إنّ أحد الابتلاءات الأسريّة التي لا يشعر بها أصحابها؛ المعصية، خاصّةً تلك التي ذهب جلالها من قلوب أصحابها، فأصبحوا يبرّرون ما يفعلون على هواهم.
إنّ هذه القضيّة يمكن أن نعتبرها مصيبةً وبليّةً، ولو نزفت عيوننا دماً عليها لكان قليلاً؛ لأنها أساس تأخّر المجتمع الإسلامي.
الطفل في خطر
تحتوي بعض البيوت على مسائل متدنيّة ووضيعة تسهم كثيراً في إتلاف نفسية الطفل الذي يعيش في ذلك البيت، من قبيل أشرطة الموسيقى المبتذلة، والأغاني، ناهيك عن اقتناء بعض الأجهزة التي يستخدمها كثيرون لغايات محرّمة، وغيرها الكثير.
إنّ الإسلام العظيم ينظر إلى هذه البيوت على أنّها أوكار الشياطين التي خلت -على حد قول الرسول (ص)- من البركة والرحمة الإلهيّة، وأنّ الملائكة لا تمرّ على تلك البيوت الفاسدة.
وأمّا المؤمنون، فإنهم ليسوا من أهل الغناء والموسيقى (المحرَّمة)، ولا من أهل أجهزة اللّهو (المحرَّمة)؛ لأنهم يعلمون جيّداً أنّ هذه المسائل تمحق بركة المنزل، وأنّها محرّمة، وأنّ الطفل الذي يكبر في مثل هذه البيوت، لا يؤمّل منه خيرٌ أبداً.
كُفَّ عن الغيبة
قليلاً ما نرى بعض البيوت غير مبتلاة بالغيبة، والتهمة، والشائعة، والكذب، وقليلاً ما نرى أفراداً يمتنعون عن التوغّل في معاصٍ خطيرة كهذه، خصوصاً معصية الهمز واللمز السائدة هذه الأيّام، أو معصية التجريح والاستهزاء.
فعلى سبيل المثال: يسخر الرجل من زوجته حين تطبخ غداءً لا يستهويه، أو لا يتلائم مع شهيّته، أو تسخر المرأة من زوجها حينما يشتري حاجة من السوق لا تنسجم وذوقها: {وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ} (١).
إنّ تلك البيوت خالية من البركة ومن اللطف الإلهيّ، ولا ينظر الله إليها، وهي نجسة وقذرة.
جاء في كتاب تحف العقول عن الإمام عليّ بن الحسين السجّاد (ع) أنّه قال: "كُفَّ عن الغيبة، فإنَّها إدامُ كلاب النار" (٢).
إنّ الذي لا يكفّ عن الغيبة سيرى نفسه بعد مدّة معتاداً عليها، وستضحى مَلَكَةً، لو لم يمتنع عن الاستمرار بها. وهذه المَلَكَة هي التي ستحدّد هويّته، هذا مضافاً إلى أنها ستحوّل الإنسان المغتاب إلى كلب يوم القيامة، وسيرمى في جهنّم ليكون غذاؤه تلك الغيبة التي تتجسّد على شكل جيفة ، ولحم ميتة، ومع الأسف؛ أيّ البيوت يخلو من الغيبة؟ وأيّ البيوت يخلو من الاستهزاء والسخرية؟
أيّها السيد! لا تسخر من ابنك، وأنت أيّها السيّدة! لا تستهزئي بابنتك ولا تحاولي تحقيرها، واسعي دائماً للحفاظ على حالة الاحترام داخل بيتك، ولا تجرحي كبرياء زوجك، وإذا ما حدث ذلك فستبرز الغيبة بينكما، عندها تلتهب النار في بيتكم الذي طغت عليه الهوية الحيوانيّة بدل الهويّة الإنسانية.
من ذاب الإيمان من قلبه
الأسوأ من الغيبة هي التهمة، والفرق بينهما هو أنّ التهمة تعني الافتراء وإلصاق ما ليس في الشخص من عيب به، أمّأ الغيبة فهي كشف العيب المستور الموجود فعلاً، والغيبة تحدث في غياب الشخص المغتاب، أمّأ التهمة فقد تحدث بحضور الشخص المتّهم. أمّأ بالنسبة للتجريح، فيدخل تحت ما أسماه القرآن المجيد بـ "اللّمزة".
غالباً ما يحدث؛ أن يقول أحدهم لصاحبه: لا تغتب فلاناً، فيجيبه: إنّ ما أقوله موجود فيه! وهو جواب "شيطاني"؛ لأنّ كشف العيب المستور يسمّى غيبةً، أمّا إذا لم يكن فيه ذلك العيب، فسيكون المتحدّث من المفترين، فهل تعرف ماذا يقول الله عن المفترين؟ إنّه يقول: {إنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لاَ يُؤمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأُوْلئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ} (٣).
وعن الإمام الصادق (ع): "إذا اتّهم المؤمن أخاه انماث -اختلط وذاب- الإيمان من قلبه، كما ينماث الملح في الماء" (٤).
لكي لا تضجّ الملائكة
قال تعالى في محكم كتابه ناهياً عن إطلاق الشائعات: {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وِالبَصَرَ وَ الفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ مَسْؤُولاً} (٥) ؛ أي عليك بالابتعاد عن الشكوك والظنون، وإذا ما سمعت شيئاً فلا ترضَه إلا بدليل، وإذا أردت أن تقول شيئاً يجب أن يكون مسنداً، وإلّأ فإنّ سمعك وبصرك وفؤادك مسؤولة يوم القيامة: {الْيَومَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَ تُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} (٦)؛ ففي يوم القيامة يختم الباري تعالى على الأفواه، يكمّها لتشهد عليه يداه، ورجلاه، وجلده وقلبه، وتراها تقول له: إنّك أنت الذي كنت تغتاب، وأنت الذي كنت تستمع إلى الغيبة، وتتّهم هذا وتقبل التهمة على ذاك، وتشيع الكذب هنا وهناك.
لذا، ينبغى للجميع أن يبتعدوا عن المسائل التي تؤدي بهم -لا سمح الله- إلى جهّنم الحامية، وعليهم أن يفكّروا في الخروج من هذه الأزمات الخطيرة.
فالزوج يجب أن يكون صادقاً مع زوجه ، وكذا الزوجة يجب عليها أن تبتعد عن الكذب والدجل ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً، كي يعمّ الصدق، والمحبّة، والودّ، والخير، والبركة جوَّ البيت، ويضحي ذلك البيت ممرّاً لعبور الملائكة.
فالبيت الذي يملؤه الكذب، بيت ملعون، ورائحته كريهة تضجّ منها الملائكة في السماوات العلى، فلا تَعِدوا أبنائكم بما لا تريدون تنفيذه، ولا يكذب بعضكم على بعض، واتّخذوا من الحقيقة والإسلام منهجاً لكم، فمن الوضاعة أ، يكون الإنسان الذي كرّمه الله الباري تعالى ذا وجهين.
—-------
١- سورة الهمزة، آية ١.
٢- تحف العقول، الحرّاني، ص٢٤٦.
٣- سورة النحل، آية ١٠٥.
٤- الكافي، الكليّني، ج٢، ص٣٦١.
٥- سورة الإسراء، آية٣٦.
٦- سورة يس، آية٦٥.
السيد عادل العلوي
السيد محمد باقر الحكيم
السيد محمد حسين الطهراني
عدنان الحاجي
الأستاذ عبد الوهاب حسين
الشيخ عبدالهادي الفضلي
السيد محمد حسين الطبطبائي
السيد محمد باقر الصدر
الشيخ فوزي آل سيف
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
عبد الوهّاب أبو زيد
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
ناجي حرابة
فريد عبد الله النمر
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان
العلم الإلهامي برؤية جديدة
الشيخ عبد الجليل البن سعد: المجتمع الرّشيد
هل خلق آدم للجنّة أم للأرض؟
معنى (الدعاء الملحون)
اختلاف آراء الفلاسفة المادّيّين في حقيقة المادّة
كتاب الدّين والضّمير، تهافت وردّ
عوامل احتمال الإصابة بالسّكتة الدّماغيّة الحادّة
صراع الإسلام مع العلمانية
طريقة إعداد البحث
القانون والإيمان باللّه