قرآنيات

معلومات الكاتب :

الاسم :
إيمان شمس الدين
عن الكاتب :
باحثة في الفكر الديني والسياسي وكاتبة في جريدة القبس الكويتية

شخصية المرأة بين التأسيس القرآني والواقع الإنساني (2)

1- المساواة في أصل الخلق

أقرّ الإسلام وحدة الجنس البشرى في الخلق وجعل المرأة والرجل من نفس واحدة، وخلق من النفس زوجًا، وهنا يعني الزوج ذكرًا وأنثى ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾[19].

ويقول سبحانه وتعالى: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا﴾[20].

 

2-المساواة في  التكاليف الشرعية

أقرّت الشريعة الإسلامية مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة، فيما لا يتعارض مع الطبيعة البشرية، ومنها المساواة في التكاليف الدينية: الصلاة، الصوم، الزكاة، الحج، الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾[21].

وتساوى الرجل والمرأة في الجزاء ثوابًا وعقابًا ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾[22].

 

3-  المساواة في  الثواب والعقاب

الرجل والمرأة سواء في الشريعة الإسلامية من حيث التكاليف الشرعية، والمسؤولية والثواب والعقاب وتقبل التوبة من كليهما. ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾[23].

﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ * الزَّانِي لَا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾[24].

 

4 – المساواة في الحق في الميراث

كانت المرأة  قبل الإسلام لا ترث هي ولا الصغير، حيث كان سائدًا في  العرف الجاهلي أنه لا يرث إلا من قاتل على ظهور الخيل، وطاعن بالرمح، وضارب بالسيف.

فنزل قوله تعالى ليقرر حق المرأة  في  الميراث ﴿لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا﴾[25].

 

5.المساواة في حق التعليم

جعل الإسلام طلب العلم فريضة على المسلم والمسلمة، يقول رسول الله (ص): "طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة".

وأهاب بالمسلمين رجالًا ونساءً أن يصلوا إلى أعلى المستويات العلمية ﴿وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾[26].

كما أوجب على أمهات المؤمنين أن يعلمن ذكورهن وإناثهن ﴿وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ﴾[27].

السيدة نفيسة كانت تعلّم الأئمة، فقد تتلمذ الإمام الشّافعي على يديها.

السيدة سكينة بنت الحسين (ع) كانت تـنـقد الشعر.

 

6- المساواة في حق العمل

مارست المرأة المسلمة كل ما كان معروفًا من أنشطة سياسية واجتماعية وعلمية، ومدنية واقتصادية ونضالية، بموجب الأحكام الشرعية الأصلية في الإسلام، والتي أقرّت بحق المرأة في التملك والتعاقد والتكسب والتصرف فيما تتطلبه إدارة شؤونها الخاصة.

ويقول سبحانه وتعالى: ﴿وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾[28]. فهنا الخطاب للإنسان الذي هو مفهوم كلي تقع مصاديقه على المرأة والرجل على حد سواء [29].

وقد نطرح السؤال التالي: كيف ساوى الإسلام بين المرأة والرجل في حق العمل، مع أن هناك وظائف يقوم بها الرجل ولا تقوم بها المرأة والعكس صحيح؟

إن اختلاف التوزيع الوظيفي لا يعود إلى اختلاف إنسانية كل منهما عن الآخر، أو إلى نقص موجود في أحدهما دون الآخر، بل إن العدالة تقتضي أن توزع الوظائف وفق الإمكانات والقدرات التي يمتلكها كل على حدة، ومن الجور بمكان أن تناط بالمرأة أعمال لا تتناسب وطبيعة تركيبتها البيولوجية والنفسية، وهذا لا يعني أن الشريعة شخصت نوعية الوظائف، بل الإسلام أوكل الأمر لأجل الخبرة والاحتصال في كل زمن، شريطة أن يكون التشخيص قائمًا عل دراسات معمقة بالدليل والبرهان في كل زمن، لأن القابليات تتغير والقدرات تتطور والأفهام والإدراكات مع الزمن ووفق التجربة لا تبقى على حالها، بل تختلف قدرات الإنسان رجلًا وإمراة من دولة إلى دولة، بل داخل الدولة ذاتها بين القرية والمدينة. وعدم تشخيص الوظائف على أسس سليمة ووفق دراسات معمقة في كل دولة على حدة وفي كل زمن ومصر، سيؤثر على الإنتاجية العامة وعلى الإبداع الفكري والعملي، فهل نستطيع مثلًا أن تحمل نملة فيلًا؟ فتركيب النملة البيولوجي لا يسمح لها بالقيام بهذا العمل الشاق، والسبب ليس لعدم فاعلية الفاعل وإنما لعدم قابلية القابل.

تقول الشهيدة آمنة الصدر من نفس المصدر السابق: "يقوم تقسيم الوظائف في كل مجتمع ومحيط على أساس تقبل الأشخاص لتلك الوظائف، وإمكانياتهم للقيام بها على أحسن وجه. وتقسيم العمل هو ضرورة من ضرورات المجتمع في جميع النواحي والمجالات. ويؤدي إلى سهولة القيام به مهما كان صعبًا، إضافة إلى أنه يسرع الإنتاج مهما كان بطيئًا، ويساعد تقسيم العمل والوظائف المتخصصة في كل قسم منه على النبوغ في ذلك القسم والتعمق فيه، خلافًا لما لو اختلف توزيع العمل وتعاقبت الأعمال المختلفة على العامل، فإنه سوف يخسر مرونته وعبقريته التي قد يحرزها في عمل واحد. فإن لكل شخص من الأشخاص استعداده الخاص وطبيعته الخاصة به وتكوينه الفطري والنفسي، فنحن لا ينبغي لنا مثلًا أن نجعل من فنان مهندسًا ولا من مهندس فنانًا، فإن لكل منهما هوايته واستعداده الخاص".

فتقسيم الوظائف والعمل بين الرجل والمرأة لم يأت على أساس تسخير أحدهما للآخر، وإنما على أساس توزيع وتقسيم الوظائف لتتكامل الأدوار، وبالتالي يتكامل المجتمع كما أراد الله تعالى.

وفي كتاب دور المرأة في بناء المجتمع جاء: "من القضايا العلمية المسلّم بها لدى علماء النفس والطب أنّ لكل من الرّجل والمرأة تكوينه العضويّ، وأنّه من الطبيعي أن تختلف تبعًا لذلك الوظيفة الاجتماعية للمرأة عن وظيفة الرّجل؛ لذا فإنّ استقامة الحياة الاجتماعية تحتاج إلى أن يحافظ كل من الرّجل والمرأة على انتمائه الجنسي، فتحافظ المرأة على أنوثتها، ويحافظ الرّجل على رجولته، وتشير الدراسات العلمية إلى أنّ الهرمونات التي تفرزها الغدد الصمّـاء تساهم في تكوين الفروق النفسية والسلوكية بين الرّجل والمرأة كما يساهم الجهاز العصبي.

ولقد وضّح القرآن الحكيم الفارق التكويني بين الجنسين الذي تبنى عليه الفوارق الوظيفية كما بيّن المشتركات التكوينية بين الجنسين أيضًا.

قال تعالى: ﴿وَلاَ تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً﴾[30].

وأكّدت السنّة المطهّرة أنّ مظاهر التكامل في شخصيّة كل من الرّجل والمرأة، ترتبط بتركّز الخصائص النوعية لدى كل منهما ومحافظته عليها واعتزازه بها؛ لذلك نهت السنّة عن أن يتشبّه أفراد الجنس الأنثوي بالرِّجال، كما نهت الرّجل عن ذلك.

وتفيد الدراسات النفسية والتجارب التي أجريت على بعض حالات الانحراف النفسي عند الجنسين، أنّ ميل بعض الذّكور إلى التشبّه بالإناث، وميل بعض الإناث إلى التشبّه بالذّكور، هو حالة انحرافيّة، وأنّ هذه الحالة يمكن السيطرة عليها، ومعالجتها بالتربية والإجراءات الاجتماعيّة، وإعادة تنظيم الشخصيّة.

وقد جاء في الحديث الشريف النهي والزّجر العنيف واللّعن لهذا الصنف من الناس.

أورد المحدِّث والفقيه الكبير الحرّ العامليّ (رحمه الله) عدّة أحاديث تحت عنوان: "عدم جواز تشبّه النساء بالرِّجال والرِّجال بالنِّساء". فقد روي عن الإمام الصادق (ع) وأبي الحسن الرضا (ع): "إنِّي لأكره أن يتشبّه الرِّجال بالنِّساء"[31]. ومعنى الكراهة هنا هو الحرمة وعدم الجواز، كما جاء في عنوان الموضوع أعلاه.

وروي عن  الإمام الصادق (ع) قوله: "كان رسول الله يزجر الرّجل أن يتشبّه بالنِّسـاء، وينهى المرأة أن تتشبّه بالرِّجال في لباسها"[32].

وعن ابن عبّاس قال: "لعن رسول الله (ص) المتشبِّهين من الرِّجال بالنِّساء، والمتشبِّهات من النِّساء بالرِّجال"[33].

وإنّ تشخيص تلك الفوارق يترتّب عليه التسليم العلمي بالفارق الوظيفي في بعض المجالات والتكاليف الحيوية التي كلّف بها كل من الرّجل والمرأة. وتأسيسًا على ذلك تتحدّد الفوارق والمشتركات في الوظيفة الاجتماعية"[34].

فالأصل في العمل وتوزيع الأدوار هو القابلية والكفاءة، ويتم ذلك على أساس مبدأ العدالة وليس المساواة المطلقة.

ـــــــــــــــــــــــــــ

[19] سورة النساء، الآية1.

[20] سورة الأعراف، الآية 189.

[21] سورة التوبة، الآية 71.

[22] سورة النحل، الآية 97.

[23] سورة المائدة، الآيتان 38و 39.

[24] سورة النور، الآيتان 2و 3.

[25] سورة النساء، الآية 7.

[26] سورة طه، الآية 114.

[27] سورة الأحزاب، الآية 4.

[28] سورة العصر، الآيات 1-3.

[29] صبحي الصالح، نهج البلاغة، 57، الخطبة 15.

[30] سورة النساء، الآية 32.

[31] الحرّ العاملي، وسائل الشيعة، كتاب الصّلاة، أبواب أحكام اللّباس، الباب 13.

[32] المصدر نفسه، الباب 13

[33] البخاري، صحيح البخاري، الجزء 7، الصفحة 55.

[34]محمد مطر سالم الكعبي، دور المرأة في بناء المجتمع، (دمشق، دار القلم للنشر والتوزيع).

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد