مقالات

مظهر الرحمة الإلهية في هذه الدنيا

إنّ النبيّ الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) هو الإنسان الكامل الجامع لتمام الكمالات والفضائل الأخلاقيّة. ويكفي للإشارة إلى علوّ منزلته وعظمتها خطاب الباري المتعال له في القرآن الكريم، إذ وصف وجوده المطهّر بأنّه رحمة لجميع الناس وخاطبه بقوله: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾[1].


يقول الإمام الخمينيّ (قدس سره) في خصوص رحمة ومحبّة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): "... إنّ أعلى من مرتبة (غلبة العقل على جميع القوى) هو أن تصبغ القوّة العاقلة بالصبغة الإلهيّة وأن تتعلّق قوّة العشق بالكمال الإلهيّ المطلق، بحيث إنّ أيّ عمل يُعجن بالحبّ الإلهيّ ﴿فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ﴾[2].


طبعاً إنّ هذا المقام لا يتيسّر لأيّ كان. إنّها مرتبة النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، مرتبة ﴿رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾. بحيث لو نظر إلى الحجر لنظر نظرة عطوفة لأنّه سيجد فيه أثر المحبوب، حتّى نظرته لأبي جهل كانت نظرة الرحمة وقتله له كان رصاصة الرحمة، لأنّه كان يعلم أنّ بقاء أبي جهل في دار الدنيا يعني زيادة في خسرانه، لأنّ نظم الأمور ورعاية حقوق الآخرين يلقي على النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) مسؤوليّة قطع العضو الفاسد والّذي سيمتدّ فساده إلى الآخرين. كان النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) يعمل وفق القانون الإلهيّ ونحن أيضاً تابعون للقانون وما يفرضه علينا من التولّي والتبرّؤ.


فالنبيّ كان ﴿رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾، ونحن نعيش في هذا العالَم تحت ظلّ الرحمة الإلهيّة، تحت ظلّ النور الطاهر لمحمّد المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم)"[3].


ما كان النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) يغضب يوماً من الناس. كان يستمع لهم بسعة صدر، ويدعوهم دائماً إلى التعامل بالرحمة والعطف والمحبّة فيما بينهم، وكان يقول (صلى الله عليه وآله وسلم) كما نُقل عنه: "والّذي نفسي بيده لا يضع الله الرحمة إلّا على رحيم"[4].


 كان يقسم بأنّ الرحمة الإلهيّة لن تكون نصيب إلّا من كان رحيماً. وحين سأله المسلمون قائلين: يا رسول الله هل نحن رحماء؟ أجابهم (صلى الله عليه وآله وسلم): "ليس الّذي يرحم نفسه وأهله خاصّة، ولكن الّذي يرحم المسلمين"[5]. فالرحمة الإلهيّة تشمل من عمّت رحمته المسلمين لا ذلك الذي اقتصرت رحمته على نفسه أو على أهل بيته.


وبعد ذلك قال (صلى الله عليه وآله وسلم): "قال تعالى: "إن كنتم تريدون رحمتي فارحموا"[6]. 

 

كانت علاقة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) بأصحابه تتجاوز مثل علاقة الناس مع بعضهم بعضاً. كان الأب الرحيم بأولاده الّذي يحرص على استقامتهم وسعادتهم، وفي ذلك يقول الإمام (قدس سره):
"كيف كان نبيّ الإسلام (صلى الله عليه وآله وسلم) يتعامل مع أصحابه؟ في نفس الوقت الّذي يُظهر فيه الشدّة على الكفّار بعد أن ييأس من هدايتهم ويناصبونه العداء، كان كالأب الرحيم بأصحابه وأتباعه بل وأكثر من أب رحيم"[7].
 
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) – سلسلة الفكر والنهج الخميني (قدس سره)- جمعية المعارف الإسلامية الثقافية

[1] - القرآن الكريم، سورة الأنبياء، الآية: 107.
[2] - القرآن الكريم، سورة البقرة، الآية: 115.
[3] - النبوّة في رؤية الإمام الخمينيّ (قدس سره)، ص 397 ـ 398، مؤسسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخمينيّ (قدس سره).
[4] - مستدرك الوسائل، المحدّث النوري، ج 9، ص 54، باب 107، الحديث الثالث.
[5] - م. ن.
[6] - م. ن.
[7] - صحيفة الإمام، ج 9، ص 329، خطاب الإمام في لقاء مع إخوة وأخوات إيرانيين يقيمون في الكويت، بتاريخ 2/6/1358هـ.ش.

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد