قرآنيات

معلومات الكاتب :

الاسم :
السيد ابو القاسم الخوئي
عن الكاتب :
مرجع شيعي كبير، ورئيس الحوزة العلمية في النجف

نسبة الأغلاط إلى القرآن فيما نقل من أنباء الماضي

 

السيّد أبو القاسم الخوئي
جواب الشبهة: في إبطال ما توهّم (صاحب كتاب حسن الإيجاز) من نسبة الأغلاط إلى القرآن الكريم فيما نقل من أنباء الماضي، وهو على قسمين:
القسم الأوّل: ما توهّم فيه المناقضة، فحكم بكذب أحد الأمرين، وهو قوله تعالى في سورة آل عمران: {آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ}[آل عمران: 41]، فتوهّم مناقضته لقوله تعالى في سورة مريم: {آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا}[مريم: 10]، مع غفلته عن أنّ اليوم يُستعمل في اللّغة العربيّة في بياض النهار مرّة، ومجموع النّهار واللّيل أخرى، وعلى الأوّل، جاء قوله تعالى في عذاب عاد بالرّيح الصّرصر في سورة الحاقة، الآية 7: {سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا}[الحاقة: 7] وعلى الثاني، جاء قوله تعالى أيضاً في عذاب عاد في سورة فصِّلت، الآية 15: {فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ}[فصِّلت: 16]، وقوله تعالى في سورة هود، الآية 68: { تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ}[هود: 65]، وقوله تعالى في أمر زكريّا: {ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ} [آل عمران: 41]، وقوله تعالى في سورة البقرة، الآية 51: {وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً}[البقرة: 51]، وقوله تعالى في أمر زكريّا: {ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا}، وشواهده من الشّعر والنّثر كثيرة.


ومثله أيضاً في اللّغة العبرانيّة كثير، فقد جاء على الأوّل قول التّوراة في ميعاد موسى أربعين يوماً وأربعين ليلة، اُنظر الرابع والعشرين من الخروج / عدد 18، والرابع والثلاثين / عدد 28، وتاسع التثنية / عدد 9 و18 و25.
وعلى الثاني قول التوراة: "فكان صباح وكان مساء يوماً أوّلاً، وثانياً"، وهكذا إلى السابع. اُنظر تمام الفصل الأول من التّكوين، وثاني عشر الخروج / عدد 18، ومثله كثير في التّوراة.
وإن أراد الاعتراض، فعليه بإنجيله الرّائج، فإنّ إنجيل متّى يذكر في الباب الثاني عشر / عدد 40، أنّ المسيح أخبر أنّه يبقى مدفوناً في بطن الأرض ثلاثة أيّام وثلاث ليال، مع أنَّ إنجيل متّى والأناجيل الثلاثة الباقية متّفقة على أنّه لم يبق في الأرض إلا يسيراً من آخر يوم الجمعة، وليلة السبت ونهار السبت، وليلة الأحد إلى ما قبل الفجر؛ فأين تكون الثلاثة أيّام وثلاث ليال؟! فانظر أخريات الأناجيل في دفن المسيح وقيامه.
وأمّا القسم الثاني: فهو ما رأى فيه المخالفة لما ورد في العهدين، فتوهّم كذب القرآن الكريم بتوهّم أنّهما هي الكتب الإلهاميّة المنزلة إلى الأنبياء (ع).
هكذا قال، ولكنّ له الأسف من أنّ داخلية كتب العهدين تُبطِل كونها كتب وحي وإلهام، وقد بيّنّا شيئاً من ذلك، أنّ مخالفات القرآن للعهدين في قصصها، إنمّا هي تصحيح لأغلاطها في تلك القصص، وتنزيهها من الخرافات الكفر.
ومن أغلاطه قوله: "إنّ المحراب هو قدس الأقداس"، فاعترض به على القرآن في قصّة مريم وزكريّا، مع أنّه في العربية مطلق المحلّ المعدّ للصّلاة.
وإذا أحطت بما ذكرناه، عرفت توهّم صاحب "حسن الإيجاز"، حيث قال: "إنّ علماء المسلمين قالوا بالمحال، وهو تحريف التّوراة الإنجيل، مع أنّ القرآن صدّقها واعتمد عليها".
وتعرف أنّ القرآن إنّما صدّق التوراة والإنجيل الحقيقيّين دون الرّائجين اللّذين ملئا بأغلاط الكفر والخرافات والاختلافات الكبيرة، فاعتنى القرآن بتصحيح ما يدخل منها في مواضيعه، فأشار إلى أغلاطهما بأجمل إشارة واضحة، وتفصيل ما ذكرناه موكول إلى إيضاح "الرحلة المدرسيّة".


ألا وإنّ العهد القديم يشهد بعضه على بعض، اُنظر الثّالث والعشرين من أرميا/ عدد 36: "وأمّا وحي سيّدي فلا تذكروه بعد، لأنّ وحي سيّدي لإنسان كلامه، وقد حرّفتم كلام الإله الحيّ ربّ الجنود إلهنا" وثامن أرميا أيضاً / عدد 8: "كيف تقولون نحن حكماء وتوراة سيّدي معنا، هو ذا للكذب حوّلها قلم كذب الكتبة".
ألا وإنّ المزمور العاشر بعد المائة يشهد على أناجيل متّى ومرقس ولوقا بتحريفها بقولها: "قال الربّ لربّي". اُنظر ص 20، ولكن من أين يعرف "حسن الإيجاز" هذه الأمور؟!!
ومن جميع ما ذكرناه، تعرف شططه في خاتمته من دعاويها التي أوضحنا كذبها وبطلانها، وقد قصّرنا كلامنا في هذا المختصر على ذلك.
وليعلم أصحابنا النصارى أنّا لا نبتدئ في هذه الأمور، وإنّما نتصدَّى لها لصدّ بعض المغرورين عن عدوانهم بالأباطيل الّتي كثر بها الهياج في هذا العصر.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة