: أنا علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، أنا ابن من انتُهكَت حرمتُه وسلبت نعمتُه وانتهبَ ماله وسبيَ عيالُه، أنا ابن المذبوحِ بشطّ الفرات، من غير ذُحْل ولا ترات، أنا ابن من قُتل صبرًا وكفى بذلك فخرا".

ثم ختم حديثه بالأبيات التالية:

لا غروَ إن قتْلَ الحسين فَشَيخُه    

لقد كان خيرًا من حسين وأكرَما

فلا تفرحوا يا أهل كوفانَ بالذي   

أصاب حسينًا كانَ ذلك أعظمَا

قتيلٌ بشطّ النهر روحي فداؤُهُ    

جزاء الذي أرْداه نار جهنّما.

 

فضح جرائم يزيد في شهادة الإمام الحسين (عليه السلام)

يعدّ فضح حكومة يزيد الفاسدة، والإعلان عن الجرائم والفظائع الذي ارتكبها جيشه في كربلاء، أحد الأساليب المهمّة والعناصر الأساسية في تجديد وإحياء ثورة عاشوراء؛ من هنا كان الإمام زين العابدين يصدح بذلك ويبين للناس عظمة القبح والخطئية التي ارتكبها يزيد وأعوانه، وقد أجاب يزيد وهو في الشام "ويلك يا يزيد! إنك لو تدري ماذا صنعت؟ وما الذي ارتكبت من أبي وأهل بيتي وأخي وعمومتي إذًا لهربت في الجبال، وافترشت الرماد، ودعوت بالويل والثبور، أن يكون رأس أبي الحسين بن فاطمة وعلي منصوبًا على باب مدينتكم وهو وديعة رسول الله فيكم، فأبشر بالخزي والندامة غدًا إذا جمع الناس ليوم القيامة".

ولكن ينبغي القول إن الإمام السجاد (عليه السلام) كان يعلم أن هذا الكلام رغم بلاغته وقوته، سوف لا يؤثر الأثر العميق في قلب يزيد ونفسه المظلمة؛ وذلك لأنه شارب للخمر قاتل للنفس المحترمة لاعب القمار، وكان علي بن الحسين (عليه السلام) يدرك أنه لا يعتني كثيرًا بما قاله، ولكنه يعلم أيضًا أن الحاضرين كانوا كثرًا، وقد كانوا من وجهاء وكبار الشام، وهم من كان يقصدهم بما ذكره من كلام، فكان يدرك أنه مؤثر جدًّا في نفوسهم، مضافًا إلى أنّ قصر يزيد وبلاطه كان ملتقى للأمراء والملوك والخلفاء، وهو المكان الأهم الذي منه تنتشر الأخبار إلى أصقاع العالم، فأراد من كلامه الموجه إلى يزيد التوظيف الإعلامي والترويجي لقبائح وجنايات هذا الرجل المجرم، وكان يقصد فضح الحقيقة المستورة لآل أمية وكفرهم، وكشف زيف أقنعتهم أمام كلّ هؤلاء الناس.

أجل إن الله يريد فضح هذه الشجرة الخبيثة والمجرمة الجاهلة، وأراد أن يبيّن أنه تعالى يصنع من هؤلاء عبرة لكل الناس من خلال فضحهم عبر الأدلة الدامغة التي تجلّت ضدهم من خلال ما صنعوه بآل بيت النبي (صلوات الله عليهم) وقتلهم ذريّته والتمثيل بجثثهم ووضع رؤوسهم على رؤوس الرماح يطوفون بها البلدان، حتى تأتي العقوبة الربانية فيعاقبهم الله إلى ما شاء من العذاب.

 

 التأكيد على أن الشهادة هي طبيعة متجذرة لدى أهل البيت (عليهم السلام) وأنّها كرامة لهم

فيما يتعلق بتوضيح هذه القضية المهمة في خطب الإمام زين العابدين (عليه السلام) وحواراته مع العدو، نتعرض إلى ما قاله (عليه السلام) للّعِين عبيد الله بن زياد في مسجد الكوفة حينما أراد أن يقتل الإمام فرمَت عمّته بنفسها عليها، فنظر ابن زياد إليها وإليه ساعة، ثم قال: عجبًا للرحم والله إني لأظنّها ودّت أني قتلتها معه، دعوه أراه لما به، فأقبل علي بن الحسين على ابن زياد قائلا: "أَبِالْقَتْلِ تُهَدِّدُني يَا ابنَ زِيادٍ، أَما عَلِمْتَ أَنَّ الْقَتْلَ لَنا عادَةٌ وَكَرامَتَنَا الشَّهادَةُ".

 

 التأكيد على الوعي السياسي، أحد العناصر الأساسية في خطبة الإمام (عليه السلام) في الكوفة

إذا ما أردنا بيان غياب الوعي السياسي لأهل الكوفة، علينا الإشارة إلى ما قاله الإمام زين العابدين (ع) في مسجد الكوفة، حيث خطب بالناس هناك قائلًا: (أيها الناس: ناشدتكم بالله، هل تعلمون أنّكم كتبتم إلى أبي وخدعتموه، وأعطيتموه من أنفسكم العهد والميثاق والبيعة، ثمّ قاتلتموه وخذلتموه، فتبًا لكم لما قدّمتم لأنفسكم، وسوأة لرأيكم، بأية عين تنظرون إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، إذ يقول لكم: قتلتم عترتي، وانتهكتم حرمتي، فلستم من أمّتي). فارتفعت أصوات الناس بالبكاء من كل ناحية، ويقول بعضهم لبعض: هلكتم وما تعلمون؟ فقال (عليه السلام): (رحم الله امرأ قبل نصيحتي، وحفظ وصيتي في الله، وفي رسوله وأهل بيته، فإن لنا في رسول الله أسوة حسنة) .فقالوا بأجمعهم: نحن كلّنا يا ابن رسول الله سامعون مطيعون، حافظون لذمامك، غير زاهدين فيك، ولا راغبين عنك، فمُرنا بأمرك يرحمك الله، فإنّا حرب لحربك، وسلم لسلمك، لنأخذن يزيد ونرأ ممّن ظلمك وظلمنا .فقال (عليه السلام): (هيهات هيهات، أيّها الغدرة المكرة، حيل بينكم وبين شهوات أنفسكم، أتريدون أن تأتوا إليّ كما أتيتم إلى آبائي من قبل؟ كلاّ ورب الراقصات إلى منى، فإنّ الجرح لمّا يندمل، قتل أبي بالأمس وأهل بيته ومن معه، ولم ينسني ثكل رسول الله، وثكل أبي وبني أبي، ووجده بين لهاتي، ومرارته بين حناجري وحلقي، وغصصه تجري في فراش صدري، ومسألتي أن لا تكونوا لنا ولا علينا).

وعند التأمل في هذه الخطبة للإمام السجاد (عليه السلام) يمكن إدراك أن الإمام كان يعلم أن جهل هؤلاء، وضعف بصيرتهم وخياتنهم التي ظهرت في أكثر من مناسبة، يجعلهم أضعف من أي وقت مضى من النهوض والثورة بوجه طغاة البيت الأموي، من هنا كانت مقالته في ردهم والتعليق على ما أبدوه من استعداد: هو: "هيهات هيهات، أيّها الغدرة المكرة، حيل بينكم وبين شهوات أنفسكم (...) ومسألتي أن لا تكونوا لنا ولا علينا".

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد