الليلة الخامسة من محرم 1446 هـ
آية الله السيد منير الخباز
هل كان هدف النبي (ص) إمبراطورية عربية أم رسالة سماوية؟
المركز الإسلامي (ميشيغان)
صلى الله وسلم عليك يا رسول الله وعلى أهل بيتك المنتجبين. يا ليتنا معكم فنفوز فوزًا عظيمًا. أعوذ بالله من الشيطان الغوي الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم:
"قُلْ إِنَّمَآ أَنَا۠ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰٓ إِلَىَّ أَنَّمَآ إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَٰحِدٌ"
آمنا بالله، صدق الله العلي العظيم.
تحدث القرآن الكريم عن بشرية الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله فقال تبارك وتعالى: "قُلْ سُبْحَانَ رَبِّى هَلْ كُنتُ إِلَّا بَشَرًا رَّسُولًا" "قُلْ إِنَّمَآ أَنَا۠ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰٓ إِلَىَّ أَنَّمَآ إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَٰحِدٌ" وقال تبارك وتعالى: "وَقَالُواْ مَالِ هَٰذَا ٱلرَّسُولِ يَأْكُلُ ٱلطَّعَامَ وَيَمْشِى فِى ٱلْأَسْوَاقِ".
لا إشكال أن الرسول صلى الله عليه وآله بشر يتعرض للصحة والمرض والحياة والموت والتعب والراحة وسائر ما يعرض الجسم البشري. وهناك عدة أقلام عربية حاولت أن تكرس العنصر البشري في شخصية النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وذلك من خلال التقاط بعض الشواهد التاريخية للتأكيد على أخطاء أو سقطات في مسيرة النبي الأعظم صلى الله عليه وآله، مثلاً كتاب "من محمد الإيمان إلى محمد التاريخ" للعفيف الأخضر أو كتاب "نبوة محمد: الصناعة والتاريخ مدخل لرؤية نقدية" لمحمد محمود أو كتاب "قريش من القبيلة إلى الدولة" لخليل عبد الكريم أو كتاب "الشخصية المحمدية" لمعروف الرصافي.
أصحاب هذه الكتب انطلقوا من أن النبي بشر، ومن ثم زعموا أن مشروع النبي لم يكن إلا مشروعًا بشريًا وليس رسالة سماوية. بعض هذه الكتابات تريد أن تقول إن مشروع الرسول هو إمبراطورية قريشية عربية وليس رسالة سماوية، حيث إن النبي قاتل وغزا وخاض الحروب ليس من أجل السماء بل من أجل أن يحقق لقبيلته قريش إمبراطورية عربية تسود الأمم وتسيطر على المجتمعات، وذلك من خلال عدة مبررات تطرحها هذه الأقلام. هناك مبرر تاريخي، وهناك مبرر اقتصادي، وهناك مبرر شخصي. نحن عندنا عدة وقفات ومحطات مع هذه المبررات المزعومة التي تريد أن تقرر أن مشروع النبي صلى الله عليه وآله هو إمبراطورية قريشية عربية وليس رسالة سماوية.
نأتي إلى المبرر الأول وهو المبرر التاريخي. هناك عدة شواهد يذكرها هؤلاء على أن النبي كان يطمح للملك والسلطة. الشاهد الأول أن قريش جاءت إلى أبي طالب عم النبي رضي الله تعالى عنه وقالوا: "يا أبا طالب، قل لابن أخيك يدعنا وديننا وندعه ودينه وما يريد نعطيه". وقال أبو طالب للنبي ذلك، هذا يذكره نور الدين الحلبي في كتابه "نور العين في سيرة الأمين المأمون" المسمى بالسيرة الحلبية، وابن هشام في سيرته، وغيرهما من المصادر. فقال أبو طالب للنبي، فقال النبي: "أرأيتم إن أعطيتكم ما تسألون أن تعطوني كلمة واحدة تملكون بها العرب وتدين لكم بها العجم". وقالوا: "ما هي هذه الكلمة؟" قال: "لا إله إلا الله". قالوا: "لا، إن هذه الكلمة..." فهنا نرى أن النبي يصر على الملك حيث قال: "أعطوني كلمة واحدة تملكون بها العرب وتدين لكم بها العجم". فهو يطمع قبيلته قريشًا في الملك والسلطة.
