قرآنيات

معلومات الكاتب :

الاسم :
السيد محمد باقر الحكيم
عن الكاتب :
عالم فقيه، وأستاذ في الحوزة العلمية .. مؤسس المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق ، استشهد سنة٢٠٠٣

منهاج بحث القصة في القرآن الكريم(4)


السيد محمد باقر الحكيم ..

المنهج الأدبي أو الفني في دراسة القصة
المنهج السادس: وهو المنهج الذي يتجه إلى إبراز الخصائص الفنية والتصويرية في القرآن الكريم، حيث اعتمد القرآن الكريم على هذا الأسلوب في التربية والتأثير النفسي والروحي وكانت القصة أحد المصاديق لهذا الأسلوب الرائق الذي اتبعه القرآن الكريم وكان يمثل أحد أبعاد الإعجاز فيه.
 وهذا المنهج من المناهج المهمة في أبحاث القصة القرآنية خاصة وأبحاث القرآن عموماً، ولكنه من المناهج التي لا يستوعبها إلاّ المختصون في آداب اللغة العربية، ويتفاعل معها أصحاب الذوق الأدبي من الناطقين باللغة العربية.
ويمكن أن نقدّم نموذجاً لهذا المنهج من خلال قصة يوسف المثال الذي تناوله سيد قطب في كتابه (في ظلال القرآن).
 ونكتفي بذكر المقدمة التصويرية التي ذكرها سيد قطب لهذا المثال، ونحيل الباقي على كتابه المذكور:
إنّ قصة يوسف - كما جاءت في هذه السورة - تمثل النموذج الكامل لمنهج الإسلام في الأداء الفني للقصة، بقدر ما تمثل النموذج الكامل لهذا المنهج في الأداء النفسي والعقيدي والتربوي والحركي أيضاً... ومع أنّ المنهج القرآني واحد في موضوعه وفي أدائه، إلاّ أنّ قصة يوسف تبدو وكأنها المعرض المتخصص في عرض هذا المنهج من الناحية الفنية للأداء.
إن القصة تعرض شخصية يوسف عليه السلام وهي- الشخصية الرئيسية في القصة - عرضاً كاملًا في كل مجالات حياتها، بكل جوانب هذه الحياة، وبكل استجابات هذه الشخصية في هذه الجوانب وفي تلك المجالات، وتعرض أنواع الابتلاءات التي تعرضت لها تلك الشخصية الرئيسية في القصة; وهي ابتلاءات متنوعة في طبيعتها وفي اتجاهاتها.. ابتلاءات الشدة وابتلاءات الرخاء، وابتلاءات الفتنة بالشهوة، والفتنة بالسلطان، وابتلاءات الفتنة بالانفعالات والمشاعر البشرية تجاه شتى المواقف وشتى الشخصيات.. ويخرج العبد الصالح من هذه الابتلاءات والفتن كلّها نقياً خالصاً متجرداً في وقفته الأخيرة، متجهاً إلى ربه بذلك الدعاء المنيب الخاشع كما أسلفنا في نهاية الفقرة السابقة.
وإلى جانب عرض الشخصية الرئيسية في القصة تعرض الشخصيات المحيطة بدرجات متفاوتة من التركيز. وفي مساحات متناسبة من رقعة العرض، وعلى أبعاد متفاوتة من مركز الرؤية، وفي أوضاع خاصة من الأضواء والظلال.. وتتعامل القصة مع النفس البشرية في واقعيتها الكاملة، متمثلة في نماذج متنوعة: نموذج يعقوب الوالد المحب الملهوف والنبي المطمئن الموصول.. ونموذج أخوة يوسف وهواتف الغيرة والحسد والحقد والمؤامرة والمناورة، ومواجهة آثار الجريمة، والضعف والحيرة أمام هذه المواجهة، متميزاً فيهم أحدهم بشخصية موحدة السمات في كل مراحل القصة ومواقفها.. ونموذج امرأة العزيز بكل غرائزها ورغائبها واندفاعاتها الأنثوية، كما تصنعها وتوجهها البيئة المصرية الجاهلية في بلاط الملوك، إلى جانب طابعها الشخصي الخاص الواضح في تصرفها ووضوح انطباعات البيئة.. ونموذج النسوة من طبقة العلية في مصر الجاهلية! والأضواء التي تلقيها على البيئة، ومنطقها كما يتجلى في كلام النسوة عن امرأة العزيز وفتاها، وفي إغرائهنّ كذلك ليوسف وتهديد امرأة العزيز له في مواجهتهنّ جميعاً، وما وراء أستار القصور ودسائسها ومناوراتها، كما يتجلى في سجن يوسف بصفة خاصة.. ونموذج (العزيز) وعليه ظلال طبقته وبيئته في مواجهة جرائم الشرف من خلال مجتمعه!.. ونموذج (الملك) في خطفة يتوارى بعدها كما توارى العزيز في منطقة الظلال بعيداً عن منطقة الأضواء في مجال العرض المتناسق.. وتبرز الملامح البشرية واضحة صادقة بواقعية كاملة في هذا الحشد من الشخصيات والبيئات، وهذا الحشد من المواقف والمشاهد، وهذا الحشد من الحركات والمشاعر.. ومع استيفاء القصة لكل ملامح (الواقعية) السليمة المتكاملة وخصائصها في كل شخصية وفي كل موقف وفي كل خالجة.. فإنّها تمثل النموذج الكامل لمنهج الإسلام في الأداء الفني للقصة، ذلك الأداء الصادق، الرائع بصدقه العميق، وواقعيته السليمة.. المنهج الذي لا يهمل خلجة بشرية واقعية واحدة، وفي الوقت ذاته لا ينشئ مستنقعاً من الوحل يسميه (الواقعية) كالمستنقع الذي أنشأته (الواقعية) الغربية الجاهلية!
وقد ألمت القصة بألوان من الضعف البشري; بما فيها لحظة الضعف الجنسي، ودون أن تزوّر - أي تزوير - في تصوير النفس البشرية بواقعيتها الكاملة في هذه المواقف، دون أن تغفل أي لمحة حقيقية من لمحات النفس أو الموقف، فإنّها لم تسف قط لتنشئ ذلك المستنقع المقزز للفطرة السليمة، ذلك الذي يسمّونه في جاهلية القرن العشرين (الواقعية) أو يسمّونه أخيراً (الطبيعية!).


المنهج النظري
المنهج السابع: وهو المنهج الذي يحاول استنباط النظريات القرآنية من خلال تحليل مفردات القصص القرآني والجمع بينها لتكوين تصور نظري شامل حول الموضوعات المختلفة العقائدية أو الاجتماعية أو التاريخية.
ويمتاز هذا المنهج بأنه يساهم إلى حد كبير في استكشاف النظريات القرآنية الذي يعتبر في هذا العصر من أهم الأعمال الفكرية والثقافية التي تملأ الفراغ في أسلوب عرض الثقافة الإسلامية عرضاً نظرياً يواجه النظريات الفكرية الأخرى من ناحية، ويكشف في الوقت نفسه الوجه المشرق والمضمون القوي الواضح للثقافة الإسلامية، ويقرّبها من الفهم والتناول.
 وقد طبقنا هذا المنهج على قصة آدم لاستكشاف نظرية خلافة الإنسان في الأرض وبداية تكوّن المجتمع الإنساني. واتبعنا فيه أسلوباً مزدوجاً بين المنهج التقليدي في عرض المفردات والآراء وشرح المفاهيم ومناقشتها والمنهج الموضوعي الذي يحاول أن يقدّم مضمون النظرية كاملة. وهذا المنهج قد مارسته في دراسة قصة آدم عند تدريس علوم القرآن في كلية أصول الدين في بغداد قبل حوالي ثلاثة وثلاثين عاماً واستفدنا فيه من مناهج وأساليب البحث العلمي لأستاذنا المجدد الشهيد الصدر.


المنهج التاريخي
المنهج الثامن: وهو المنهج الذي يتجه إلى عرض القصة كتاريخ يتناول تفاصيل حياة الأنبياء وأقوامهم ويهتم بجمع أكبر قدر ممكن من الحوادث التاريخية من المصادر المختلفة، القرآن الكريم، الروايات عن النبي وأهل بيته والصحابة والتابعين وأهل الكتاب والتوراة والانجيل وغيرها من المصادر، ويقارن بينها أحياناً لأغراض تاريخية أو عقائدية.
 ونجد لهذا المنهج نماذج كثيرة في بعض كتب قصص الأنبياء أو أبحاث المبشرين حول القرآن وأبحاث علماء القرآن في مواجهة شبهات المبشرين ومنها أبحاث العلامة الشيخ محمد جواد البلاغي في كتابيه الهدى إلى دين المصطفى والرحلة المدرسية وغيرها من الأبحاث.
وقد يخرج هذا المنهج عن أهداف القرآن الكريم وأهداف القصة فيه حيث تتحول القصة إلى رواية تاريخية للتسلية ولا سيما عندما لا يتقيد بالنص القرآني وضوابطه. طبعاً باستثناء الأحداث ذات الطابع العقائدي التي تحظى بأهمية خاصة لبعدها العقائدي المهم.
نعم من الممكن أن يتحول هذا المنهج إلى منهج نافع بصورة عامة عندما يعتمد على الأسس العلمية في بحث التاريخ، ولكن من المؤسف أنّ الملاحظة العامة حول كتابة التاريخ هو التسامح في تدوين الأحداث وضبطها، الأمر الذي أدى إلى نتائج خطيرة في كتابة التاريخ.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة