من العسير جدًّا إبداء الرأي في جذور الوثنية ومنشأ هذا الانحراف العقيدي ونموّه بين البشر، خاصة أنّ موضوع الوثنية لم يكن عند قوم أو قومين، ولا في شكل أو شكلين، ولا في منطقة أو منطقتين ليتيسّر للباحث إبداء نظر قطعي فيه وفي نشوئه.
فالوثنية عند «عرب الجاهلية» مثلًا تختلف عمّا عليها عند «البراهمة» وهي عند «البوذيين» تختلف عمّا هي عليها عند «الهندوس» فاعتقادات هذه الطوائف والشعوب مختلفة في موضوع الشرك بحيث يعسر تصوّر قدر مشترك بينها «1».
أمّا العرب البائدة مثل عاد وثمود وأمم هود وصالح، ومثل سكنة مدين وسبأ: أُمم شعيب وسليمان، فكانوا بين وثنيين وعبدة الشمس «2» وقد ذكرت عقائدهم وطريقة تفكيرهم في القرآن الكريم.
وقد كان عرب الجاهلية من أولاد إسماعيل موحّدين ردحاً من الزمن، يتبعون تعاليم النبي إبراهيم وولده إسماعيل عليهما السلام ولكن - على مر الزمان وعلى أثر الارتباط بالشعوب والأُمم الوثنية - حلّت الوثنية محل التوحيد في المجتمع العربي الجاهلي تدريجيّاً «3».
هذا حال الأُمة العربية العائشة في تلكم النواحي. وأمّا الأُمّة العائشة في مكة وضواحيها المقاربة لعصر الرسول فقد نقل المؤرخون أنّ أوّل من أدخل الوثنية في مكة ونواحيها وروّجها فيها هو: «عمرو بن لحي».
فقد رأى في سفره إلى البلقاء من أراضي الشام أُناساً يعبدون الأوثان، وعندما سألهم عمّا يفعلون قائلًا:
ما هذه الأصنام التي أراكم تعبدونها؟!
قالوا: هذه أصنام نعبدها فنستمطرها فتمطرنا ونستنصرها فتنصرنا!
فقال لهم: أفلا تعطونني منها فأسير به إلى أرض العرب فيعبدوه؟
وهكذا استحسن طريقتهم واستصحب معه إلى مكة صنماً كبيراً باسم «هبل» ووضعه على سطح الكعبة المشرّفة، ودعا الناس إلى عبادتها «4»!.
ثم إنّه لما أصابَ المسلمين مطرٌ في الحديبية لم يبل أسفل نعالهم أي ليلًا، فنادى منادي رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم: أن صَلّوا في رحالكم، وقال صلى الله عليه وآله وسلم صبيحة ليلة الحديبية لما صلّى بهم: «أتدرونَ ما قال ربّكم»؟ قالوا: اللَّه ورسوله أعلم قال: قال اللَّهُ عزّ وجلّ:
صَبَّح من عبادي مؤمنٌ بي وكافر، فأمّا من قال: مُطرْنا برحمةِ اللَّه وفضله فهو مؤمن باللَّه وكافر بالكواكب، ومن قال: مُطرنا بنجم كذا وفي رواية بنوء كذا وكذا فهو مؤمن بالكواكب وكافر بي» «5».
وهذان النصّان التاريخيان يثبتان في نفس الوقت بأنّ العرب الجاهليين بعضهم أو كلهم كانوا مشركين في الربوبية، ومعتقدين بأنّ الأمطار بيد الأصنام فكانوا يستمطرونها، ويزعمون بأنّها تمطرهم...
هذا ويرى بعض الباحثين أنّ «الوثنية» نشأت من تعظيم الشخصيات وتكريمهم وتخليدهم؛ فعندما كان يموت أحد الشخصيات كانوا ينحتون له تمثالًا لإحياء ذكراه وتخليد مثاله في أفئدتهم، ولكن مع مرور الزمن وتعاقب الأجيال كانت تتحول هذه التماثيل - عند تلك الأقوام - إلى معبودات، وإن لم تقترن ساعة صنعها بمثل هذا الاعتقاد.
وأحياناً كان رئيس عائلة يحظى باحترام وتعظيم كبيرين - في حياته - حتى إذا مات نحتوا له تمثالًا على صورته وعكفوا على عبادته.
وفي اليونان والروم القديمتين كان رب العائلة ورئيسها يعبد من قبل أهله فإذا توفّي عبدوا تمثاله.
وتوجد اليوم في متاحف العالم أصنام وتماثيل لرجال الدين وللشخصيات البارزة الذين كانوا - ذات يوم - أو كانت أصنامهم تعبد كما يعبد الإله.
ومن محاورة النبي إبراهيم عليه السلام مع كبير قومه: «نمرود» يستفاد بوضوح أنّ نمرود كان موضع العبادة من جانب قومه. كما يتبين بأنّ فرعون زمان موسى عليه السلام رغم أنّه كان بنفسه معبوداً عند قومه كان يعبد أصناماً، خاصة، لعلّها كانت أشكالًا لشخصيات سابقة من أسلاف فرعون، حيث يخبرنا القرآن الكريم قائلًا: «وقالَ الملأُ مِنْ قَومِ فرعَونَ أتَذَرُ مُوسى وقَومَهُ لِيُفْسِدُوا في الأرضِ ويَذَرَكَ وآلِهتِكَ» (الأعراف - 127).
خلاصة النظر أنّ هذه الأصنام والتماثيل كانت تنحت وتصنع بادئ الأمر لتخليد ذكرى رجال دين وزعماء وشخصيات كبار، ولكن مع مرور الزمن وانقراض أجيال وحلول أجيال أخرى مكانها كان هذا الهدف ينحرف عن مجراه الأصلي، وتتحول تلك التماثيل إلى معبودات، وتلك الأصنام إلى آلهة مزعومة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1). شرحت دوائر المعارف، وبخاصة دائرة معارف البستاني معتقدات هذه الشعوب الآسيوية التي تعيش في رقعة كبيرة في آسيا.
(2). قال سبحانه: (وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون اللَّه) (النمل - 24).
(3). وهذا يعطي أنّ الوثنية تمتدّ جذورها في المجتمع العربي الجاهلي إلى زمن بعيد وإن كان دخولها إلى مكة وضواحيها ليس بذاك البعد حسب ما ينقله ابن هشام وغيره من أهل السيرة والتاريخ.
(4). سيرة ابن هشام: 1 / 79.
(5). السيرة الحلبية : 3 / 29.
السيد عادل العلوي
الشيخ إبراهيم السنّي التاروتي
الشيخ جعفر السبحاني
السيد محمد حسين الطبطبائي
الشيخ فوزي آل سيف
حيدر حب الله
عدنان الحاجي
الشيخ عبد الله الجوادي الآملي
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
السيد محمد حسين الطهراني
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
عبد الوهّاب أبو زيد
ناجي حرابة
فريد عبد الله النمر
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان
هل يعاد المعدم؟
زهور المستقبل يحتفي بذوي الإعاقة
فاطمة الزهراء (ع) في معراج النبيّ (ص)
الشيخ عبد الجليل الزاكي: المظهر المادي للكفر بالله
دلالة الحديث القدسي: لولا فاطمة ما خلقتكما
(فدك في التاريخ): قراءة تحليلية في بنية السلطة وصراع الشرعية
(جروح الليالي) قصيدة مؤثرّة أبدع بها الرّادود علي آل تراب
العهد التأسيسي للفقه
الإسلام والمواثيق
القرآن الكريم ماحل مصدّق