مقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
عن الكاتب :
أحد مراجع التقليد الشيعة في إيران

دعائم الأخلاق (2)

دعامة الشخصيّة

يتحلّى البعض بالقيم الأخلاقيّة، لأنّها دليلٌ وعلامةٌ للشخصيّة أو الرجولة والمروءة، وكلّ إنسانٍ عندما يرى أنّ شخصيّته بين النّاس متوقفةٌ على الصّدق والأمانة، فسيتحرك على مستوى التّحلي بها ومُراعاتها، وكذلك عند ما يرى أنّ الناس يحترمون الشّجاع والوفي والرّحيم، فسيكون طالب الشخصية والاحترام، أوّل المطبّقين لها على نفسه حتى يمدحهُ الناس.

والعكس صحيح، فإنّه عندما يرى أنّ الناس لا يحترمون الجبان، ولا البخيل، ولا الخائن، ولا ضعيف الإرادة، ولا قيمة لهم في نظر المجتمع، فسوف يسعى لهجر هذه الرذائل، وتطهير نفسه منها.

وعليه يَتحصَّل لدينا: دعامةٌ وأساسٌ آخر للمسائل الأخلاقيّة.

ولكن وبالتّدقيق والتحقيق، نرى أنّ هذا الأساس يعود إلى مسألة الوجدان، غاية الأمر، أنّ المطروح هنا هو وجدان المجتمع، لا الوجدان الفردي، يعني أنّ ما يوافق الوجدان العام للمجتمع، فهو فضيلةٌ وعلامةٌ للشخصيّة، ومن الأخلاق الفاضلة وعكسه يدخل في الرذائل، وما يُقرّه الرأي العام للمجتمع، يكون هو الدّافع للفضائل والرّادع عن الرّذائل. ونحن لا ننكر أنّ الوجدان العمومي للمجتمع، يمكن أن يشخّص القِيَم من اللّاقيم، ويحثّ الأفراد للاهتمام بالمسائل الأخلاقيّة في خطّ التّربية والتّكامل.

ولكن ما ذكر من نواقص وإشكالات، حول الوجدان الفردي، هو نفسه يصدق على وجدان المجتمع.

فيمكن للمجتمع أن يُخطأ، وإذا ما وقع هذا الأساس للأخلاق، تحت طائلة الدعاية والإعلام القوي من قبل الحكومات، فبالإمكان أن ينقلب رأساً على عقب، وتكون الفضائل رذائل في منظومة القيم والمثل الأخلاقية، كما حدّثنا التّأريخ عن نماذج كثيرة من هذا القبيل، ففي عصر الجاهليّة مثلاً كان يُعتبر وَأْد البنات من المكرمات عند شريحةٍ كبيرةٍ من المجتمع آنذاك، ويُعتبر فضيلةً أخلاقيةً، (وذلك للمفهوم السّائد في ذلك الوقت وقت، من أنّه الطّريق للنّجاة من العار والشّنار، والحيلولة دون وقوع النّساء في الأسر في الحروب)..

ونرى في عصرنا الحاضر، وفي المجتمعات البشريّة المتقدّمة والمتطوّرة، أنّ المتموّلين ولأجل الوصول لأهدافهم غير المشروعة، وبالدعاية يخدعون الوجدان العمومي للمجتمع، ويقلبون القيم الأخلاقيّة الإيجابية، إلى مُضادّاتها في دائرة السّلوك الأخلاقي. بالإضافة إلى أنّ الوجدان والضّمير في الإنسان، هو من بَوارِق الرّحمة الإلهيّة، ونموذج لمحكمة العدل الإلهي العظيمة، عند الإنسان في هذا العالم، ولكن ومع ذلك، فالضّمير ليس بمعصوم عن الخطأ، ويمكن أن ينحرف، وإذا لم يتّخذ الإنسان تدابير لازمة لإصلاحه وتزكيته، فلعلّه يبقى على خطئه لسنين طويلة.

 

الدّعامة الإلهيّة

من المعلوم أنّ ما ذكر من الدّعامات والأسس، لا يخلو من واقعيّةٍ على مستوى دفع الإنسان نحو الفضائل الأخلاقيّة، ولكن وكما أشرنا إليه سابقاً أنّها لا تخلو ولا تسلم من الخطأ والانحراف، مثل دعامة الانتفاع والاستغلال التي تأخذ طريقها في أيّ وقت وزمان، فتارةً تسير مع الأخلاق وأخرى تُعارضها.

والبعض الآخر من الدّعامات له قدرةٌ محدودةٌ في تحريك الإنسان، ومشوبةٌ بالنّقص والقصور ولربّما أخطأت واشتبهت. والدّافع الوحيد الخالي عن الخطأ والاشتباه، والعاري من كلّ نقص في دائرة المسائل الأخلاقيّة، هو الدّافع الإلهي الذي يكون مصدره الله تعالى والوحي، في إطار التّعاليم الدينيّة.

وهنا لا تعدّ الفضائل الأخلاقيّة وسيلةً للانتفاع والاستغلال، ولا هي وسيلةٌ للرفاه الاجتماعي، (وإن كانت الأخلاق قطعاً، وسيلةً للرّفاه والعمران والهدوء، وتؤمّن المنافع الماديّة أيضاً).

فالأصالة هنا للدوافع الروحيّة والمعنويّة، أو بعبارة أخرى، أنّ الذّات الإلهيّة المنزّهة، والّتي هي الكمال المطلق، ومُطلق الكمال، وجميع صفاته الجماليّة والجلاليّة، تكون هي المحور الأصلي للمسألة، وكلّ إنسان يسعى في الـمُضيّ قُدماً، للوصول إلى الكمال المطلق، ويتحرّك في حياته المعنوية، من موقع تفعيل نور أسماء الصّفات الإلهيّة في نفسه، ليشبهه ويتقرب إليه أكثر وأكثر يوماً، بعد يوم (وإن كانت ذاته المقدّسة منزهّةً عن الشبيه الحقيقي)، ويصل إلى الكمال المطلق، فلا حدّ للكمال هناك، وبذلك يعيش بكلّ وجوده، حالة الاستغراق من الحبّ لله تعالى، والكمال المطلق، وتُنير وجوده وباطنه، أنوارُ وصفاتُ الذّات المقدّسة، بحيث يطلب الكمال والرّقي، في الدّرجات العليا في كلّ لحظة، فلا يتقيّد بالمنافع الماديّة، ولا يطلب الأخلاق للشخصيّة والاحترام، ولا يكون هدفه الضّمير وحده، بل لديه هدفٌ أسمى وأعلى من كلّ تلك الأمور.

فلا يأخذ معلوماته من العقل والوجدان فقط، بل يستعين بالوَحي أيضاً، ليميّز في ظلّه القيم الحقيقيّة من الكاذبة، وليمشي بخطى ثابتةٍ مع إيمانٍ ويقينٍ كاملين في هذا الطريق، والقرآن الكريم، هو خير دليلٍ في هذا المضمار، ويُصرّح القرآن الكريم، بأنّ الأعمال الأخلاقيّة هي وليدة الإيمان بالله واليوم الآخر، ودائماً ما يردف: (العمل الصالح) بالإيمان، وعرّف العمل الصالح، بالّثمرة لشجرة الإيمان.

ومثّل الإيمان، بالشّجرة الطيّبة، وجذورها ثابتة في روح وأعماق الإنسان، وفروعها وأوراقها وارفة، تؤتي بثمارها كلّ حين، وأشار إشارة جميلةً فقال الله تعالى: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِي السَّماءِ تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها).

ومن البديهي، أنّ الشجرة التي تمدّ جذورها في أعماق القلوب، وتتفرع أغصانها من جميع أعضاء الإنسان، وترتفع في سماء حياته، هي شجرةٌ وارفةٌ لا يؤثّر فيها جفاف الخريف، ولا تقلعها العواصف أبداً.

وجاء أيضاً في سورة «والعصر»، نفس هذا المعنى ولكن بتعبير آخر، فالقاعدة الكلّية هو الخسران والتّضييع للإنسان، والمستثنون من ذلك هم المؤمنون، في أوّل الأمر، ثم الّذين يعملون الصّالحات ويتواصون بالحقّ والصّبر: (وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ).

وجاء نفسُ هذا المعنى وبتعبيرٍ جميلٍ آخر، في الآية (21) من سورة النور، فيقول الله تعالى: (وَلَوْلا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ما زَكى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلكِنَّ اللهَ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ ...).

وعليه، فإنّ سمُوّ الأخلاق والعمل والتّزكية الكاملة لا تتمّ، إلّا بالإيمان بالله ورحمته الواسعة.

وجاء نفس هذا المعنى في سورة (الأعلى) فيقول الله تعالى: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى* وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى).

فطبقاً لهذه الآيات، فإنّ التّزكية الأخلاقيّة والعمليّة، لها علاقةٌ وثيقةٌ باسم الله تعالى والصّلاة والدّعاء، هذا إذا ما استمدّت أسسها منه سُبحانه وتعالى، وحينها ستكون عميقةً ودائمةً، وإذا ما اعتمدت على أسسٍ أخرَى، فستكون واهيةً وعديمة المحتوى.

في الآية (93) من سورة المائدة، جاء وصف جمي ، للعلاقة الوثيقة بين التّقوى والأعمال الأخلاقيّة بالإيمان: فقال الله تعالى: (لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا إِذا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ).

في هذه الآية الشّريفة، تقدّمت التّقوى مرّة على الإيمان والعمل الصّالح، وتأخرت أخرَى، وتقدمت مرّةً على الإحسان، لأنّ التّقوى الأخلاقيّة والعمليّة تتقدم على الإيمان في مرحلةٍ ما، وهي التّحضير لقبول الحقّ والإحساس بالمسؤوليّة للبحث عنه.

ثم إنّ الإنسان عندما يعرف الحقّ ويؤمن به، فستتكون في نفسه مرحلةٌ أعلى وأقوى من التّقوى، وتكون مصدراً لأنواع الخيرات.

وبهذا التّرتيب، تتبيّن العلاقة الوثيقة بين الإيمان والتّقوى.

وخلاصة القول: إنّ أقوى وأفضل الدّعائم للأخلاق، هو الإيمان بالله، والإحساس بالمسؤوليّة اتّجاهه، ومثل هذا الإيمان هو أبعد مدىً وأرحب أفقاً من المسائل المادّية، ولا يبدّل ولا يعوّض بشيٍء، فهو يرافق الإنسان في كلّ مكان ولا ينفصل عنه أبداً، ولا يوجد شيء أفضلُ منه.

ولذلك فإنّنا نرى، أنّ أقوى مظاهر الأخلاق، كالإيثار والتّضحية تتجسّد في حياة أولياء الله تعالى.

ونرى أيضاً، في المجتمعات الماديّة التي توزِن كلّ شيء بمعيار النّفع، أنّ الأخلاق فيها ضعيفةٌ جدّاً، وفي الأغلب أنّ المعترف به رسميّاً عند الجميع، هو النّفع الشّخصي المادّي، فالصّدق والأمانة والوفاء وما شابه ذلك، هي أخلاق حسنةٌ وسلوكيّات جيدةٌ، ما دامت تعود بالنّفع على الفرد، وعند تعرّض النّفع المادي للخطر، فستفقد لونها وقيمتها!!.

فالأبوان العجوزان، ولعدم نفعهما، فمصيرهما أن يعيشا في زاوية النسيان، ويتمّ نقلهما إلى مراكز ودور العجزة، لينتظرا أجلهما المحتوم.

وبمجرّد أنّ يبلغ الأطفال مرحلة الرّشد والمراهقة، فإنّ مصيرهم الانفصال عن أسرهم، لا لكي يستقلّوا اقتصاديّاً، بل لكي يُنسوا إلى الأبد.

وكذلك الأزواج، فهم شركاء في الحياة ما دام في الحياة الزوجية نفعٌ ولذّة، وإلّا فلا حاجة إلى العلاقة الزّوجيّة ولا ضرورة للالتزام بتبعاتها، ولذلك فإننا نرى أنّ الطّلاق هناك كأيسر ما يكون، وشائع إلى درجةٍ خطيرةٍ، ففي المذاهب الماديّة التي لا تقوم على أساسٍ إلهي في دائرة الأخلاق، يكون الاستشهاد لديهم لنيل المقاصد السّامية، هو الانتحار بعينه، والكرم الذي يؤدي إلى تبذير الأموال، ليس هو إلّا نوعٌ من الجنون، والعّفة والاستقامة على طريق الفضيلة، ليست هي إلّا ضَعفٌ في النّفس، والزُّهد بالعالم المادي، ليس هو إلّا سذاجةً وجهلاً بالحياة.

وما نراه اليوم من التنافس المحموم على الماديات، ومراكز القدرة في هذه المجتمعات، ورؤساء تلك الدول، هو أفضل وخير نموذج يعبّر عمّا لديهم من معايير للأخلاق الماديّة.

والشّاهد على ذلك، ما يصدر من الانتهازيّة والتّعامل المزدوج للقوى الاستعماريّة تجاه (حقوق الإنسان)، فعندما تكون حقوق الإنسان سبباً لتعرّض منافعهم للخطر، فسوف يتجاهلونها ويجعلونها وراء ظهورهم، ويذبحون القيم الإنسانيّة على مذبح المصالح الماديّة.

فأخطر المجرمين والمعتدين على حقوق الإنسان، يصبحون مسالمين ومصلحين، وبالعكس فإنّ الشخص الذي يريد أن يدافع عن حقّه في مقابلهم، يكون هو الشّيطان بعينه، ويجب أن يُقمع بأيّ وسيلةٍ كانت.

فنراهم يدافعون عن الديمقراطيّة وحكومة الشّعب، دفاعاً مُستميتاً، وفي نفس الوقت نراهم وفي زاوية أخرى من العالم، يدافعون عن أسوَأ وأظلم المستبدّين الديكتاتورييّن لا لشيءٍ، إلّا لأن الأخلاق عندهم ليست هي: إلّا النّفع في بُعده المادي والشّخصي. والإنسان المادي لا يمتلك صورةً واضحةً عن الأخلاق في دائرة التّعامل مع الآخرين، بل مفاهيم ضبابيّة وصورة قاتمة.

والملاحظة الأخرى الّتي تجدر الإشارة إليها، أنّ المادييّن لا يرون في سلوكهم الأخلاقي، غير زمانهم ومكانهم الّذي هم فيه الآن، ولا أهميّة عندهم لما فَعل الماضون، ولا ما سيفعله اللّاحقون، إلّا أن يكون له علاقةٌ بحاضرهم، ومنطقهم يتمثّل به قول الشّاعر، حيث يقول:

إن أنا مِتُّ فلا طلعت شمس الضّحى على أحدِ

ولكن الموحّدين المعتقدين بالحياة الآخرة، ومحكمة العدل الإلهي في يوم القيامة، يعتقدون أنّ معطيات الأخلاق وبركاتها المعنوية جارية حتى بعد الممات، ولو امتدّت لآلاف السّنين، وسيثاب الإنسان عليها في الأخرى، ولذلك لا يتعاملون مع الواقع الدنيوي، من موقع الزّمان الحاضر فقط، بل من موقع التّفكير في الغد البعيد والحياة الخالدة.وقد جاء في الحديث المعروف عن الرسول الكريم صلى ‌الله ‌عليه ‌وآله، أنّه قال: «إذا مات المؤمن انقطع عمله إلّا من ثلاث، صدقةٍ جارية ـ أي الوقف ـ أو علم يُنتفع به أو ولد صالح يدعو له».

فالإيمان بالآخرة دافعٌ وحافزٌ آخر، للحثّ على الأعمال، الأخلاقية المهمة، مثل الصّدقة الجارية والآثار العلميّة المفيدة وتربية الأولاد الصّالحين، والحال أنّ لا مفهوم لهذه الأمور لدى المادييّن.

وقد قسّم المرحوم الشّهيد (مُطهّري)، في كتاب «فلسفة الأخلاق»، الأنانيّة إلى ثلاثة أقسام : (للنّفس ، وللعائلة ، وللقوميّة)، وعدّها كلّها من الأنانيّة، التي تقف في الطّرف المقابل للأخلاق، ونقل كلاماً عن «كوستاف لوبون»، في كتابه المعروف (حضارة الإسلام والعرب)، ورأينا أن ننقله هنا إكمالاً للفائدة.

فقد ذكر هذا الكاتب الغربي، في معرض حديثه عن الشّعوب الشرقيّة، وأنّهم لماذا وقفوا من الحضارة الغربيّة موقفاً سلبيّاً؟ فعللّ ذلك بالقول:

(أولاً: لعدم القابليّة لديهم لاستقبال هذه الثّقافة، وثانياً: إنّ حياتهم ومعيشتهم تختلف عن حياتنا ومعيشتنا، فحياتهم بسيطةُ وساذجةٌ، بخلاف ما نحن عليه من التّعقيد الحضاري في واقع الحياة، ثم يردف قائلاً: ولا يخفى مدى الظّلم الذي ارتكبته الشّعوب الغربّية في حقهم. (وهو عامل مهم آخر).

وبعدها أشار إلى الظّلم الذي ارتكبه الغربيّون، في أمريكا والهند والصّين، وخصوصاً كان يؤكد على قصّة الحرب المعروفة، بــ: (حرب التّرياك)، التي شنّها الإنجليز على شعب الصيّن، لأجل السّيطرة عليهم، فنشروا استعمال التّرياك بين الشعب، لأجل التّسلط عليهم، وليميتوا فيهم روح المقاومة، ويكسروا شوكتهم، ولكنّ الصّينيين توجهّوا للخدعة، وتحرّكوا للتّصدي للإنجليز، الذين صوّبوا مدافعهم، وانتصروا عليهم بقوّة السّلاح الفتّاك، وانتشر بين الأهالي استعمال التّرياك، بحيث جاءت الإحصائيات: (في ذلك الزمان)، أنه في كل سنةٍ يموت حوالي الـ (600) ألف نفر، جرّاء استعمالهم للتّرياك.

نعم فعندما لا تقوم الأخلاق على قاعدةٍ متماسكةٍ، من الإيمان والقيم المعنويّة في واقع الإنسان، فسوف تأخذ بالذّبول والتّراجع، لصالح المنافع الشّخصيّة والنّوازع الدنيويّة العاجلة.

 

ملاحظة:

ما ذكرناه آنفاً حول دعامة الأخلاق، من وجهة نظر الإيمان بالمبدأ والمعاد، لا يعني إنكار الدّور الفعّال لـ : «العقل الفطري» في تعميق المسائل الأخلاقيّة، فالضّمير والوجدان في الحقيقة، هو رسول الله في أعماق البشر، ومن جهةٍ أخرى له الأثر الكبير في تحكيم المباني الأخلاقيّة، بشرط أن يصاحبها عنصر الإيمان، وتتخلص من حجب الأنانيّة وهوى النّفس.

وأكّد القرآن الكريم على هذه المسألة مرّات عديدة، ففي الآية (100) من سورة «يونس»، يقول الله تعالى: (وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ).

وفي الآية (22) من سورة «الأنفال»، نقرأ: (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ).

ويقول الله سبحانه عن الّذين يستهزئون بالصّلاة: في سورة (المائدة) الآية (58): (اتَّخَذُوها هُزُواً وَلَعِباً ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ).

وهكذا يتبيّن من خلال ما ذُكر آنفاً، خلاصة رؤية القرآن المجيد للمسائل الأخلاقية.

 

 

 

 

 

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد