مقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ عبدالهادي الفضلي
عن الكاتب :
الشيخ الدكتور عبدالهادي الفضلي، من مواليد العام 1935م بقرية (صبخة العرب) إحدى القرى القريبة من البصرة بالعراق، جمع بين الدراسة التقليدية الحوزوية والدراسة الأكاديمية، فنال البكالوريوس في اللغة العربية والعلوم الإسلامية ثم درجة الدكتوراه في اللغة العربية في النحو والصرف والعروض بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف، له العديد من المؤلفات والمساهمات على الصعيدين الحوزوي والأكاديمي.rnتوفي في العام 2013 بعد صراع طويل مع المرض.

المسلم في حياة الإمام علي (عليه السلام) (2)


الشيخ عبد الهادي الفضلي ..
من أمثال قول الإمام علي عليه السلام: (إِنَّ اللهَ تَعَالَى فَرَضَ عَلى أَئِمَّةِ الْعَدْلِ أَنْ يُقَدِّرُوا أَنْفُسَهُمْ بِضَعَفَةِ النَّاسِ، كَيْلاَ يَتَبَيَّغَ بِالْفَقِيرِ فَقْرُهُ)، وقوله: (وَلَوْ شِئْتُ لاَهْتَدَيْتُ الطَّرِيقَ، إِلَى مُصَفَّى هذَا الْعَسَلِ، وَلُبَابِ هذَا الْقَمْحِ، وَنَسَائِجِ هذَا الْقَزِّ، وَلكِنْ هَيْهَاتَ أَنْ يَغْلِبَنِي هَوَايَ، وَيَقُودَنِي جَشَعِي إِلَى تَخَيُّرِ الأطْعِمَةِ ـ وَلَعَلَّ بِالْحِجَازِ أَوِ بِالْـيَمَامَةِ مَنْ لاَ طَمَعَ لَهُ فِي الْقُرْصِ، وَلاَ عَهْدَ لَهُ بِالشِّبَعِ ـ أَوْ أَبِيتَ مِبْطَاناً وَحَوْلِي بُطُونٌ غَرْثَى وَأَكْبَادٌ حَرَّى، أَوْ أَكُونَ كَمَا قَالَ الْقَائِلُ: وَحَسْبُكَ دَاءً أَنْ تَبِيتَ بِبِطْنَة وَحَوْلَكَ أَكْبَادٌ تَحِنُّ إِلَى الْقِدِّ.
أَأَقْنَعُ مِنْ نَفْسِي بِأَنْ يُقَالَ: أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، وَلاَ أُشَارِكُهُمْ فِي مَكَارِهِ الدَّهْرِ، أَوْ أَكُونَ أُسْوَةً لَهُمْ فِي جُشُوبَةِ الْعَيْشِ! فَمَا خُلِقْتُ لِيَشْغَلَنِي أَكْلُ الطَّيِّبَاتِ، كَالْبَهِيمَةِ الْمَرْبُوطَةِ هَمُّهَا عَلَفُهَا، أَوِ الْمُرْسَلَةِ شُغُلُهَا تَقَمُّمُهَا، تَكْتَرِشُ مِنْ أَعْلاَفِهَا، وَتَلْهُو عَمَّا يُرَادُ بِهَا، أَوْ أُتْرَكَ سُدىً، أَوْ أُهْمَلَ عَابِثاً، أَوْ أَجُرَّ حَبْلَ الضَّلاَلَةِ، أَوْ أَعْتَسِفَ طَرِيقَ الْمَتَاهَةِ).
ومنها نفهم جلياً أنَّ النظام الإسلامي لم يشرّع لمصلحة الطبقة الحاكمة كما نراه، ونلمس واقعه فيما سواه من التشريعات والأنظمة، ذلك (أنَّ كل تشريع أرضي هو ـ في واقعه ـ تعبير عن الطبقة التي تملك وتحكم، وإنّ يمثل مصالحها هي على حساب بقية الطبقات، فالإقطاع مرة يحكم، فيشرع لحساب طبقة الإقطاعيين ولحماية مصالحهم على حساب بقية الشعب، ورأس المال مرة يحكم، فيشرع لحساب طبقة الرأسماليين ولحماية مصالحهم على حساب العمال، ودكتاتورية البروليتاريا مرة تحكم، فتشرع لحساب طبقة العمال (نظرياً على الأقل) على حساب بقية الآدميين.. ولم يحدث غير ذلك في التأريخ).
نفهم جلياً أن النظام الإسلامي لم يشرّع لغير مصلحة الإنسانية عامة، وإعطائها كرامتها، والاحتفاظ بها.
ونفهم جلياً أنَّه يماشي واقع الحياة؛ لأنَّ الحاكم متى لم يعش حياة الفقير لا يتحسس آلامه، ولا يشعر بمدى حاجته، فهو إلى عدم إنقاذه من وهدة البؤس وهوة الفاقة أقرب منه إلى العناية به.
ونلمسها في عدم استغلاله المنصب لصالحه، أو لصالح ذويه ومن إليه: (فَوَاللهِ مَا كَنَزْتُ مِنْ دُنْيَاكُمْ تِبْراً، وَلاَ ادَّخَرْتُ مِنْ غَنَائِمِهَا وَفْراً، وَلاَ أَعْدَدْتُ لِبَالِي ثَوْبِي طِمْراً).
واسمعه يكتب إلى بعض عماله: (كَيْفَ تُسِيغُ شَرَاباً وَطَعَاماً، وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّكَ تَأْكُلُ حَرَاماً، وَتَشْرَبُ حَرَاماً، وَتَبْتَاعُ الإمَاءَ وَتَنْكِحُ النِّسَاءَ مِنْ مَالِ الْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْـمُجَاهِدِينَ، الَّذِينَ أَفَاءَ اللهُ عَلَيْهِمْ هذِهِ الأمْوَالَ، وَأَحْرَزَ بِهِمْ هذِهِ الْبِلاَدَ؟!
فَاتَّقِ اللهَ، وَارْدُدْ إِلَى هؤُلاَءِ الْقَوْمِ أمَوَالَهُمْ، فإِنَّكَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ ثُمَّ أَمْكَنَنِي اللهُ مِنْكَ لأعْذِرَنَّ إِلَى اللهِ فِيكَ، وَلأضْرِبَنَّكَ بِسَيْفِي الَّذِي مَا ضَرَبْتُ بِهِ أَحَداً إِلاَّ دَخَلَ النَّارَ!
وَوَاللهِ لَوْ أَنَّ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ فعَلاَ مِثْلَ الَّذِي فَعَلْتَ، مَا كَانَتْ لَهُمَا عِنْدِي هَوَادَةٌ، وَلاَ ظَفِرَا مِنِّي بَإِرَادَة، حَتَّى آخُذَ الْحَقَّ مِنْهُمَا، وَأُزِيحَ الْبَاطِلَ عَنْ مَظْلَمَتِهِمَا).
وشيء آخر لمسته في حدود ما قرأت من فلسفة الإمام وثقافته هو أنَّ كل فكرة يقولها يستمدها من واقع الحياة العملية، ويرسلها في مصلحة الحياة العملية، فلم أعثر على فكرة عنده، بعيدة عن الواقع، أو تمت إلى الخيال واللاواقع بأية صلة. مما يعطينا أنَّ حياته في كل جوانبها حتى الفكرية منها هي بكاملها عمل يبذل في سبيل الحياة العملية للإنسان من أجل نفعه وخيره.
ونلمسها في تطهيره مجتمعه آنذاك من العناصر اللاإسلامية أو المناوئة للإسلام، أو المتمردة على تحكيم الإسلام نظامًا في الحياة، وفي تطهيره ذهنيات المسلمين من أوضار الفكر المسمومة، وفي تنقيته المفاهيم والأفكار الإسلامية مما علق فيها فغير من معالمها الأصيلة، وفي محاولاته من أجل إعادة المجتمع الإسلامي إلى نصابه، والذي يحدده بقوله: (إِنَّ أَفْضَلَ مَا تَوَسَّلَ بِهِ الْمُتَوَسِّلُونَ إِلَى اللهِ سُبْحَانَهُ: الإيمَانُ بِهِ وَبِرَسُولِهِ، وَالْجِهادُ فِي سَبِيلِهِ فَإِنَّهُ ذِرْوَةُ الإسْلاَمِ، وَكَلِمَةُ الإخْلاَصِ فَإِنَّهَا الْفِطْرَةُ).. ذلك أنَّ الفكرة اللاإسلامية، والتي تناقض مبادئ الإسلام لا مجال لها في بلاد المسلمين وفي مجتمعهم.
فالمبادئ غير الإسلامية لا تعيش في مجتمع إسلامي ترسى قواعده على تعاليم الإسلام، وتوثق علائقه على هديه وإرشاده.
وقد رأينا الإسلام يذهب إلى أبعد من هذا ﴿ وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ﴾.. الفئة الباغية من المسلمين لا حياة لها في مجتمع إسلامي حتى تفيء إلى أمر الله تعالى. ورأينا الإمام (عليه السلام) يطبق هذه المادة في مجالها.
هذا هو المسلم في واقعه الأصيل نلمسه في تأريخ حياة الإمام (عليه السلام؛ فكرة إسلامية تملأ الذهنية في إطارها وتفكيرها، وعاطفة إسلامية تملأ النفسية في أحاسيسها وانفعالاتها، وسلوك إسلامي يصدر منهجًا وفق تعاليم الإسلام وتوجيهاته.
فهل وعينا كياننا كمسلمين كأمة؟
وهل علمنا أنَّ الأمة التي لا تفهم ذاتها، ولا تعي كيانها لا تقوى أن تثبت وجودها، ولا تستطيع أن تحتفظ بكرامتها، ولا تقدر أن تحقق غاياتها وأهدافها.
ندعوه تعالى أن يجعل من هذه اليقظات نقطة الانطلاق وفاتحة الخير إلى حياة إسلامية عليا.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة