علمٌ وفكر

هذه الميكروبات تتنفس الميثان وتحوله إلى كهرباء في بطارية حية غريبة

ترجمة: محمد جواد آل السيد ناصر الخضراوي

 

بقدر ما تمثل غازات الدفيئة (الاحتباس الحراري)، فإن الميثان هو الشرير الهادئ الذي يمكن أن يجرنا خلسة أعمق من أي وقت مضى في أزمة المناخ.

 

وفي غلافنا الجوي، يكون أكثر فعالية على الأقل 25 مرة في محاصرة الحرارة من ثاني أكسيد الكربون. كما أنه ليس فعالًا – من خلال الاحتراق، فأقل من نصف الطاقة في الغاز الطبيعي يمكن تحويلها إلى طاقة كهربائية.

 

وفي محاولة لاستخلاص المزيد من الإلكترونات من كل نفخة من الميثان، استكشف الباحثون في هولندا شكلاً إلى حد ما غير تقليدي من محطة الطاقة – شكل ستحتاج إلى مجهر لرؤيته. وتقول البروفيسور كورنيليا ويلتي، الأستاذ المساعد وعالمة الأحياء الدقيقة بجامعة ‘رادبود’ [1]: “قد يكون هذا مفيدًا جدًّا لقطاع الطاقة”.

 

وتضيف: “في منشآت الغاز الحيوي (biogas installations) الحالية، يتم إنتاج الميثان بواسطة الكائنات الحية الدقيقة ثم يتم حرقه، مما يؤدي إلى دفع التوربينات، وبالتالي توليد الطاقة”. وتتابع: “يتم تحويل أقل من نصف الغاز الحيوي إلى طاقة، وهذه هي السعة القصوى القابلة للتحقيق، ونريد تقييم ما إذا كان بإمكاننا القيام بعمل أفضل باستخدام الكائنات الحية الدقيقة”.

 

وينصب تركيز تحقيقهم على نوع من الميكروبات الشبيهة بالبكتيريا المعروفة بمواهبها الاستثنائية في البقاء على قيد الحياة في ظل ظروف غريبة وقاسية، بما في ذلك القدرة على تحطيم الميثان في البيئات المحرومة من الأكسجين.

 

ويدير هذا النوع المحدد، المعروف باسم العتائق الأيضية اللاهوائية (Anaerobic methanotrophic ANME)، هذه الخدعة الأيضية عن طريق تفريغ الإلكترونات في سلسلة من التفاعلات الكهروكيميائية، أو استخدام نوع من المعدن أو شبيه المعدن خارج خلاياها أو حتى التبرع بها لأنواع أخرى في بيئتها.

 

وقد تم وصف جنس العتائق الأيضية اللاهوائية ‘ميثانوبيريدينز” لأول مرة في عام 2006، وقد وُجِد أن هذه العتائق تؤكسد الميثان بمساعدة قليلة من النترات، مما يجعلها في المكان المناسب في المستنقعات الرطبة من قنوات الماء تحت الأرض الزراعية المنقوعة بالأسمدة في هولندا. وأدت محاولات سحب الإلكترونات من هذه العملية في خلايا الوقود الميكروبية إلى إنتاج الفولتية الصغيرة، دون أي تأكيد واضح على العمليات التي قد تكون وراء التحويل بالضبط.

 

وإذا كان لهذه العتائق أن تظهر وعدًا كخلايا طاقة تلتهم الميثان، فستحتاج حقًّا إلى إنتاج تيار بطريقة واضحة لا لبس فيها. ولجعل الأمور أكثر صعوبة، الميثانوبيريدنز ليس ميكروبا يفسح المجال للزراعة السهلة.

 

ولذلك جمعت البروفيسور ويلتي وزملاؤها الباحثون عينة من الميكروبات التي عرفوا أنها تهيمن عليها هذه العتائق التي تلتهم الميثان، وزرعوها في بيئة تفتقر إلى الأكسجين حيث كان الميثان هو المتبرع الوحيد بالإلكترون. وبالقرب من هذه المستعمرة، وضعوا أيضا أنودا معدنيًّا محددًا بجهد صفري، مما أدى بشكل فعال إلى إنشاء خلية كهروكيميائية مهيأة لتوليد تيار.

 

وتقول عالمة الأحياء الدقيقة (طالبة مرحلة الدكتوراه) هيلين أوبوتر، وهي أيضًا من جامعة رادبود: “نقوم بإنشاء نوع من البطاريات بطرفين، حيث يكون إحدهما طرفًا بيولوجيًّا والآخر طرفًا كيميائيًّا”. وتوضح: “نحن نزرع البكتيريا على أحد الأقطاب الكهربائية، التي تتبرع لها البكتيريا بالإلكترونات الناتجة عن تحويل الميثان”.

 

وبعد تحليل تحويل الميثان إلى ثاني أكسيد الكربون وقياس التيارات المتقلبة التي ارتفعت إلى 274 مللي أمبير لكل سنتيمتر مربع، استنتج الفريق أن ما يزيد قليلاً عن ثلث التيار يمكن أن يعزى مباشرة إلى تفكيك (تكسير) الميثان. وبقدر ما تذهب الكفاءة، تحولت 31 في المائة من الطاقة في الميثان إلى طاقة كهربائية، مما يجعلها قابلة للمقارنة إلى حد ما مع بعض محطات الطاقة.

 

ويمكن أن يؤدي العبث أكثر بهذه العملية إلى إنشاء بطاريات حية عالية الكفاءة تعمل على الغاز الحيوي، وانتزاع المزيد من الشرارة من كل جزء من الغاز وتقليل الحاجة إلى أنابيب الميثان لمسافات طويلة. وهذا مهم لأن بعض محطات توليد الطاقة بغاز الميثان بالكاد تدير كفاءات تبلغ حوالي 30 في المائة.

 

ولكن بتفاؤل، يجب أن نجد طرقًا لفطم أنفسنا عن إدماننا على جميع أنواع الوقود الأحفوري. وبصرف النظر عن التطبيقات التقنية، فإن معرفة المزيد عن الطرق المختلفة التي تنهار بها غازات الاحتباس الحراري الخبيثة هذه في بيئتنا لا يمكن أن يكون أمرًا سيئًا.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] جامعة رادبود الهولندية هي جامعة أبحاث عامة تقع في مدينة نيجميغين (Nijmegen)، وتحمل اسم القديس رادبود، وهو أسقف هولندي من القرن التاسع كان معروفًا بفكره ودعمه للمحرومين. وتأسست الجامعة في عام 1923، وقد أدرجت باستمرار في أفضل 150 جامعة في العالم من خلال أربعة جداول تصنيف جامعية رئيسية. واعتبارًا من عام 2020، تحتل المرتبة 105 في تصنيف شنغهاي الأكاديمي للجامعات العالمية. على الصعيد الدولي، تشتهر جامعة رادبود بمخرجاتها البحثية القوية. وفي عام 2020، منحت 391 درجة دكتوراه، ونشرت 8396 مقالة علمية. ويكيبيديا.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد