
لا شكّ أنّ المسلم الحقيقي هو من يستسلم لأوامر اللّه ورسوله ولا يخالفه قيد شعرة آخذاً بقوله سبحانه : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَي اللّهِ وَرَسُولهِِِ واتَّقُوا اللّهَ إِنَّ اللّهَ سَميعٌ عَليم) [1]. وقد فسر المفسرون قوله سبحانه: (لا تُقَدّمُوا بَيْنَ يَدَي اللّه وَرَسُوله) بقولهم: أي لا تتقدموا على اللّه ورسوله في كلّ ما يأمر وينهى، ويؤيده قوله سبحانه في نفس السورة: (وَاعْلَمُوا أَنَّ فيكُمْ رَسُولَ اللّهِ لَو يُطِيعُكُمْ في كَثير مِنَ الأَمْرِ لَعَنِتّم). [2]
وقال عزّ من قائل: (فَلا وَرَبّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتّى يُحكّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا في أَنْفُسِهِمْ حَرجاً مِمّا قَضَيْت وَيُسَلِّمُوا تَسْليماً). [3]
ومع ذلك كلّه فقد نجمت بين الصحابة والنبي الأعظم مشاجرات ومنازعات بين آونة وأُخرى قد ضبطها التاريخ وأصحاب السير. غير أنّ الشهرستاني يصر على أنّ أكثر الخلافات كان من جانب المنافقين وقال: «إنّ شبهات أُمّته في آخر زمانه، ناشئة من شبهات خصماء أوّل زمانه من الكفّار والملحدين، وأكثرها من المنافقين، وإن خفي علينا ذلك في الأمم السالفة لتمادي الزمان، فلم يخف في هذه الأمّة أنّ شبهاتها نشأت كلّها من شبهات منافقي زمن النبي، إذ لم يرضوا بحكمه فيما كان يأمر وينهى، وشرعوا فيما لا مسرح للفكر فيه ولا مسرى وسألوا عمّا منعوا من الخوض فيه والسؤال عنه، وجادلوا بالباطل في ما لا يجوز الجدال فيه».
ثمّ ذكر الشهرستاني حديث ذي الخويصرة التميمي في تقسيم الغنائم إذ قال: اعدل يا محمد، فإنّك لم تعدل، حتى قال عليه الصلاة والسلام: «إن لم أعدل فمن يعدل». [4]
إنّ ما ذكره الشهرستاني صحيح لا غبار عليه غير أنّ الاعتراض والخلاف لم يكن منحصراً بالكفار والمنافقين بل كان هناك رجال من المهاجرين والأنصار، يعترضون على النبي في بعض الأمور التي لا تروقهم، وكأنّ الشهرستاني نسي قصة الحديبية حيث آثر رسول اللّه صلى الله عليه وآله الصلح يوم الحديبية على الحرب وأمر به، عملاً بما أوصى اللّه إليه، وكانت المصلحة في الواقع وفي نفس الأمر توجبه، لكنّها خفيت على أصحابه فطفق بعضهم ينكره والآخر يعارضه علانية بكلّ ما لديه من قوة. هذا هو عمر بن الخطاب فإنّه بعدما تقرر الصلح بين الفريقين على الشروط الخاصة وقد أدركته الحمية، فأتى أبا بكر وقد استشاط غضباً فقال: يا أبا بكر أليس برسول اللّه؟ قال: بلى. قال: أولسنا بالمسلمين؟ قال: بلى. قال: أوليسوا بالمشركين؟ قال: بلى. قال: فعلام نعطي الدنية في ديننا... الحديث. [5]
وكأنّ الشهرستاني غفل أيضاً عن الجدال الشديد بين النبي وبعض أصحابه في متعة الحج. قال الإمام القرطبي : «لا خلاف بين العلماء أنّ التمتع المراد بقوله تعالى: (فَإِذا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَة إِلَى الحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الهَدي) [6] هو الاعتمار في أشهر الحجّ قبل الحجّ، قلت: وهو فرض من نأى عن مكة بثمانية وأربعين ميلاً من كلّ جانب على الأصح، وإنّما أضيف الحجّ بهذه الكيفية إلى التمتع أو قيل عنه: التمتع بالحج، لما فيه من المتعة، أي اللذة بإباحة محظورات الإحرام في المدة المتخلّلة بين الإحرامين، وهذا ما كرهه عمر وبعض أتباعه فقال قائلهم: أننطلق وذكورنا تقطر؟!
وفي «مجمع البيان» أنّ رجلاً قال: أنخرج حجاجاً ورؤوسنا تقطر؟ وأنّ النبي صلى الله عليه وآله قال له: «إنّك لن تؤمن بها أبداً». [7]
ولأجل هذه المكافحة التي نجمت في حياة النبي خطب عمر بن الخطاب في خلافته وقال: متعتان كانتا على عهد رسول اللّه صلى الله عليه وآله وأنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما. [8]
وهذه الأُمور تسهل لنا التصديق بما رواه البخاري في إسناد عن عبيد اللّه بن عبد اللّه، عن ابن عباس قال: «لما اشتد بالنبي صلى الله عليه وآله وجعه قال: ايتوني بكتاب أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده». قال عمر: إنّ النبي صلى الله عليه وآله غلبه الوجع، وعندنا كتاب اللّه حسبنا، فاختلفوا وكثر اللغط. قال: «قوموا عنّي، ولا ينبغي عندي التنازع». فخرج ابن عباس يقول: «إنّ الرزية كلّ الرزية ما حال بين رسول اللّه صلى الله عليه وآله وبين كتابه». [9]
كما تسهل لنا التصديق بخلافهم في حال حياته عندما أمرهم بقوله: «جهزوا جيش أُسامة لعن اللّه من تخلّف عنه»، فقال قوم: يجب علينا امتثال أمره، وأسامة قد برز من المدينة، وقال قوم: قد اشتد مرض النبي عليه الصلاة والسلام فلا تسع قلوبنا مفارقته والحالة هذه، فنصبر حتى نبصر أي شيء يكون من أمره. [10]
نعم كانت هناك هنابث ومشاجرات في أمور لا تروق سليقة بعض النفوس وميولهم، غير أنّ هذه الخلافات لم تكن على حدّ تنشق بها عصا الوحدة وتنفصم بها عرى الأخوة، وأعظم خلاف بين الأمّة هو الخلاف الذي نجم بعد لحوقه بالرفيق الأعلى، وهو الخلاف في الإمامة وقد لمست الأمة ضرره وخسارته حتى أنّ الشهرستاني أعرب عن عظم هذه الخسارة بقوله: «ما سل سيف في الإسلام على قاعدة دينية مثل ما سل على الإمامة في كلّ زمان». [11]
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] سورة الحجرات : الآية 1.
[2] سورة الحجرات : الآية 7.
[3] سورة النساء : الآية 65.
[4] الملل والنحل : ج 1ص21.
[5] السيرة النبوية لابن هشام : ج3 ص317.
[6] سورة البقرة : الآية 196.
[7] النص والاجتهاد : ص120، وقد نقل مصادر كلامه.
[8] مفاتيح الغيب للرازي : ج 3ص 201 في تفسير آية 24من سورة النساء ; شرح التجريد للفاضل القوشجي : 484.
[9] صحيح البخاري : ج 1ص30.
[10 و11]ـ الملل والنحل : 1/23 ـ 24.
شكل القرآن الكريم (2)
الدكتور محمد حسين علي الصغير
الهداية والإضلال
الشيخ شفيق جرادي
حقّانية المثنّى كمبدأ أنطولوجي (5)
محمود حيدر
كيف ننمّي الذكاء الاجتماعي في أولادنا؟
السيد عباس نور الدين
الذنوب التي تهتك العصم
السيد عبد الأعلى السبزواري
كلام في الإيمان
السيد محمد حسين الطبطبائي
الإسلام أوّلاً
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
لا تجعل في قلبك غلّاً (2)
السيد عبد الحسين دستغيب
معنى (لمز) في القرآن الكريم
الشيخ حسن المصطفوي
التحسس الغلوتيني اللابطني لا علاقة له بمادة الغلوتين بل بالعامل النفسي
عدنان الحاجي
اطمئنان
حبيب المعاتيق
الحوراء زينب: قبلة أرواح المشتاقين
حسين حسن آل جامع
أيقونة في ذرى العرش
فريد عبد الله النمر
سأحمل للإنسان لهفته
عبدالله طاهر المعيبد
خارطةُ الحَنين
ناجي حرابة
هدهدة الأمّ في أذن الزّلزال
أحمد الرويعي
وقف الزّمان
حسين آل سهوان
سجود القيد في محراب العشق
أسمهان آل تراب
رَجْعٌ على جدار القصر
أحمد الماجد
خذني
علي النمر
أظافر قدميك تكشف إذا كنت تعرضت لسبب غير مرئي لسرطان الرئة
شكل القرآن الكريم (2)
الهداية والإضلال
حقّانية المثنّى كمبدأ أنطولوجي (5)
كيف ننمّي الذكاء الاجتماعي في أولادنا؟
(قضايا مأتميّة) الكتاب الإلكترونيّ الأوّل للشّاعر والرّادود عبدالشهيد الثور
مركز (سنا) للإرشاد الأسريّ مشاركًا خارج أسوار برّ سنابس
شروق الخميس وحديث حول الأزمات النّفسيّة وتأثيرها وعلاجها
نشاط غير عادي في أمعائنا ربما ساعد أدمغتنا أن تنمو أكبر
الذنوب التي تهتك العصم