إنّ الذي يُدخل السرور على زوجته التي تخدمه، والمرأة التي تدخل الفرح على زوجها الذي يعينها، لا بُدّ وأن يحظيا بالثواب الجزيل والأجر الجميل. ولكن لا بدّ من التنبّه هنا إلى أنّ ثمّة مسألة خطيرة تكدّر صفو الأسرة، وتذهب بالمحبّة من البيت العائليّ، مضافاً إلى ما تمّ الحديث عنه سابقًا من مدمّرات المحبّة بين الزوجين، وهي: العُجب والمنّة.
العُجب
إذا كانت المرأة معجبة بنفسها، أو كان الرجل متكبراً لعُجبٍ فيه، بانت علامات الخطر في أقوالهما وأفعالهما. وقد حذّر القرآن الكريم كثيراً من هذه المسألة، وعدّ المتكبّرين من الذين كانوا يعوقون أعمال الأنبياء والرسل عليهم السلام: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ﴾ (سبأ: 34).
فالمتكبّر، والمعجب بنفسه، يصل الأمر بهما إلى العناد والتمرّد في الدنيا والآخرة، فتراه يواجه الباري تعالى بعناده الذي كان عليه في الحياة الدنيا، ولا يرضى بحكم الله تبارك وتعالى يوم القيامة، فعلى الرغم من معرفته لنفسه جيّداً، فتراه يُقسم لله على إيمانه كما كان يُقسم للناس في الحياة الدنيا، ولكنّ الباري تعالى يبعثه إلى جهنّم مع قَسَمه ذاك، ويفضح كذبه وادّعاءه أمام الخلق جميعاً.
إنّ حالة العجب والتكبر تطغى على النفس البشريّة؛ لذا أوصي المرأة والرجل بعدم الولوغ في هذه الحالة، كأن يغترّ أحد الطرفين بمستواه المادّيّ أو العلميّ، وإذا ما رأيا من نفسيهما شيئاً من ذلك، فليبادرا إلى الاستغفار والإنابة إلى الله تبارك وتعالى علّه يرحمهما وينجيهما ممّا هما فيه، وإلّا فالأمر خطيرٌ جدّاً، ولا يحتمل المجاملة.
لكلّ زوجين: حذارِ العُجب
المرأة الحاصلة على شهادة الجامعة، أو على مؤهِّلٍ علميّ عالٍ لا ينبغي لها أن تغترّ بما لديها من معلومات، وإذا ما فعلت ذلك أمام زوجها إنّما تكون قد بالغت في كسر طوق المحبّة الذي يربطها به.
وكذا الرجل الغنيّ أو الثريّ الذي يتكبّر على زوجته، إعجاباً بما لديه من أموال، يجب عليه أن ينتبه إلى ما يخالط روحه من إعجاب، فيجدر به أن يسحق هذه الحالة، من خلال المداومة على الذكر، والاعتبار بما آل إليه الآخرون من قبله ممّن ملكوا الثروات والأموال التي فاقت ثروته وأمواله.
أيتها السيّدة! إذا كان زوجك فقيراً، وكان أخوك ثريّاً فلا بأس بأن تداري وضعه ونفسيّته بعيداً عن الفخر والإعجاب بما لدى أخيك أو أبيكِ، واعلمي أنّ الزوج مقدّم على أخيك، وينبغي لك أن تقدّميه على أهلك جميعاً، إذا كنت ترومين حياة آمنة سعيدة في الدنيا والآخرة.
الزوج كذلك، عليه أن يعلم أنّ زوجته مقدّمة على باقي أفراد أسرته في الاحترام والعون، بدون إنكار لحقّ الأهل.
الزوجان ومصائب العُجب
عن الإمام الكاظم موسى بن جعفر عليه السلام: "العُجب درجات، منها أن يُزيَّن للعبد سوء عمله فيراهُ حسناً فيعجبه ويحسب أنّه يُحسن صنعاً، ومنها أن يؤمن العبد بربّه فيمنّ على الله عزّ وجلّ، ولله عليه فيه المنّ"(1).
وللعجب شُعب عدّة، هي:
1- المراء والجدال: المراء والجدال حالة يكون فيها المرءُ طالباً لإمضاء رأيه بالإكراه، وهذا رائجٌ بين الناس، حين يصرّون على أنّ قولهم هو الصواب دون علم أو بيّنة؛ وهذا الأمر لا يخلو من المعصية، بل يعدّه الكثير من العلماء من الكبائر. يقول الله تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَّرِيدٍ﴾ (الحج: 3).
فإنّ الزوج الذي يحاول أن يجادل زوجته ويماريها، يدوس على المحبّة والألفة بكلتا قدميه، وإنّ المرأة التي تثير الضجيج من أجل إطاعة كلامها في البيت، تُخرب بيتها بيدها وهي جاهلة. ومَنْ كان مِنَ الزوجين متحمّلاً لهذه الحالة جزاه الله، وحباه الله على صبره من رياض الجنّة.
2- العناد: شعبة أخرى من شُعب العُجب هي العناد، والتي نرى من خلالها بعض النساء -على حدّ قول عامّة الناس- تضع قدمها في فم الأفعى ولا تنتهي عن عنادها.
كذلك من الرجال العنود إلى درجة أن يُلقي بنفسه في بئر عميقة، شريطة أن لا يتنازل عن كلمةٍ قالها اعتباطاً، وهذا هو عين الخطر.
يقول الله في كتابه العزيز: ﴿وَإِذْ قَالُواْ اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاء أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ (الأنفال: 32).
بعض الرجال لا يعرف أن يجيب إلّا بـ"لا"، وقد تتحدّث امرأة إلى زوجها عشر دقائق، ثمّ تطلب الجواب منه، فلا يقول لها إلّا "لا"؛ لأنّه لا يمكن أن ينفّذ لها طلباتها ولو كانت مشروعة، وهكذا بعض النساء إذ لا تتقبّل أمراً، ولا تطيع زوجاً، ولا تعرف إلّا العناد وأن يسود رأيها وقولها.
فالمرأة الذكيّة والعاقلة هي تلك التي تستطيع ترقيق قلب زوجها، والرجل الفطن والمدرِك هو ذاك الذي يسكن قلب امرأته، وذلك من خلال الابتعاد عن العناد، والتصرّف وفق ما جاء في الروايات الشريفة.
3- التوقّع الزائد على الحدّ: إنّ بعض النساء يتوقّعن من أزواجهن أكثر ممّا ينبغي أن يُتَوَقَّع منهم، فتتوقّع إحداهنّ ليلة العيد من زوجها هديّةً قيمتها عالية، على الرغم من أنّها تعلم جيّداً بأنّه لا يتقاضى غير نصف القيمة، مثلاً شهريّاً. وعلى الرغم من ذلك لا تقبل هديّةً أقلّ منها.
وإذا ما أجبرت المرأة زوجها على أن يُحضر لها حاجة تضرّ بميزانيّة الأسرة، فقد ارتكبت منكراً ستحاسَب عليه يوم القيامة؛ لأنّ توقّعها الزائد لا يتناسب وراتب زوجها المحدود، وبذلك سوف تؤدّي هذه الحالة إلى أن يقترض الرجل مبلغاً لتأمين تلك الحوائج، فيعاني من تراكم القروض التي تقضّ مضجعه.
أيّتها السيّدات! لا ينبغي لكنّ إراقة ماء وجوه أزواجكنّ، من خلال توقّعات زائدة وغير معقولة.
وأنتم أيّها الرجال الغيارى! لا يجدر بكم أن تتوقّعوا من نسائكم اللواتي يعملن في المنزل ليلاً نهاراً، أن تجدوا موائد طعامكم ممدودة، حين تأتون منازلكم قبل الوقت المعيّن لقدومكم، وحاولوا جهد الإمكان توقّع أقلّ من ذلك؛ لأنّ المرأة ترتبط بالأبناء أكثر منكم، وإنّ تربية الأبناء ليست بالأمر الهيّن السهل، فلا تحاولوا الضغط على نسائكم؛ لأنّ أعصاب المرأة ستنهار حينها، وستفقد نشاطها، وبذلك تتوقّف عن إكمال المسيرة التي رسمها الباري لها.
4- عدم تقبّل النقد: إنّ الإسلام يرفض الغيبة ويعمل بالنقد. ولا أعني بالنقد ذلك الذي يُجيز فيه المرء لنفسه الاستهزاء والسخرية من الآخرين في غيابهم وحضورهم، بل أعني به النقد البنّاء. عن الإمام الصادق عليه السلام: "أحَبَّ إخواني إليَّ مَن أهدى إليَّ عُيوبي"(2).
النقد ضروريّ، ولكنّ الأكثر ضرورة منه قَبوله، فالرجل الذي يشرح لزوجته نواقصها، عليه أن يتحدّث معها بكلّ احترام بعيداً عن الاستهزاء والسخرية، فما عليها إلّا أن تتقبّل المسألة برحابة صدر، وتُغيِّر من حالها في اليوم التالي.
وإذا كان الرجل سيّئ الأخلاق في البيت، فاحشاً، ينبغي للزوجة أن تخبره بذلك بطريقة بكلّ أدب، فتقول له مثلاً: "إنّ سُبابك وشتيمتك للأبناء قد يؤدّيان بهم إلى أن يكونوا معقّدين مستقبلاً"، وحينها، يجب على الزوج أن يمتثل للأمر الواقع، ويغيّر أسلوبه معهم كي تستقيم حياتهما العائليّة بعيداً عن الضجيج والصخب.
وإذا ما امتنع أحدهما عن قبول النّقد، فإنّه بذلك يعرّض بيته للحقد والضغينة والكراهية، فتتهاوى المحبّة بين أفراد الأسرة الواحدة، ولا يبقى إلّا العويل والصراخ والضجيج بسبب عدم التنازل الذي هو في مصلحة الأسرة ونفعها، التي يجب أن يسودها الوئام والانسجام.
في الختام، إنّ الاستقرار والهدوء الأسريّ، القائمين على الاحترام، والوئام، والودّ، هما من أهمّ سُبل التقرّب إلى الله تعالى. وقد صنّفتهما الأحاديث الشريفة كأفضل الطاعات والعبادات، فلنعمل جميعاً على تحقّقهما.
ــــــــــــــــــــــــ
1.الكافي، الكليني، ج2، ص313.
2.(م.ن)، ص639.
الشيخ حسين مظاهري
الشيخ عبدالهادي الفضلي
الشيخ محمد هادي معرفة
السيد جعفر مرتضى
الشهيدة بنت الهدى
الشيخ محمد صنقور
السيد عباس نور الدين
عدنان الحاجي
حيدر حب الله
الشيخ شفيق جرادي
عبد الوهّاب أبو زيد
ناجي حرابة
حسين حسن آل جامع
فريد عبد الله النمر
الشيخ علي الجشي
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان