قرآنيات

خصائص القرآن الكريم


الإمام الخميني "قدس سره"

اِعلَم أيُّها العزيز أنَّ عَظَمَةَ كلِّ كلامٍ وكلِّ كتاب إمّا بِعَظَمةِ مُتَكلِّمِه وكاتبه، وإمّا بِعَظَمةِ المُرسَلِ إليه وحامِلِه، وإمّا بِعَظَمةِ حافِظِهِ وحارِسِهِ، وإمّا بِعَظَمةِ شارحِه ومُبَيِّنِه، وإمّا بِعَظَمةِ وقتِ إرسالِه وكيفيَّة إرساله. وبعضُ هذه الأمور دخيلٌ في العَظَمة ذاتاً وجَوهراً، وبعضُها عَرَضاً وبالواسطة، وبعضُها كاشفٌ عن العَظَمة؛ وجميعُ هذه الأمور الّتي ذكرناها موجودةٌ في هذه الصّحيفة النّورانيّة [القرآن الكريم] بالوجه الأعلى والأَوْفى، بل هي من مُختَصَّاته، بحيث أنَّ [أيَّ] كتابٍ آخَر إمّا ألَّا يَشترك معه في شيءٍ منها أصلاً، أو لا يَشترك معَه في جميعها.
أمَّا عظمةُ مُتكلِّمه ومُنشِئه وصاحبِه: فهو العظيمُ المُطلَقُ الّذي [تُعَدُّ] جميعُ أنواع العَظَمة المُتَصَوَّرة في المُلْك والمَلَكوت، وجميعُ أنواع القُدرة النَّازلة في الغَيْبِ والشَّهادة رَشحة من تجلّيّات عَظَمة فِعْلِ تلك الذّات المقدَّسة. ولا يُمكن أن يَتجلَّى الحقُّ تعالى بالعَظَمة لأَحد، وإنّما يَتَجلَّى بها مِن وراءِ آلافِ الحُجُبِ والسُّرادِقاتِ، كما في الحديث: «إنَّ للهِ تباركَ وتعالى سبعينَ ألفَ حجابٍ مِن نورٍ وظُلمةٍ، لو كُشِفَت لأحْرَقَت سُبحاتُ وَجهِه ما دونَه».
وعند أهلِ المعرفة، قد صَدَر هذا الكتاب الشّريف من الحقِّ تعالى بمبدئيَّة جميع الشُّؤون الذّاتيّة والصّفاتيّة والفعليّة، وبجميعِ التّجلّيّات الجماليّة والجلاليّة، وليست لِسائر الكُتُب السّماويّة هذه المرتبة والمنزلة.
وأمّا عَظَمتُه بواسطة محتوياتِه ومقاصدِه ومطالِبِه: فيَستَدعي ذلك عقدَ فصلٍ على حِدة، بل فصولاً وأبواباً، ورسالةً مستقلّة، وكتاباً مُستقلّاً، حتّى يسلكَ نبذةً منها في سِلْكِ البيانِ والتّحرير ..
وأمّا عَظَمةُ رَسولِ الوَحي وواسطةِ الإيصال: فهو جبرَئيلُ الأمين والرُّوح الأعظمُ، الّذي يَتَّصل بذاك الرُّوح الأعظم الرَّسول الأكرَم صلّى الله عليه وآله، بعد خروجه عن الجِلبابِ البَشريِّ، وتوجيهِ شَطْرِ قلبِه إلى حضرةِ الجَبَروت، وهو أحدُ أركانِ دار التّحقُّق الأربعة، بل هو أعظمُ أركانِها وأشرفُ أنواعِها، لأنّ تلك الذّات النّورانيّة مَلَكٌ مُوَكَّلٌ للعلمِ والحكمةِ، وصاحبُ الأرزاقِ المعنويّة والأطعمة الرّوحانيّة، ويُستفادُ من كتابِ الله والأحاديثِ الشّريفة تعظيمُ جبرئيلَ وتقديمُه على سائرِ الملائكة.
وأمَّا عَظَمةُ الـمُرسَلِ إليه ومُتحمِّـلِه: فهو القلبُ التّقيُّ النّقيُّ الأحمديُّ الأحديُّ الجَمْعيُّ المُحمَّديُّ، الّذي تَجلَّى له الحقُّ تعالى بجميعِ الشُّؤونِ الذّاتيّة، والصّفاتيّة، والأسمائيّة، والأفعاليّة، وهو صاحبُ النّبوّة الخَتميّة والولاية المُطلَقة، وهو أكرمُ البريّة، وأعظمُ الخَليقة، وخُلاصةُ الكَونِ، وجوهرةُ الوجودِ، وعُصارةُ دارِ التّحقُّق، واللَّبِنة الأخيرة، وصاحبُ البَرزخيّةِ الكُبرى والخلافةِ العظمى.
وأمّا حافِظُه وحارِسُه: فهو ذاتُ الحقِّ جلَّ جلالُه، كما قال في الآية الكريمة المباركة: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ الحجر:9.
وأمّا شارِحُه ومُبَيِّنُه: فالذَّوات المُطهَّرةُ المعصومون من رسولِ الله إلى حُجّةِ العصرِ عجّل الله فرجه، الّذين هم مفاتيحُ الوُجودِ، ومَخازِنُ الكبرياءِ، ومعادِنُ الحِكمةِ والوَحيِ، وأصولُ المعارفِ والعوارفِ، وأصحابُ مقامِ الجَمْعِ والتّفصيل.
وأمّا وقتُ الوَحي: فليلةُ القدرِ، أعظمُ اللّيالي، وخيرٌ من ألفِ شهرِ، وأَنْوَر الأزمنة، وهي في الحقيقة وقتُ وصولِ الوليِّ المُطلَق والرَّسول الخاتم صلّى الله عليه وآله.
وأمّا كيفيّة الوحيِ وإشراقاته: فهي خارجةٌ عن نطاقِ البيان في هذا المُختصر..

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد