مقالات

أبناؤنا بين الإبداع وأزمة الأفكار

 

الشيخ حسين المصطفى .. 

المتأمل في مجتمعاتنا يجد أنها نعيش تكلساً على مستوى التوزيع والإنتاج، وكأننا نعيش على هامش حضارة اليوم، مع وفرة العقول على مستوى الأفراد، وإن غابت على مستوى القرارات، وكأنَّ الحافز والطموح والفكر قد غاب واضمحل!!
فلماذا لا توجد أفكار عندنا؟
وما هو السبب في وصولنا إلى ما نحن عليه؟
قد أجمل الأسباب في أربعة أمور:


الأول: (التعليم):
مناهج التعليم في بلادنا غير قائمة على الإبداع والتفكير، بل قائمة على التبعية والتلقين فقط، بحيث يتحول العقل معه إلى مخزن لا مكان فيه لإبداع، على عكس ما هو موجود في الغرب فإنهم لا يتعلمون بهذه الطريقة، بل قد يطرحون موضوعاً للمناقشة ومعه عدة أماكن للبحث عنه، وبناء على ما تجده يعرفون رأيك، فيكون هناك أكثر من ثلاثة أو أربعة أراء لنفس الموضوع، فيعتاد العقل أنَّ هناك بدائل لكل موضوع.
ونتيجة لطريقة التعليم عندنا، فإنَّ الطفل يتعلم المعلومة بشكل واحد فقط، ولو لم يجدها تكون النتيجة أنَّ العقل يقف ولا يجد البديل. كما أنَّ الطفل في مدارسنا يذاكر أضعاف الطفل في الغرب لكن الناتج أقل بكثير.
لقد بات من الضروري إدخال التغيرات المطلوبة على العملية التعليمية بما يتناسب مع طبيعة العصر، وأصبح من الضروري أن يتحول التعليم من مجرد حفظ وتلقين وتلقي سلبي إلى نوع مغاير تماماً، ألا وهو التعليم الإيجابي حيث المشاركة الفعالة من جانب المتعلم من أجل تكامل العملية التعليمية من خلال أساليب تكنولوجيا التعليم السائدة التي تنقل التعلم من بيئة التعليم والتعلم التقليدية إلى بيئات أخرى أكثر فاعلية، والتي بات استخدامها متطلباً رئيساً من متطلبات الحياة العصرية، خاصة تطبيقاتها في مجال التعليم، للوصول إلى تعلم المعارف والمهارات بطريقة أكثر فاعلية.
والملفت أنَّ رسول الله يقول: "إنما العلم بالتعلم".. ولفظ التعلم أشمل من لفظ التعليم، فعملية التعلم عبارة عن مستويين تنظيري وتطبيقي، بينما عملية التعليم مقصورة على المستوى التنظيري فقط.
ومن ذلك يتضح لنا أن صناعة جيل المستقبل لا يمكن أن تقتصر على عملية المعرفة فقط، بل لا بدَّ من الاهتمام بعملية التدريب وإعطاء هذه العملية مساحة أكبر في الوقت والجهد، حتى يمكن تنشئة الجيل القادم تنشئة تتمتع بالرصانة والقوة مما يعمل على اكتسابه الثقة بنفسه واسترداد الروح المعنوية الإيجابية للأمة من جديد.
وكلنا يعلم أنه في ذلك الغار النبوي نزل الوحي مبتدئاً بـ{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} لتكون بداية الحل لكل العصور.
فـ{اقْرَأْ}... هو الغرض الأول.. أساس الإسلام وقاعدة في القرآن ليصبح شعار حضارة الإسلام... لقد كان هذا الغرض قبل تشريع الصلاة والصوم والحج؛ لأنه من دون أن يعرف الإنسان كيف يقرأ تفقد كل العبارات روحها، وتفقد الشريعة أثرها وتأثيرها..
إنَّ {اقْرَأْ} هي المفردة الأولى نحو صياغة جديدة للعلاقات الإنسانية بعضها مع بعض، ومع الله.
إنها دعوة لقراءة كتاب الكون المفتوح المتصل بالله في كل ذرة من ذرات الخليقة، وفي كل حبة رمل، ونسمة هواء، وثمرة شجر.. إنها دعوة للقراءة في كتاب النفس الإنسانية؛ عبر تاريخه الطويل، في كل نزعة خير، ونزوة شر، وعاطفة يسمو بها نحو الجمال والجلال أو تهوي به نحو الضياع والشقاء.
عندما نزلت {اقْرَأْ} -بعد صمت طويل- لم تنطفئ الشمس أو يخسف القمر أو تسقط الشهب أو يتصدع إيوان كسرى ولا عرش قيصر، وماذا سيفيد لو انشق القمر أو تصدع إيوان كسرى أو انطفأت الشمس؟! لأنّ المهم أن ينشأ وعي جديد بمفاهيم جديدة لتكوين مجتمع وحضارة قادرة على أن تهدم إيوان كسرى، وتصعد إلى القمر، لذا كانت اقرأ هي الأهم للإنسانية..
بل عبر {اقْرَأْ} كانت الولادة الجديدة للوعي الإنساني، وللعقل الإنساني تلك التي حدثت في غار حراء.. أما المخاض، مخاض الوعي فيستمر إلى 23 عاماً، وعبر القرون سيعاني المخاض كثيرون أولئك الذين يجدون الوعي المسلم والفكر المسلم، ويبعثون للأمة دينها، وما زلنا إلى اليوم بحاجة ماسة إلى {اقْرَأْ}.


الثاني: (البيت):
وتتمحور حول ما يسمى بالقرارات غير المبررة، فيسمع الطفل الكلام من دون فهم للسبب، ويرى أنَّ كلاً من الأب والأم يأخذان قرارات صمَّاء.
وهنا، تبدأ قدرات الطفل العقلية في التحجيم.. فيجب أن تكون قراراتنا مبررة، ونفتح مجالاً لمناقشة الطفل، ونعتبره كبيراً، ونأخذ رأيه في بعض القرارات.
إنَّ كل بيت من بيوتنا يخاف على أبنائه من ثلاثي متطرف:
(الدين السياسي - المخدرات - والتكنولوجيا).. فلا بدَّ من مواجهة هذه الثلاثة بإجراءات تربوية مهمة لنحمي أبنائنا من الانحراف والتطرف.. بأن نكون ملازمين لهم ومتابعين لسلوكهم وأفكارهم، وهذا يتطلب منا أن نفرِّغ الكثير من وقتنا من أجلهم، ونكثر من الحوار معهم، وأن نبني العلاقة معهم على أساس الصداقة لا العداوة فيحبوننا، وإذا أحبونا فتحوا لنا قلوبهم، واستطعنا أن نفهم ونعرف ما يدور في نفوسهم.


الثالث: (وسائل الإعلام):

وهي التي نطلق عليها "مشاهدة غير منتقاة"، ففيها الجيد والرديء، ولكننا للأسف لا ننتقي، ونأخذ السيء ونشاهده رغم أنَّ هناك برامج تبني العقل ولا يقبل عليها إلا القليل!!
هل نريد لأبنائنا أن يكونوا صغار الجسد ويفكرون كالكبار؟!.
هذه إشكالية كبيرة يتعرض لها الأبناء، فنجد الأطفال يتحدثون بلسان الكبار وطموحاتهم، بينما هم في مرحلة عمرية مبكرة لماذا؟
بكل بساطة لأنهم يتعرضون لمشاهدة برامج الكبار وأفكارهم، فلا يحصل هناك ضبط.. والضبط لا يعني فقط أن أراقب المسلسلات التي تعرض قضايا معينة، بل هناك قضايا كثيرة يتم إدخالها ضمن الدراما لا نراقبها أو لا ننتبه بشكل دقيق إلى سلبياتها..
وهل عقلية الإعلام الحالية تصلح لتكون شريكاً للأسرة؟
إنَّ ثقافة الصورة وتأثيراتها دخلت كلَّ مجالات الحياة البشرية، فقد كسرت الصورة حاجز التلقي لدى الأميين وأصبح بإمكانهم مشاهدة ومتابعة ما تعرضه الفضائيات، ولم يعد ذلك حكراً على الأغنياء، بل تتوفر اليوم أجهزة الاستلام وبأسعار زهيدة.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد