قرآنيات

الإمام الخميني مُفسِّراً


قد يكون «الخميني المُفَسِّر للقرآن» من أبرز الأبعاد المخفيّة في شخصيّة الإمام الراحل السيِّد روح الله الموسوي الخميني قدّس سرّه، فقد حَجَبَتْها عن الأنظار الأبعادُ الجهاديّة في هذا العالِم الرَّباني العارِف، والقائد الثائِر، والأدوار التاريخيّة التي تَضَمَّنَتْها شخصيّة الإمام على صعيد إحياء الإسلام وقِيَمِه المحمَّديَّة الخالدة.
ولكن هل يُمكن إحياء الإسلام من دون القرآن؟! الإجابة واضحة، وعلى أساسها يتَّضِح أنَّ البُعد التفسيري للقرآن -ومن قناة الإمامة المعصومة، وهي الثّقل الثاني القَرين المُلازم للقرآن- هو البُعْد الأظهر في شخصيّة الإمام الخميني قدِّس سرّه باعتباره مُجَدِّد الإسلام في تاريخه الحديث.
هذا هو الإطار العامّ وهذه هي الملامح العامّة لِبُعد «المُفَسِّر للقرآن» في شخصيّة العارف الخميني، ولكن هل للإمام الراحل تُراث تفسيري ومنهج في تفسير القرآن؟! بالنسبة للشَّطر الأوّل من السؤال، من المعلوم أنَّه لم تُتح للإمام فرصة تصنيف تفسير كامل للقرآن الكريم، وينقل أحد تلامذته أنَّه رضوان الله عليه كان يَعتذر عن ذلك بأنَّ الأمر يحتاج إلى تَفرُّغٍ كامل، وهذا ما لم يسمح له به دوره التأريخي ومهمَّاته النهضويّة والإحيائيّة.
أمّا بالنسبة إلى لشَّطر الثاني من السؤال، فالإجابة عليه إيجابيّة بالكامل، فللإمام الراحل «متفرِّقات» تفسيريّة مُتناثرة في مُؤلَّفاته ورسائله ومحاضراته وخطاباته، بعضها تخصُّصيّة بالكامل، والبعض الآخر على نحو الاستشهاد. ومن مجموع هذه المتفرِّقات، يُمكن اكتشاف مَنهج مُتكامل في التَّفسير التزم به الإمام في تعامله مع القرآن الكريم، نشير هنا إلى أبرز خصائصه العامّة، وهي:
أوَّلاً: إدخاله عنصر الأدعية المرويَّة عن أهل بيت العصمة عليهم السلام في فهم المقاصد القرآنيّة إضافةً إلى الحديث، الأمر الذي يُعبِّر عن عُمْق فهمه لمقاصد هذه الأدعية.
ثانياً: استناده إلى عنصر التدبُّر والاستنطاق، لا التَّحميل في فَهْم القرآن، وفي ذلك استجابة عمليّة لنصوصه والنصوص الحديثيّة الداعِية إلى التدبُّر وإعمال العقل في فَهْم القرآن إضافة إلى الالتزام -والتدبُّر أيضاً- بتفسيرات الذي يُسِّرَ القرآنُ بلسانه، والمتعلِّمين من نَبْعِه الإلهي الصافي، وهذه الميزة تجعل المنهج الخميني في التفسير منهجاً إبداعيّاً مُستزيداً في استِنطاق القرآن، واكتشاف المزيد من حقائقه التي لا يَنزف بَحرُها.
ثالثاً: وكَثَمَرة للميزة الثانية، امتاز هذا المنهج بتجسيده العملي لمُقتَضيات تَعدُّد البطون القرآنيّة إضافةً إلى ظواهرها، وتتجلّى هذه الميزة بوضوح في تفسيره رحمة الله لآيات من سورة الحشر ضمن رسالة تربويّة لِنَجله السيِّد أحمد، حيث يَطرح لتفسيرها عدّة بطون تمتدّ طوليّاً -ولا تتقاطع- على مراتب.
رابعاً: تأكيده على الجانب الاحتمالي لآرائه التفسيريّة، وهذه الميزة لها أَثَر إيجابي في الإعانة على فَهم البُطون الأخرى للظواهر القرآنيّة، إذ أنَّ لِلجَزم في طَرْح تفسيرٍ ما آثاراً سلبيّة في تجميد الذهن عليه، وإغلاق أبواب التدبُّر، وَلَو لاشعوريّاً، كما أنَّ هذه الميزة تجعل لهذا المنهج تحقيقاً علميّاً بعيداً عن تحميل الآراء على المنطوق القرآني.
خامساً: ويمتاز المنهج التفسيري للإمام بطابع عرفاني واضح، لكنَّه لا يُغفِل آراء وأقوال غير العرفاء واستنطاقاتهم للآيات الكريمة، وهذا الأمر يجعل المنهج الخميني في التّفسير شموليّاً يستوعب الالتفاتات كافّة، وهذا الطابع العرفاني هو عَمَلي بالدرجة الأولى وليس علميّاً مَحْضاً، من هنا نلاحظ امتياز التفسير الخميني بأنّه تربوي، يهتمّ بالمطالب التربويّة المؤثِّرة على الجانب العلمي، وفي ذلك تجسيدٌ لِكَوْنه هدىً للعالمين.
ـــــــــــــ
مقدمة كتاب "تفسير آية البسملة، محاضرات معرفية"

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد