مقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
الفيض الكاشاني
عن الكاتب :
هو الشيخ الفقيه والفيلسوف المتبحر المولى محمد محسن بن الشاه مرتضى بن الشاه محمود المعروف بالفيض الكاشاني، من أبرز نوابغ العلم في القرن الحادي عشر الهجري، كان فيلسوفًا إلهيًّا وحكيمًا فاضلًا وشاعرًا عبقريًّا وعالـمًا متبحرًا. ولد سنة 1007 هـ ونشأ في بلدة قم المقدسة ثم انتقل إلى بلدة كاشان، وبعد ذلك نزل شيراز، أخذ العلم عن العلامة السيد ماجد الجدحفصي البحراني والحكيم الإلهي المولى صدر المتألهين الشيرازي، من أبرز مؤلفاته: تفسير الصافي، المحجة البيضاء في أحياء الإحياء، علم اليقين في أصول الدين، مفاتيح الشرائع في فقه الإمامية. كانت وفاته في مدينة كاشان سنة 1091هـ.

التوبة بالندم على الذنب

مهما أشرق نور الإيمان على القلب أثمر نار الندم على الذّنب فيتألم به القلب حيث يبصر بإشراق نور الإيمان أنه صار محجوبًا عن محبوبه، كمن يشرق عليه نور الشّمس وقد كان في ظلمة فسطع عليه النور بانقشاع ‏(1)  سحاب أو انحسار(2) حجاب، فرأى محبوبه قد أشرف على الهلاك ويشتعل نيران الحبّ في قلبه فينبعث بتلك النيران إرادته للانتهاض للتّدارك، فالعلم والندم والقصد المتعلق بالترك في الحال والاستقبال والتلافي للماضي ثلاثة معان مترتبة يطلق اسم التوبة على مجموعها.

 

وكثيرًا ما يطلق اسم التوبة على الندم وحده، ويجعل العلم كالسّابق والمقدمة والترك كالثمرة والتابع المتأخر، فمن نظر أوّلاً بنور البصيرة إلى التوبة ما هي، ثم إلى الوجوب ما معناه، فلا يشك في ثبوته لها.

 

وذلك بأن يعلم أن معنى الواجب ما هو واجب في الوصول إلى سعادة الأبد والنجاة من هلاك الأبد، وعلم أن لا سعادة في دار البقاء إلا في لقاء اللّه، وأن كل محجوب عنه شقي لا محالة، يحول بينه وبين ما يشتهيه محترق بنار الفراق ونار جهنّم، وعلم أنّه لا مبعّد عن‏ لقاء اللّه إلا اتّباع الشهوات والأنس بهذا العالم الفاني والإكباب على حبّ ما لا بد من فراقه قطعًا، و علم أنه لا مقرّب من لقاء اللّه إلا قطع علاقة القلب عن زخرف هذا العالم، والإقبال بالكلية على اللّه طلبًا للأنس به بدوام ذكره، وللمحبّة له بمعرفة جلاله وجماله على قدر طاقته، وعلم أن الذنوب التي هي إعراض عن اللّه واتباع لمحاب الشّياطين أعداء اللّه المبعدين عن حضرته، سبب كونه محجوبًا مبعدًا عن اللّه.

 

وكل علم يراد ليكون باعثًا على عمل فلا يقع التفصيّ عن عهدته ما لم يصر باعثًا، فالعلم بضرر الذنوب إنما أريد ليكون باعثًا على تركها، فمن لم يتركها فهو فاقد لهذا الجزء من الإيمان.

 

وهو المراد بقول النبي (صلى الله عليه وآله): «لا يزن الزاني حين يزني وهو مؤمن»(3)، وما أراد به نفي الإيمان باللّه وبوحدانيته وصفاته وكتبه ورسله، فإن ذلك لا ينافي الزنا والمعاصي، وإنما أراد به نفي الإيمان بكون الزنا مبعدًا عن اللّه وموجبًا للمقت، وليس الإيمان بابًا واحدًا، بل هو كما ورد نيف وسبعون بابًا، أعلاها شهادة أن لا إله إلّا اللّه،  وأدناها إماطة الأذى عن الطريق.

 

ومثاله قول القائل ليس الإنسان موجودًا واحدًا، بل هو نيّف و سبعون موجودًا، أعلاها القلب والرّوح وأدناها إماطة الأذى عن البشرة، بأن يكون مقصوص الشارب ومقلوم الأظفار نقي البشرة عن الخبث حتى يتميز عن البهايم المرسلة المتلوثة بأرواثها المستكرهة الصور بطول مخالبها وأظفارها.

 

فالإيمان كالإنسان وفقد شهادة التوحيد يوجب البطلان بالكلية كفقد الروح، والذي ليس له إلا شهادة التوحيد والرّسالة هو كإنسان مقطوع الأطراف مفقوء(4) العينين فاقد لجميع أعضائه الظاهرة والباطنة إلا أصل الروح.

 

وكما أن من هذا حاله قريب من أن يموت فيزايله الرّوح الضّعيفة المنفردة التي يتخلّف عنها الأعضاء التي تمدّها وتقوّيها، فكذلك من ليس له إلا أصل الإيمان وهو مقصر في الأعمال قريب من أن ينقطع عنه شجرة إيمانه إذا صدمتها الرياح العاصفة المحركة للإيمان في مقدّمة قدوم ملك الموت ووروده.

 

فكل إيمان لم يثبت في النفس أصله، ولم ينتشر في الأعمال فروعه لم يثبت على عواصف‏(5)  الأهوال عند ظهور ناصية ملك الموت، وخيف عليه سوء الخاتمة، إلا ما سقي بماء الطاعات على توالي الأيام والساعات، حتى رسخ وثبت، فهذا أمر يظهر عند الخاتمة، وإنما تقطعت نياط العارفين خوفًا من دواهي الموت، ومقدماته الهايلة التي لا يثبت عليها إلا الأقلون.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1- تقشع السحاب أي تصدع وأقلع.

2- الانحسار: الانكشاف.

3- إحياء علوم الدين : ج 4 , ص 8 , ورواه الترمذي : ج 10 , ص 91 , من حديث أبو هريرة.

4- فقا الدمل: شقه ليخرج ما فيه من المدة والعين قلعها بخقها أي عورها. المنجد «أقول» ومنه الحديث كما في مجمع البحرين: لو كان رجلاً اطلع في بيت قوم ففقأ اعينه لم يكن عليهم شي‏ء.

5- عصفت الريح: اشتدت فهي عاصفة والجمع عاصفات وعواصف.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد