من التاريخ

تاريخ الكعبة


الشيخ محمد جواد مغنية ..
اختلف المفسرون والمؤرخون في تاريخ الكعبة: هل كانت قبل إبراهيم عليه السلام ثم عرض لها الخراب، فجددها هو وولده إسماعيل بأمر اللَّه تعالى، أو أن تاريخ بنائها وإنشائها يبتدئ بإبراهيم؟.
ذهب أكثر أهل التفسير والتاريخ من المسلمين إلى أنها أسبق بكثير من إبراهيم، وقال البعض: بل ولدت الكعبة على يد إبراهيم عليه السلام، وتوقف آخرون، ولم يحكموا بشيء، وقالوا: اللَّه أعلم. ونحن مع هؤلاء.. ذلك أن العقل لا مجال له في هذا الباب سلبًا ولا إيجابًا، والطريق إلى معرفته ينحصر بالآثار والحفريات، أو بآية قرآنية، أو سنة قطعية.
ولم أطلع على أقوال الباحثين في الآثار والحفريات، والقرآن لم يحدد صراحة تاريخ البناء، وكل ما جاء فيه أن إبراهيم وولده إسماعيل قد باشرا بناء البيت، وتعاونا معًا على إقامته، وهذا أعم من عدم وجوده إطلاقًا من قبل، أو كان موجودًا، ولكن عرض له الخراب والدمار، ثم جدده إبراهيم وولده إسماعيل.
والسنة القطعية منتفية، والأخبار الواردة في هذا الباب كلها آحاد، والخبر الواحد حجة في الأحكام الشرعية فقط، أو فيها وفي موضوعاتها على قول، أما في العقائد، والمسائل التاريخية، والموضوعات الخارجية البحتة فليس بحجة إلا مع قرينة توجب ركون النفس واطمئنانها، وعندها يكون الخبر بحكم السنة القطعية.
ومهما يكن، فنحن غير مسؤولين أمام اللَّه سبحانه، ولا مكلفين بمعرفة تاريخ بناء الكعبة، وزمن إنشائها وولادتها، وأنها: هل هي جزء من الجنة، أو قطعة من الأرض؟. وأن آدم والأنبياء من بعده قد حجوا إليها، أو لا؟.
وأنها عند الطوفان: هل ارتفعت إلى السماء، ثم نزلت بعده إلى الأرض؟.
وأن الحجر الأسود: هل جاء به جبريل من السماء، أو صحبه آدم معه من الجنة، أو تمخض عنه جبل أبي قبيس؟. وأنه: هل اسودّ من ملامسة المذنبين؟.
إلى غير ذلك مما لا سند له إلا خبر واحد، أو قصّاص مخرف.
نحن غير مسؤولين عن شيء من هذه الأشياء، ولا مكلفين بمعرفتها وجوبًا ولا استحبابًا، ولا عقلًا ولا شرعًا.. ولا فائدة في بحثها دينية ولا دنيوية، وقد عاشت هذه الأبحاث وما إليها حينًا من الدهر، ثم ذهبت مع الريح.. ومن أراد إحياءها فإنه تمامًا كمن يحاول إرجاع عقارب الساعة إلى الوراء.
إن الشيء الذي نسأل عنه، ونطالب به - فيما يعود إلى الكعبة - هو قصدها للحج والعمرة من استطاع إلى ذلك سبيلًا، واحترامها وتقديسها، والمحافظة عليها، والذب عنها بالنفس والنفيس اقتداء بالرسول الأعظم وأهل بيته صلى آله عليه و اله، وأصحابه والتابعين والعلماء وجميع المسلمين.. فإنهم يؤمنون إيمانًا لا تشوبه شائبة بأن تعظيم بيت اللَّه تعظيم للَّه، والحرص عليه حرص على حرمات اللَّه، والذب عنه ذب عن دين اللَّه.. قال أمير المؤمنين عليه السلام:
"فرض اللَّه عليكم حج بيته الحرام الذي جعله قبلة للأنام يردونه ورود الأنعام، ويألهون - أي يفزعون - إليه ولوه الحمام، جعله سبحانه علامة لتواضعهم لعظمته، وإذعانهم لعزته.. جعله سبحانه للإسلام علمَا، وللعائذين حرمَا".
﴿رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا﴾. هذا دعاء من إبراهيم وإسماعيل أن يثيبهما اللَّه على هذا العمل، لأن معنى القبول عند اللَّه هو الثواب على العمل الذي يقبله، كما أن عدم الثواب على العمل معناه رده ورفضه، ولا تفكيك بموجب كرم اللَّه وجوده، وليس من شك أن اللَّه قد قبل دعاءهما، وأجزل لهما الثواب على هذه الطاعة، لأنه هو الذي فتح باب الدعاء، وما كان ليفتح على عبد باب الدعاء، بخاصة المتقي، ويغلق عنه باب الإجابة، كما قال أمير المؤمنين عليه السلام.
﴿رَبَّنا واجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَك﴾. المسلم، والمسلَّم، والمستسلم بمعنى واحد، وهو الذي يذعن وينقاد، والمراد به هنا من أخلص للَّه في عقيدته وأعماله، وليس من شك أن السعيد الحميد هو الذي يسلم للَّه جل وعز جميع أموره وشؤونه.
﴿ومِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَك﴾ وقد استجاب اللَّه دعاءهما، وجعل في ذريتهما ملايين الملايين من المسلمين.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد