
هل الدّين والعلم يتّفقان أم يختلفان، وكيف ينظر الدّين إلى العلم؟ كيف ينظر العلم إلى الدّين؟ إنّه لبحث طويل كُتبت فيه كتب قيّمة عديدة.
هناك طبقتان من الناس تسعيان إلى إظهار أنّ الدّين والعلم متخالفان:
الأولى: هي الطبقة المتظاهرة بالتّديّن ولكنّها تتميّز بالجهل، تعيش على الجهل المتفشّي في الناس وتستفيد منه. إنّ هذه الطبقة، لكي تُبقي الناس في الجهالة، وتسدل باسم الدّين ستاراً على مثالبها هي، وتُحارب بسلاح الدّين العلماء لتخرجهم من ميدان المنافسة، كانت تُخيف الناس من العلم بحجّة أنّه يتنافى مع الدّين.
والثانية: هي الطبقة المثقّفة المتعلّمة، ولكنّها ضربت بالمبادىء الإنسانية والأخلاقية عرض الحائط. وهذه الطبقة، لكي تُبرِّر لامبالاتها وأعمالها المنكرة، تتذرّع بالعلم وتدّعي أنّه لا يأتلف مع الدّين.
وهنالك طبعاً الطبقة الثالثة - وهي دائماً موجودة - لها حظٌّ من كلٍّ من العلم والدّين، ولم يُخالجها قطّ إحساس بأيّ تناقض أو تنافٍ بينهما، ولقد سعت هذه الطبقة إلى إزالة الظلم والغبار الذي أثارته الطبقتان المذكورتان لدقّ إسفين بين هذين الناموسين المقدّسين.
إنّ بحثنا في الإسلام والدّين يُمكن أن يجري من جانبين اثنين، الجانب الاجتماعي، والجانب الدِّيني. فمن حيث الجانب الاجتماعي علينا أن نبحث فيما إذا كان العلم والدّين ينسجمان معاً أو لا ينسجمان. هل يستطيع الناس أن يكونوا مسلمين بالمعنى الحقيقي، أي أن يؤمنوا بأُصول الإسلام ومبادئه ويعملوا وفق تعاليمه وأن يكونوا علماء في الوقت نفسه؟ أم هل عليهم أن يختاروا واحداً منهما؟ فإذا بحث الأمر على هذا النحو، أفلا نكون متسائلين عن رأي الإسلام في العلم، وعن رأي العلم في الإسلام؟ وكيف هو الإسلام كدين؟ هل يستطيع، اجتماعيًّا، احتواء الاثنين؟ أم أنّه يجب أن يتغاضى عن أحدهما؟
الجانب الآخر هو أن نتعرّف إلى نظرة الإسلام إلى العلم. ونظرة العلم إلى الإسلام. وهذا، بالبداهة، ينقسم إلى قسمين: الأول هو معرفة وصايا الإسلام وتعاليمه بشأن العلم. هل يقول إنّ علينا أن نتجنّب العلم جهد طاقتنا؟ وهل يرى في العلم خطراً ومنافساً له في وجوده؟ أم أنّه على العكس من ذلك يُرحّب بالعلم بكلّ اطمئنان وشجاعة ويوصي به ويحثّ عليه؟ ثم علينا أن نعرف رأي العلم في الإسلام. لقد مضى على ظهور الإسلام ونزول القرآن أربعة عشر قرناً، وخلال هذه القرون الأربعة عشر كان العلم يتطوّر ويتقدّم ويتكامل، وعلى الأخصّ في القرون الأربعة الأخيرة، إذ كان تقدُّم العلم بصورة قفزات واسعة. والآن فلنرَ هذا العلم بعد كلّ تطوّره ونجاحه واضطراد تكامله، ما رأيه في العقائد والمعارف الإسلامية، وفي تعاليم الإسلام الاجتماعية والأخلاقية العملية؟ ترى هل يعترف بهذه أم لا يعترف؟ وهل رفع من شأنها أم أنزله؟
إنّ كل قسم من هذه الأقسام الثلاثة سيكون موضوع بحث، إلّا أنّ بحثنا هذا سيتناول قسماً واحداً منها وهو ما يتعلّق بنظرة الإسلام إلى العلم.
الإسلام يوصي بالعلم
ليس هناك أدنى شكٍّ في كون الإسلام يؤكّد على العلم ويوصي به، بحيث إنّنا قد لا نجد موضوعاً أوصى به الإسلام وأكّده أكثر من طلب العلم.