الشاهد الثاني أن النبي لما هاجر إلى المدينة بعثت قريش خلفه من يمسك به، وبعثت سُراقَة بن مالك وأعطته ووعدته بجائزة عظيمة إن ظفر بالنبي وأتى به. وفعلاً سُراقة بن مالك ظفر بالنبي، لكن النبي صلى الله عليه وآله استطاع أن يتخلص منه بأسلوبه الساحر، وقال له: "يا سُراقة، كيف بك إذا تسورت سواري كسرى؟ سيأتي يوم من الأيام أنت ستلبس سوارين لكسرى". قال سُراقة: "كسرى بن هرمز، هذا الملك؟" قال: "نعم، ستتسور سواري كسرى بن هرمز". فابتسم وفرح بهذا الوعد، وفعلاً عندما فتحت بلاد فارس جاء بسواري كسرى. فأقبل سُراقة بن مالك إلى الخليفة الثاني وقال: "سوروني بسواري كسرى كما وعدني محمد رسول الله صلى الله عليه وآله". وهذا يعني أن النبي كان يطمح للملك والسيطرة على كسرى وكنوزه وأسورته.
المثال الثالث: أنه جاءه وفد من بني عذرة الداريين، تميم الداري وأصحابه، فلما جاؤوا قالوا: "نؤمن بك". فكتب كتاب إقطاع يعني يعطيهم أراضي. يعطيهم أراضي قبل أن يتحقق أي فتح، كتب كتابًا: "هذا ما أعطى محمد رسول الله تميم الداري وأصحابه". ماذا أعطاهم؟ "بيت عينون وجيرون والمرطوم وبيت إبراهيم". عطية بتت ونفذت بيت عينون قرية في القدس، جيرون باب من أبواب دمشق، بيت إبراهيم مسجد عند المسجد الأقصى. يعني النبي أقطع أراضي قبل أن تفتح بلاد الشام، أقطعها وملكها لتميم الداري وأصحابه. هذه عبارة عن طموح للملك، طموح للسيطرة، طموح لتوسعة دائرة السلطنة.
إذًا من هذه الشواهد التاريخية، يقرر مجموعة من الأقلام العربية أن مشروع النبي كان إمبراطورية عربية قرشية يريد أن يسيطر بها ويملك بها الجزيرة العربية وسائر المجتمعات. انتبه جيدًا، نحن عندما نريد أن نناقش هذا المبرر التاريخي كما يدعون، هناك عدة ملاحظات لدينا. الملاحظة الأولى: أن أوثق مصدر يتحدث عن مشروع النبي المصطفى صلى الله عليه وآله هو القرآن الكريم، هذا أوثق مصدر، لا نرجع للسيرة الحلبية وسيرة ابن هشام، لدينا أوثق مصدر صحب النبي في كل مشروعه 23 سنة وهو القرآن الكريم. نرجع إلى القرآن الكريم كيف تحدث عن مشروع النبي صلى الله عليه وآله. مشروع النبي بنظر القرآن الكريم يتلخص في حضارة ليس ملك وسلطة، حضارة قائمة على عدة معالم:
المعلم الأول: الإنتاج. القرآن يصر على موضوع الإنتاج: "وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون" و"خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً" أيكم أكثر نتاجاً، وهو كما قال أمير المؤمنين علي عليه السلام: "قيمة كل امرء ما يحسنه" قيمة الإنسان بعطاءه بنتاجه و"وأن ليس للإنسان إلا ما سعى".
المعلم الثاني: الكرامة. القرآن أعطى الكرامة لكل إنسان في الأرض: "ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً".
المعلم الثالث: العلم. القرآن يعظم العلم: "اقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق، اقرأ وربك الأكرم، الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم". وقال: "هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولو الألباب".
المعلم الرابع: العبادة، الاتصال بالله: "وأقم الصلاة لذكري" و"وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون".
المعلم الخامس: أن المجتمع الإنساني مجتمع مترابط اجتماعيًا، ليس مثل المجتمعات الغربية، مجتمعات متفككة. الحضارة التي ذكرها القرآن الكريم حضارة تقوم على مجتمع مترابط: "إنما المؤمنون إخوة" و"واعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا" و"وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان".
المعلم الأخير: الرقابة الاجتماعية: "كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر".
هذا هو مشروع النبي، حضارة قائمة على معالم عظيمة ذكرها القرآن وطرحها القرآن، وليس مشروع النبي مشروعًا سلطويًا إمبراطوريًا. لدينا رواية صحيحة معتبرة، عن محمد بن مسلم عن الإمام الصادق عليه السلام: جاء ملك إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وبيده مفاتيح خزائن الأرض، وقال: "يا رسول الله، إن الله يخيرك بين أن تكون عبدًا رسولًا متواضعًا أو تكون ملكًا رسولًا ولا ينقص من مكانك شيء". إذا تريد أن تصير ملكًا تقدر تصير ملكًا ولن ينقص من مكانك شيء. قال: "بل أريد أن أكون عبدًا متواضعًا رسولاً". وكان يحلب شاته بنفسه ويرقع ثوبه ويخصف نعله ويركب راحلته ويجلس على التراب مع أصحابه، وكان يعيش زمانه صائمًا نهاره قائمًا ليله، يكتفي باللبن والتمر ليقيم به بدنه وكان مظهراً للأخلاق والرحمة: "وإنك لعلى خلق عظيم".
هذه الملاحظة الأولى. الملاحظة الثانية: لاحظ أن بعض الكتاب لديهم حكم مسبق ويريدون أن يبحثوا عن مبررات. في ميزان النقد العلمي، هناك فرق بين الدليل والمبرر. الدليل هو البرهان القائم على أصول موضوعية بمعنى أن الكاتب يجمع الشواهد جميعها ويقوم بغربلتها سندًا ومتنًا ودلالة ويقارنها بالشواهد القرآنية والحديثية الأخرى ثم يستنتج الحكم. أما إذا كان الكاتب عنده حكم جاهز مسبق في رأسه ينظر إلى النبي بنظرة معينة ويبدأ يلتقط شواهد غير كاملة ليثبت الحكم الذي في ذهنه، هذا يسمى مبرر وليس دليل، لأن المبرر هو شواهد تنحدر عن دوافع سيكولوجية ورواسب ثقافية معينة وليست أدلة مبنية على أصول موضوعية. هكذا بعض الكتاب.
نأتي الآن إلى الشواهد التاريخية التي ذكرت، أولاً الاعتماد على السيرة الحلبية لا يصح، لماذا؟ لأن نور الدين الحلبي من أعلام القرن الحادي عشر، وأين هو من النبي؟ يعني هو توفي سنة 1444 للهجرة، فلا يصلح كتابه من المصادر بل كتابه من المراجع. تجي إلى سيرة ابن هشام، سيرة ابن هشام ما هو إلا تهذيب لكتاب ابن إسحاق في المغازي والأخبار، وكتابه ابن إسحاق كتب بعد رحلة النبي ب 100 سنة، يعني في عهد المنصور العباسي، وكتابه لا يخلو من خلل في الإسناد والروايات. هل هذا يعتمد عليه في قراءة تاريخ الرسول صلى الله عليه وآله؟ هذا أولاً.
ثانياً، تجي إلى الخبر الأول وهو قول النبي لأبي طالب: "هل يعطوني كلمة تملكون بها العرب وتدين لكم بها العجم". نجي إلى هذا الخبر، ذكره الشيخ المجلسي في البحار، نقله عن مناقب ابن شهر آشوب، مناقب آل أبي طالب. مناقب ابن شهر آشوب ما نقل عن أهل البيت، نقل عن الطبري والبلاذري، يعني من أركان اتجاه آخر، هؤلاء نقلوا الخبر بلا سند معتبر أبداً، ما في أي سند معتبر هنا، مضافًا إلى أن الطبري لم يذكر كلمة الملك، وإنما قال: "هل تعطوني كلمة تدين بها العرب" ولم يقل تملكون بها العرب. شوف التغيير في المصادر كيف يصنع صنعه في الاستنتاج. هذا بالنسبة للخبر الأول.
ثانياً، افترض جدلاً أن النبي قال هذا، قد يقول النبي ذلك مجاراةً لثقافة قومه، لأن العرب في الجاهلية قريش في الجاهلية لا تفكر إلا بالملك والسلطة، فالنبي مجاراة لثقافة قومه قال لهم هذه: "أعطوني كلمة تملكون بها العرب". لم يكن يتحدث عن مشروعه وإنما كان يتحدث معهم بما يعيش في أفكارهم ويتغلغل في خواطرهم، لا أنه من باب الحكاية عن مشروعه. هذا بالنسبة للخبر الأول.
الخبر الثاني وهو قول النبي لسُراقة بن مالك: "كيف بك إذا لبست سواري كسرى، كسرى بن هرمز؟" قال: "نعم، أول من روى هذا الخبر الحسن البصري". والحسن البصري يقول عنه البيهقي في كتابه "دلائل النبوة" يقول عنه: "لا يبالي عن من أخذ" يعني ما عنده تثبت في النقل والرواية ينقل عن أي شخص، فكيف يعتمد على روايته!. تعال إلى الخبر الثالث، الخبر الثالث وهو قول النبي: "هذا ما أعطى" يعني النبي أعطى أراضي لتميم الذاري وأصحابه قبل أن تفتح الشام أعطاهم أراضي. أولاً، هذا مخالف للفقه الإسلامي تماماً. الفقه الإسلامي يقول: لا يجوز للقائد، قائد الدولة أن يقطع أراضي لأحد إلا إذا كانت من أراضي الموات مثل الصحراء أو من الأراضي التي هجرها أهلها وأعرضوا عنها أو كانت هذه الأراضي من الفيء، الفيء هي الأراضي التي لم يُوجف عليها بخيل ولا ركاب. أما البلاد التي فُتحت بالقوة فهي ملك لجميع المسلمين، الحي منهم والميت، يعني إلى يوم القيامة. زين، بلاد الشام، بيت عينون في القدس، جيرون باب من أبواب دمشق، بيت إبراهيم، كلها من البلدان التي فُتحت عنوة، يعني فُتحت بالقوة. لذلك لا يجوز لقائد الدولة أن يقطع أرضًا منها لأحد أبداً. وكيف النبي يخالف الفقه الإسلامي الثابت للقرآن والسنة ويقطع أراضي إنما هي للمسلمين عامة وليس لقائد الدولة أن يتصرف فيها.
ثانيًا، هذا الخبر في طريقه يحيى بن عمارة أو يحيى بن عباد، على اختلاف النسخ، وهو ضعيف كما ذكر أهل الجرح والتعديل. إذاً، هذا المبرر التاريخي ساقط، لا يعتمد عليه ولا يعول عليه في الحكم على مشروع النبي محمد.
نأتي إلى المبرر الثاني، المبرر الثاني هو المبرر الاقتصادي. ماذا يعني المبرر الاقتصادي؟ يعني أن النبي رأى أن العرب تعيش طبقية، هناك فئة رأسمالية تمتلك الثروات نتيجة التجارة مع الشام واليمن وهناك فئة عمالية كادحة تعيش الفقر المدقع، وهي الفئة الغالبة فأراد أن يطمع العرب في دعوته وفي مشروعه، ففتح لهم أبواب الثروات وهي الغزوات. النبي فكر كيف يجلب العرب إلى مشروعه، قال: ماكو إلا الجانب الاقتصادي. هم يعيشون فقر مدقع، افتح لهم روافد اقتصادية تجذبهم وتطمعهم وتدخلهم في مشروعي، وكان أن قام بأمرين:
الأمر الأول قال لهم: "أمامكم الغزوات". طبعاً العرب أهل حرب، أهل قتال، متعودين على القتال. النبي أطمعهم قال: "أمامكم الغزوات، اغزو من تشاؤون ولكم ما تستحوذون عليه من الغنائم والسبايا، هي ثروة لكم". وفعلاً، العرب نتيجة هذه الغزوات التي خاضوها اكتسبوا ثروات هائلة وهي ثروات الشام وكسرى وبلاد فارس، خصوصاً في عهد الأمويين وفي العهد، هذا بالنسبة إلى الأمر الأول، وطبعاً حتى يحقق هذا الرافد الاقتصادي للعرب يحتاج يحمس الناس على القتال. فلذلك صار يحمس الناس على القتال بحجة الجنة والشهادة كي يحقق هذه الثروة الاقتصادية الناشئة عن الحروب والغزوات، فجاءت الآيات: "يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال، إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين". وقال: "انفروا خفافًا وثقالاً وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله". هذا الأمر الأول.
الأمر الثاني في الجزية، النبي أخذ الجزية من أهل الكتاب، والجزية ضريبة مالية ضخمة تعد رأسًا كبيرًا من روافد الثروة التي فتحها النبي على قريش وعلى العرب الذين معها حتى يحقق مشروعه الإمبراطوري السلطوي. هذه المحطة بل البخاري يروي حديث، مشكله هذا الحديث، هذا الحديث حديث رقم 4868: "بعثت بالسيف حتى يعبد الله، وجعل الله رزقي تحت رمحي". نحن عندما نأتي لنحاسب هذا المبرر الاقتصادي، انتبه جيداً، لدينا عدة ملاحظات:
الملاحظة الأولى: أن كل غزوات النبي كانت دفاعية وليست هجومية. كل حروب النبي كانت دفاعية عن ذلك الوطن الصغير وتلك المدينة الصغيرة التي رغب أهلها بالإسلام ورحب أهلها بالنبي صلى الله عليه وآله. إذا تقرأ القرآن تعرف أن الغزوات كانت دفاعية ولم تكن هجومية. اقرأ قوله تعالى: "وقاتلوا الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين" وقال تبارك وتعالى: "أُذِن للذين يقاتَلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير". لأنهم ظلموا، لأنهم قتلوا، سوغ لهم الإسلام الدفاع عن أنفسهم وحريمهم ووطنهم. لدينا هذه الآية واضحة جداً على أن مبدأ النبي مبدأ السلم. يقول تبارك وتعالى: "لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين". أي إنسان ما قاتلك ولا أخرجك من بلادك تعامل معه بالبر والقسط: "لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين". إنما ينهاكم عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم، قال: "وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله". إذاً، ما عندنا أن النبي فتح باب الغزوات، هذه جناية على النبي، كل الغزوات كانت دفاعية ولم تكن هجومية. غير هذه الملاحظة الأولى.
الملاحظة الثانية: أن الغنائم، غنائم الحروب التي حصل عليها النبي، هل كانت تكديسًا لثروة قرشية عربية؟ لا، هذه الغنائم خضعت لنظام اقتصادي صارم من قبل النبي صلى الله عليه وآله. ما هو هذا النظام؟ شوف الآية: "ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل". يعني النبي أراد أن يحرر المجتمع من الطبقية فوزع هذه الغنائم على هذه الموارد ليعيش المجتمع توازنًا في الثروة، كما ورد عن الإمام أمير المؤمنين علي عليه السلام: "ما جاع فقير إلا بما متع به غني". وكان النبي صلى الله عليه وآله ينفق كل ما يصل إليه على هذه الموارد التي تم ذكرها.
أما نأتي إلى الملاحظة الثالثة وهي مسألة الجزية. ترى الجزية أقل من الزكاة، يعني الدولة الإسلامية المحمدية التي أقامها النبي صلى الله عليه وآله أخذت ضريبة، كل دولة تأخذ ضرائب مقابل ما تقدم من خدمات: توفير الأمن، توفير التعليم، تأخذ ضرائب، الدولة المحمدية أيضًا فرضت ضرائب، أخذت الجزية من أهل الكتاب، وهم المسيحيون واليهود، كما أخذت الزكاة من المسلمين، بل الزكاة أكثر، إذا تلاحظ مقدار الزكاة، مقدار الزكاة، يعني الضريبة التي فرضت على المسلمين أكثر من الضريبة التي فرضت على أهل الكتاب من المسيحيين واليهود المعبر عنها بالجزية. وإنما أخذت الضريبة على المسيحيين واليهود، يعني أهل الكتاب، مقابل حماية الدولة لهم، توفير الأمن لهم، توفير الاقتصاد لهم، توفير السوق المالي لهم من هذا المنطلق. ومن هذه الجهة أخذت ضريبة الجزية عليهم، فإذا ليست الجزية رافد اقتصادي ضخم، الجزية والزكاة وكل الروافد المالية التي وصلت إلى النبي صلى الله عليه وآله قام النبي بتوزيعها بما يحقق التوازن في المستوى المعيشي لأبناء المجتمع الإسلامي آنذاك.
إذا هذا المبرر الاقتصادي مبرر واهٍ. أما هذا الحديث، وهو الذي رواه البخاري، هذا الحديث: "بعثت بالسيف حتى يعبد الله، وجعل الله رزقي تحت رمحي". هذا الحديث وين؟ هذا الحديث في طريقه عبد الرحمن بن ثوبان، وعبد الرحمن بن ثوبان قال عنه يحيى بن معين، وهو من علماء الجرح والتعديل، قال عنه ضعيف، والحديث نفسه قال عنه أبو حاتم: "هذا الحديث ليس بشيء". إذاً، علماء الجرح والتعديل لا يقبلون مثل هذه الرواية التي تشوه صورة نبي محمد صلى الله عليه وآله.
نأتي الآن إلى المبرر الثالث، وهو المبرر الشخصي. المبرر الشخصي ماذا يعني؟ يقول هؤلاء الكتاب أو بعض هؤلاء الكتاب، إذا كان النبي صلى الله عليه وآله يدعو إلى التوحيد فلماذا قَرَنَ ذكره بذكر الله؟ لماذا لم يحافظ على كلمة التوحيد وهي: "لا إله إلا الله"، "قل هو الله أحد"؟ لماذا قَرَنَ ذكره بذكر الله في الأذان في الإقامة حتى في التشهد في الصلاة؟ متى ذكر الله؟ "أشهد أن لا إله إلا الله" ذكر النبي: "وأشهد أن محمدًا رسول الله". فهو عندما قرن ذكره بذكر الله هذا يعني أن عنده طموحًا للملك والسلطة وأن يبقى ذكره على الألسن.
وثانيًا، إذا كان النبي يدعو إلى المساواة بين أبناء المجتمع المسلم ويقول: "يا أيها الناس، إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم". إذا هو يدعو للمساواة لماذا فضَّل قريش على سائر العرب؟ لماذا عندما دخل مكة فاتحًا كان معه سعد بن عبادة وهو من الأنصار من أهل المدينة، فقال سعد بن عبادة: "اليوم يوم الملحمة، اليوم تُسبى الحُرمة، اليوم أذل الله قريشًا". فالتفت إليه النبي وقال: "قل: اليوم يوم المرحمة، اليوم تُحْمَ الحُرْمة، اليوم أعز الله قريشًا". ولما جمع قريش أمامه قال: "ما ترون أني فاعل بكم؟" قالوا: "أخٌ كريم وابن أخٍ كريم". قال: "اذهبوا فأنتم الطلقاء". لماذا فضَّل قريش على سائر العرب؟
إذا كان النبي يدعو إلى المساواة بين أبناء الإنسانية، لماذا فضَّل أهل بيته على غيرهم من الناس؟ لماذا جعل الخلافة والإمامة في أهل بيته دون الناس؟ أليس هذا توريثًا للملك والسلطان؟ حيث قال: "لا يزال أمر الدين ـ هذه رواية يرويها مسلم وشبيه بها يرويها البخاري ـ لا يزال أمر الدين قائمًا حتى تقوم الساعة أو يكون فيكم إثنا عشر خليفة كلهم من قريش". وقال: "إني مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي" لماذا؟ الجواب عن هذه الملاحظة، عن هذا المبرر ركز معي، أولاً: النبي صلى الله عليه وآله عندما قَرَنَ ذكره بذكر الله، الصلاة عبادة، والعبادة روحها التسليم، التسليم لله تبارك وتعالى: "إني وجهت وجهي وأسلمت أمري". العبادة حقيقتها التسليم: "إني وجهت وجهي وأسلمت أمري للذي فطر السماوات والأرض". التسليم يعتمد على دعائم ثلاث ذكرها القرآن:
الدعامة الأولى: ذكر الله، قال تعالى: "وأقم الصلاة لذكري"،
والدعامة الثانية: الاطاعة لله وللرسول، قال تعالى: "وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول"،
والدعامة الثالثة: الدعاء. للنبي إنسان خدم الأمة، بذل جهوده، مقابل هذه الجهود يُدعَى له: "إن الله وملائكته يصلون على النبي، يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليمًا". الصلاة، قال تبارك وتعالى: "إن الله يصلي عليكم" حتى المؤمنين الله يصلي عليهم: "إن الله يصلي عليكم وملائكته". الصلاة على النبي، الصلاة على المؤمن دعاء له.
الصلاة تمثل هذه الدعائم الثلاثة، فهي من جهة ذكرالله: "قل هو الله أحد، سبحان ربي العظيم، سبحان ربي الأعلى"، وهي من جهة أخرى إظهار للطاعة لله وللرسول، إظهار للطاعة لله وللرسول تطبيقًا لقوله تعالى: "أطيعوا الله وأطيعوا الرسول"، وبالشهادة الثانية للنبي صلى الله عليه وآله: "وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله". والدعامة الثالثة: الصلاة على النبي: "اللهم صلِّ على محمد وآل محمد". فالنبي ما قَرَنَ ذكره بذكر الله، إنما الصلاة هي تمثيل لهذه الدعائم القرآنية الثلاث التي تجسد التسليم المطلق لله تبارك وتعالى.هذه الملاحظة الأولى.
الملاحظة الثانية: النبي ما فضل قريش النبي رحم قريش تعامل معهم بخلق الرحمة. قريش طبعاً أقوى قبيلة في العرب آنذاك، النبي تعامل معها باللطف والرحمة. النبي لأن القرآن قال عنه: "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين"، وقال عنه: "لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم". تعامل مع قريش بمنطق الرحمة: "ما ترون أني فاعل بكم، أنتم قاتلتموني وأخرجتموني من داري، وسلبتم كل مالي، ما ترون أني فاعل بكم؟" قالوا: "أخ كريم وابن أخ كريم"، قال: "اذهبوا، يعني عفوت عنكم". إذاً الذي قاله النبي: "اليوم يوم المرحمة، اليوم تحمل الحرمة، اليوم أعز الله قريشًا"، لو صدقت طبعًا، هذه الجملة الثالثة ما وجدنها في رواية معتبرة، هذه الجملة الثالثة، لو صدقت، فهو مجرد تعامل بالرحمة واللطف مع قريش.
الملاحظة الثالثة وهي المهمة، التفت: هل أن النبي هو الذي ورَّث أهل بيته أم أن اصطفاء أهل البيت جاء من قبل النبي؟ أصلاً قبل وجود النبي، الله اصطفى محمدًا وآله. أنت عندما تقرأ القرآن: "إن الله اصطفى آدم ونوح وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين"، ذريَّة بعضها من بعض. آل إبراهيم من هم؟، آل إبراهيم هم آل محمد؟ محمد ينتمي إلى إسماعيل بن إبراهيم، فآل إبراهيم هم آل النبي صلى الله عليه وآله، وقال في آية أخرى: "وأرسلنا نوحا وإبراهيم وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب". الله اصطفى هذه السلالة، هؤلاء آل إبراهيم. الله اصطفى هذه الأسرة، جعل فيها العلم، جعل فيها الإمامة، جعل فيها الاصطفاء، جعل فيها العصمة، جعل فيها النبوة: "وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب". وأنت تعرف، الجينات الوراثية لها أثرها يعني عندما تكون أسرة منحدرة من أنبياء وأوصياء وسلالات الأنبياء والأوصياء، هذه الجينات الوراثية لها عوامل، لها بصمات مؤثرة، تخلق استعدادًا لا نقول هي علة تامة، لا ممكن يكون من الأسرة ويكون إنسان شقي، يكون إنسان فاسد، لكن هذه الجينات الوراثية تضع بصمات واستعدادات واقتضاءات لأجل أن يكون مؤهلًا لهذا الدور الرسالي السماوي العظيم: "وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب". بعدين تجي إلى قوله تعالى: "إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرًا". طيب، يجي هنا سؤال: التفت للسؤال والجواب، لماذا الله اصطفى هؤلاء دون غيرهم؟ طيب، هناك أسر كثيرة، قريش نفسها اسر كثيرة! لماذا اختار الله من قريش بني هاشم؟ لماذا اختار الله من بني هاشم محمدًا؟ لماذا اختار الله من بني هاشم ومن أسرة النبي الحسن والحسين؟ لماذا اختار الله ذرية الحسين صلوات الله عليه دون غيرهم؟ لماذا اختار الله بعض أبناء الحسين دون البعض الآخر؟ ما هو سر الاصطفاء؟ ما هو سر الاختيار؟ لماذا هؤلاء دون غيرهم؟ اقرأ قوله تعالى: "وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون". الإمامة لا تُعطى لشخص إلا لعلم الله أنه أقوى الناس إرادة وأكثرهم صبرًا وأشدهم يقينًا. الله علم أن هذه السلالة، سلالة النبي، سلالة الحسين، هذه السلالة المعينة، علم الله أن هؤلاء أقوى الناس إرادة وأكثرهم صبرًا وأشدهم يقينًا. الله علم أن هذه السلالة سلالة النبي سلالة الحسين علم الله أنهم أقوى الناس إرادة وأكثرهم صبراً وأشدهم يقيناً علم بذلك، يعني افترض هؤلاء ليسوا أئمة وليسوا أنبياء، مع ذلك سيكونون متفوقين على الناس. حتى لو لم يكونوا أنبياء ولا أئمة، سيكونون أقوى الناس إرادة وأكثرهم صبرًا وأشدهم يقينًا. لأن الله علم بهم أنهم أقوى الناس إرادة وأشدهم يقينًا، رآهم مؤهلين لمنصب الإمامة والنبوة، فوهبهم الإمامة والنبوة والعلم والعصمة لأنهم المحال المؤهلة لذلك.
السلام على محال معرفة الله ومساكن بركة الله ومعادن حكمة الله وحملة كتاب الله وأوصياء نبي الله صلى الله عليه وآله. أنت تقرأ في زيارة الزهراء عليها السلام، زيارة معتبرة صحيحة السند: "امتحنك الله قبل أن يخلقكِ"، امرأة، أن الله امتحنها قبل أن يخلقها، يعني امتحنها وهي في عالم الذر، هذه البنت، هذه الفتاة، الزهراء، "امتحنك الله قبل أن يخلقك، فوجدك لما امتحنك به صابرة، وكنا زاعمين بأن لك أولياء". لأن الله رأى هذه الفتاة الكريمة العظيمة، فاطمة الزهراء، رآها بضعة كريمة طيبة لكنها قوية، قوية الشكيمة، قوية الصبر، شديدة اليقين، فجعلها في مقام الولاية وجعلها في مقام العصمة وجعلها في مقام الحجية صلوات الله عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها.
وهذا ما ينعكس على النبي صلى الله عليه وآله الذي قال: "والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه"، وقال: "ما أوذي نبي مثلما أوذيت". والإمام أمير المؤمنين مثل الصبر وقوة الإرادة بأروع صوره، وقال: "والله لو أعطيت الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها على أن أعصي الله في نملة أسلبها جلب شعيرة ما فعلت، والله لو كان المال لي لساويت بينهم، فكيف إن كان المال مال الله". وهذا شبل علي على درب علي عليهما السلام، وهذا شبل علي يوم عاشوراء على نهج علي، وأنت تقرأ في زيارة الحسين: "وجاهدهم فيك صابرًا محتسبًا مقبلًا غير مدبر حتى سُفك في طاعتك دمه واستُبيح حريمه". هكذا جاهد وقاتل بأبي هو وأمي، وقال: "والله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا أقر إقرار العبيد". هكذا كان الحسين وهكذا كان أنصار الحسين، مسلم بن عقيل سفير الحسين، هذا الإنسان العظيم الذي قال فيه الحسين بن علي: "إني بعثت إليكم أخي وابن عمي وثقتي من أهل بيتي". أقبل مسلم بن عقيل الشهيد سفير الحسين على أهل الكوفة ليعظهم بالحق، لكنهم غدروا به وتركوه وحيدًا في أزقة الكوفة. صلى آخر صلاة وخلفه المئات، وما أن انتهى من الصلاة إلا وهو وحيد غريب في أزقة الكوفة، يطلب بيتًا يؤويه أو شربة ماء يشربها. جاء إلى باب امرأة يقال لها طوعة، امرأة كريمة، طرق الباب، خرجت له وقالت: "ماذا تريد؟" قال: "أريد شربة ماء أبل بها ظمئي". جاءت له بالماء، شرب الماء ووقف على الباب. سألت: "ما وقوفك على باب بيتي وأنا امرأة وحيدة؟" قال: "أنا بأرضكم غريب وحيد. هل تعرفين علي بن أبي طالب؟" قالت: "بلى، علي أميرنا". قال: "هو عمي، الحسين ابن عمي، أنا مسلم بن عقيل، جئت إلى بلادكم بايعني الناس وتفرقوا عني". دمعت عيناها وأدخلته الدار.
صار ليلته قائماً راكعاً ساجداً. أقبل ابنها، رأى أمه تكثر الدخول على تلك الدار، سألها عما يحدث، فحاولت أن تخفي عنه. أخذت منه المواثيق والعهود، أخبرته بأن مسلم بن عقيل في دارها. عظم الله أجوركم. ذهب ولدها وأخبر عبيد الله بن زياد بوجود مسلم في دار طوعة. فلما طلع الفجر، قام مسلم بن عقيل إلى صلاة الفجر، وما إن فرغ من صلاته حتى أحاط الجنود بالدار من كل جانب، وهم يقولون: "اخرج يا مسلم". قال: "مرحبا بالشهادة، مرحبًا بلقاء الله". خرج من الدار يقاتلهم، فلما قتل منهم ما قتل، قالوا له: "لك الأمان يا مسلم، أسلم نفسك للأمير ولك الأمان". قال: "لا أمان لكم يا أهل الكوفة، غدرتم بي وخنتم المواعيد والعهود". عظم الله أجوركم. بينما هو يقاتلهم، أقبلوا عليه من كل جهة، هذا يضربه بسيفه وهذا يطعنه برمحه، وهو يقول: "هذا أول غدركم وأول خيانتكم". لما رأت طوعة ذلك، ماذا تفعل؟ قامت تلطم على رأسها وقالت: "واخجلتاه، أمام فاطمة الزهراء". لقد سلمتك يا مسلم للقتل! قال مسلم: "لا تثريب عليك، أنت امرأة مؤمنة وستنالين شفاعة فاطمة الزهراء".
عظم الله أجوركم، أخذوه إلى عبيد الله بن زياد، وسحبوه على وجهه، وصعدوا به إلى أعلى القصر، وقال لهم: "امهلوني حتى أصلي لربي ركعتين". قالوا: "صلِّ ما تشاء". وقف مسلم بن عقيل وصلى ركعتين، ثم التفت إلى المدينة ونادى: "السلام عليك يا أبا عبد الله، السلام عليك يا ابن رسول الله، إن القوم يقتلونني، فإياك أن تأتي إليهم". عظم الله أجوركم، وأقبل عليه السياف وضربه بالسيف على رأسه.
عظم الله أجوركم. اللهم بحق مسلم بن عقيل غريب الكوفة، اللهم بحقه وبحق الحسين المجيد وجده وأبيه وأمه وأخيه والتسعة من بنيه، اللهم اغفر ذنوبنا واستر عيوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار، اللهم اشف مرضانا ومرضى المؤمنين والمؤمنات، واقض حوائجنا وحوائج المؤمنين والمؤمنات، اللهم عجل فرج وليك وابن أوليائك، واكتب له النصر والظفر، واجعلنا من أنصاره وأعوانه والمرضيين عنده، وإلى أرواح أمواتكم وأموات المؤمنين والمؤمنات الفاتحة تسبقها الصلوات.
الشيخ حسين مظاهري
الشيخ عبدالهادي الفضلي
الشيخ محمد هادي معرفة
السيد جعفر مرتضى
الشهيدة بنت الهدى
الشيخ محمد صنقور
السيد عباس نور الدين
عدنان الحاجي
حيدر حب الله
الشيخ شفيق جرادي
عبد الوهّاب أبو زيد
ناجي حرابة
حسين حسن آل جامع
فريد عبد الله النمر
الشيخ علي الجشي
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان