المترجم : أبو طه/ عدنان أحمد الحاجي

تُنتج مادة كيميائية عصبية بشكل مفرط خلال العزلة الاجتماعية طويلة المدى، مما يتسبب في زيادة العدوانية والخوف.
إن العزلة الاجتماعية المزمنة لها آثار مدمرة على الصحة العقلية في الثدييات - على سبيل المثال، غالبًا ما ترتبط بالاكتئاب واضطراب إجهاد ما بعد الصدمة لدى البشر. الآن، اكتشف فريق من الباحثين في معهد كالفورنيا للتنكلوجيا Caltech أن العزلة الاجتماعية تسبب تراكم مادة كيميائية معينة في الدماغ، وأن حجب هذه المادة الكيميائية يزيل الآثار السلبية للعزلة. هذا البحث له تطبيقات محتملة لعلاج اضطرابات الصحة العقلية عند الناس.
 العمل البحثي، بقيادة طالب ما بعد الدكتوراه موريل زيليكوفسكي، أنجز في مختبر دايفيد ج. أندرسون،  البرفسور سيمور بنزر أستاذ العلوم البيولوجية، الورقة التي تفصل البحث نشرت في عدد ١٧ مايو ٢٠١٨  من  مجلة Cell.
بعد تأكيد الملاحظات السابقة وتوسيعها، بيّن الباحثون أن العزلة الاجتماعية المطولة تؤدي إلى مجموعة واسعة من التغيرات السلوكية في الفئران. وتشمل زيادة في العدوانية نحو الفئران غير المألوفة لديها، والخوف المستمر، وفرط الحساسية للمثيرات  المهددة. على سبيل المثال، عند مواجهة مثير مهدِد، تظل الفئران المعزولة اجتماعيًّا ثابتة في مكانها بعد مرور فترة طويلة على التهديد، في حين تتوقف الفئران العادية عن الثباث في مكانها بعد وقت قصير من إزالة التهديد. تُلاحظ هذه التأثيرات عندما تتعرض الفئران إلى أسبوعين من العزلة الاجتماعية، ولكن لا تظهر هذه الأعراض بعد عزلة اجتماعية قصيرة الأجل ـ ٢٤ ساعة ـ مما يوحي بأن التغييرات الملحوظة في العدوانية واستجابات الخوف تتطلب عزلًا مزمنًا.
في دراسة سابقة على ذبابة الفاكهة دوروسفيلا  Drosophila، اكتشف مختبر أندرسون أن مادة كيميائية عصبية معينة تسمى تاكيكينين Tachykinin تلعب دورًا في تعزيز العدوانية في الذباب المعزول اجتماعيًّا. ال تاكيكينين Tachykinin هو بيبتايد (مركب متكون من حامضين امينيين) عصبي  neuropeptide ، وهو جزيء بروتين قصير يتم إفرازه من خلايا عصبية معينة عند تنشيطها. ترتبط البيبتايدات العصبية  Neuropeptides بمستقبلات محددة على الخلايا العصبية الأخرى، فتغير خصائصها الفيزيولوجية ومن ثم تؤثر على وظيفة الدائرة العصبية.
للتحقيق في ما إذا كان دور التاكيكينين tachykinin في السيطرة على العدوانية ناجمًا عن العزلة الاجتماعية قد حُفظ من الناحية التطورية من الحشرات إلى الثدييات، تحول فريق أندرسون إلى الفئران المعملية. في الفئران، يقوم جين التاكيكينين   tacykinin   ( والمعروف ب Tac2 ) بتشفير البيبتايد العصبي  nuropeptide  neurokinin B (المسمى ب NkB ).  يـنتج Tac2 / NkB من قبل خلايا عصبية في مناطق محددة من دماغ الفئران مثل اللوزة الدماغية والوطاء (ما تحت المهاد)‏ hypothalamus ، واللذان لهما دخل في السلوك العاطفي والاجتماعي.
وجد الباحثون أن العزلة المزمنة تؤدي إلى زيادة في تعبير جين Tac2 وإنتاج NkB في جميع أنحاء الدماغ. ومع ذلك، فإن إعطاء دواء يحجب كيميائيًّا مستقبلات NkB المحددة مكن الفئران المجهدة من التصرف بشكل طبيعي، مما أدى إلى القضاء على الآثار السلبية للعزلة الاجتماعية. وعلى العكس من ذلك، أدت زيادة مستويات Tac2 اصطناعيًّا وتفعيل الخلايا العصبية المقابلة في الحيوانات العادية غير المضطربة إلى التصرف كالحيوانات المعزولة.
كما حجب الباحثون وظيفة Tac2 ومستقبلاتها في مناطق دماغية متعددة. ووجد الباحثون أن تثبيط جين Tac2 في اللوزة أدى إلى القضاء على سلوكيات الخوف المتزايدة، ولكن ليس العدوانية، في حين أن العكس لما تم تثبيط الجين في المهاد أدى إلى القضاء على العدوانية المتزايدة ولكن ليس الخوف المستمر. تشير النتائج إلى أن Tac2 يجب أن يزيد في مناطق الدماغ المختلفة لإنتاج التأثيرات المختلفة للعزلة الاجتماعية.
على الرغم من أن العمل البحثي أجري على الفئران، إلا أن له تداعيات محتملة لفهم كيف يؤثر التوتر المزمن على البشر.
يقول زيليكووسكي: "لدى البشر جهاز   Tac2 تشويري signaling مشابه، مما يعني إمكانية ترجمة هذا العمل اكلينيكيًّا." "عندما ننظر إلى علاج اضطرابات الصحة العقلية، فإننا نركز بشكل تقليدي على استهداف أنظمة الناقلات العصبية العريضة مثل السيروتونين والدوبامين التي تدور على نطاق واسع في جميع أنحاء الدماغ. يمكن أن يؤدي التلاعب في هذه الأنظمة إلى تأثيرات جانبية غير مرغوب فيها. لذا، كونك  قادرًا على التعديل الدقيق والمحلي للبيبتايد العصبي neuropeptide مثل Tac2 هو مقاربة واعدة لعلاجات الصحة العقلية ".

المصدر:
http://m.caltech.edu/news/how-social-isolation-transforms-brain-82290