في أقدم الكتب الإسلامية المدوّنة نجد أنّ الحثّ على طلب العلم يأتي كفريضة، مثل الفرائض الأُخرى كالصلاة، والصوم، والحج، والجهاد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ثم، إضافة إلى الآيات القرآنية الكريمة، نجد أنّ أهمّ وصية يوصي بها الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم في سبيل العلم هو الخبر الثابتة صحّته لدى جميع المسلمين، وهو قوله صلى الله عليه وآله وسلم: "طلب العلم فريضة على كلِّ مسلم"[1] فطلب العلم واجب على جميع المسلمين، ولا يختصّ بطبقة دون أُخرى، ولا بجنس دون آخر. كلّ من كان مسلماً عليه أن يواصل طلب العلم.
وقال صلى الله عليه وآله وسلم أيضاً "اطلُبوا العِلم ولَو بالصِّين"[2] أي إنّ العلم لا يختصّ بمكان معيّن، فحيثما يوجد علم عليك بالسفر في طلبه.
وقال صلى الله عليه وآله وسلم أيضاً: "كَلِمة الحِكْمة ضالةُ المؤمن فحيث وجدَها فهو أحقُّ بها"[3] أي إنّ المؤمن لا يهتمّ بمن يتلقّى عنه العلم، أهو مسلم أم كافر كمثل الذي يجد ماله المفقود عند أحدهم، فلا يسأل عمَّن يكون، بل يأخذ منه ماله دون تردُّد، كذلك المؤمن، فهو يعتبر العلم ملكه، فيأخذه حيثما وجده. والإمام علي عليه السلام يوضح هذا الأمر بقوله: "الحِكمةُ ضالَّة المؤمن فاطلُبوها ولو عندَ الـمُشركِ تكونوا أحقّ بها وأهلَهَا"[4].
فطلب العلم فريضة لا يقف في وجهه متعلِّم ولا معلِّم ولا زمان ولا مكان أبداً. وهذا أرفع توصية يُمكن أن يوصي بها وأسماها.
(الإنسان والحياة، جمعية المعارف الإسلامية الثقافية)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] الكليني،الشيخ محمد بن يعقوب، الكافي، ج7، ص30، تصحيح وتعليق علي أكبر الغفاري، طهران، دار الكتب الإسلامية، مطبعة الحيدري، 1365هـ /ش/، ط2، ح1.
[2] فتال النيشابوري، محمد بن أحمد، روضة الواعظين وبصيرة المتعظين، نشر منشورات الرضي، إيران، قم، الطبعة الأولى، 1417هـ، ج1، ص11.
[3] الشهيد الثاني، زين الدين بن علي، منية المريد، تحقيق وتصحيح رضا مختاري، نشر مكتب الإعلام الإسلامي، قم، الطبعة الأولى، 1409هـ، ص173.
[4] الطوسي، محمد بن الحسن، الأمالي، نشر دار الثقافة، قم، الطبعة الأولى، 1414هـ، ص675.
التحيّة الإلهيّة
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
معنى (سأل) في القرآن الكريم
الشيخ حسن المصطفوي
العلم المقصود للعمل
الفيض الكاشاني
وجه رب الكون
السيد جعفر مرتضى
الواقع الاجتماعي والسياسي حين تولى الإمام علي (ع) الحكم
الشيخ محمد مهدي شمس الدين
لماذا ينبغي استعادة أفلاطون؟ (2)
محمود حيدر
ماذا يحدث داخل الدماغ أثناء لحظة الإلهام والكشف المفاجئة؟
عدنان الحاجي
الصدقات وعجائب تُروى
عبدالعزيز آل زايد
صفة الجنة في القرآن الكريم
الشيخ محمد جواد مغنية
معـاني الحرّيّة (4)
الشيخ محمد مصباح يزدي
السيدة الزهراء: حزن بامتداد النّبوّات
حسين حسن آل جامع
اطمئنان
حبيب المعاتيق
أيقونة في ذرى العرش
فريد عبد الله النمر
سأحمل للإنسان لهفته
عبدالله طاهر المعيبد
خارطةُ الحَنين
ناجي حرابة
هدهدة الأمّ في أذن الزّلزال
أحمد الرويعي
وقف الزّمان
حسين آل سهوان
سجود القيد في محراب العشق
أسمهان آل تراب
رَجْعٌ على جدار القصر
أحمد الماجد
خذني
علي النمر
التحيّة الإلهيّة
معنى (سأل) في القرآن الكريم
العلم المقصود للعمل
أمسية للحسن بعنوان: (نحو قراءة أدبيّة أفضل)
وجه رب الكون
الواقع الاجتماعي والسياسي حين تولى الإمام علي (ع) الحكم
لماذا ينبغي استعادة أفلاطون؟ (2)
ماذا يحدث داخل الدماغ أثناء لحظة الإلهام والكشف المفاجئة؟
معنى (وفق) في القرآن الكريم
الصدقات وعجائب تُروى