فجر الجمعة

نداء الجمعة | قسوة القلوب 2

 

سماحة الشيخ عبد الكريم الحبيل

 

تحدثنا في الجمعة الماضية عن قسوة القلوب، الأسباب والعلاج، وافتتحنا بداية قوله تعالى "أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ ۖ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ" 16 - الحديد، ثم ذكرنا آيات أخرى تلونا عليكم آيات أخرى واستشهدنا بأحاديث كذلك مروية عن رسول الله (ص) والأئمة الأطهار من أهل بيته (ع) وتحدثنا عن السبب الأول من أسباب قسوة القلوب، وذكرنا أن السبب الأول هو البعد عن الله سبحانه وتعالى وضعف اليقين وعصيان الله وعصيان أولياءه وحججه الذين أمر الله سبحانه وتعالى بطاعتهم، وذكرنا على ذلك واستشهدنا على ذلك بالآيات الكريمة من سورة البقرة من قصة بقرة بني إسرائيل، السبب الثاني من أسباب قسوة القلوب نقض العهود والمواثيق، نقض العهود يؤدي إلى سبب قسوة القلب، يؤدي إلى قسوة القلب، قال تعالى "فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً" 13 – المائدة، فنقض العهد والميثاق يستوجب لعنة الله، وينتهي بالإنسان إلى قسوة قلبه، من لعنه الله لا شك أن قلبه سوف يقسو "وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً" هذا الجعل في قوله تعالى "وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً" هو نتيجة طبيعية لنقض العهد، يعني النتيجة الطبيعية لنقض العهد يستوجب الإنسان لعنة الله وينتهي به إلى قسوة القلب، ونقض العهد، العهد قد يكون العهد مع الله سبحانه وتعالى، ومع أولياءه وحججه وقد يكون العهد مع الناس، وأيا كان العهد، نقضه من كبائر الذنوب، وقد عدّ الفقهاء (رض) نقض العهد من الكبائر، وقد ذكر المرجع الديني المرحوم السيد الخوئي (رح) في عدالة المرجع في بحث عدالة المرجع وعدالة المفتي، كبائر الذنوب يعد منها نقض العهد، وكذلك الإمام الراحل (قده) في تحرير الوسيلة في عدالة إمام الجماعة استطرد في ذكر كبائر الذنوب التي تسقط عدالة الإمام، وذكر منها نقض العهد، ومنها نقض العهد، فنقض العهود من الكبائر إذا كان بينك وبين أحدا عهدا سواء كان ذلك العهد بين دولة ودولة، بين جماعة وجماعة، بين مؤمن ومؤمن آخر يحرم نقض ذلك العهد، وهو من صفات المنافقين، وقد جاء في الرواية عن رسول الله (ص) أن المنافق إذا وعد أخلف، والله سبحانه وتعالى قد أخذ علينا العهد والميثاق، عندما نقول نقض العهد مع الله، الله سبحانه وتعالى قد أخذ علينا العهد والميثاق بطاعته قال تعالى "أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ ۖ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ" 60 - يس، فهناك عهد إلهي رباني على البشرية جمعاء حينما أخذ الله "مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ۖ قَالُوا بَلَىٰ" 172 - الأعراف، هناك عهد هناك ميثاق الله سبحانه وتعالى أخذه على البشرية جمعاء، ذلك العهد ألا يعبد الإنسان الشيطان فمتى خالف الإنسان ذلك العهد الإلهي الرباني فقد نقض عهده مع الله سبحانه وتعالى، والله قد أمرنا بالوفاء بالعهود فقال تعالى في سورة الإسراء "وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ ۖ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا" 34 - الإسراء، وامتدح عباده المؤمنين الذين قلوبهم وجلة بذكر الله وخاشعة من ذكر الله والذين إذا ذكروا تذكروا وإذا وعظوا اتعظوا قال تعالى عنهم في محكم كتابه الكريم "إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنقُضُونَ الْمِيثَاقَ" 19، 20 - الرعد، وامتدح عباده المؤمنين الذين قال عنهم "مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ" 23 - الأحزاب، بايعوا الله وأدوا عهدا عظيما بينهم وبين الله، وأوفوا بذلك العهد فالله سبحانه وتعالى امتدحهم بوفاء عهدهم ذاك، وقال تعالى عن الذين ينكثون العهد "فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَىٰ نَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا" 10 - الفتح، إذا نحن نعاهد الله على طاعته نعاهد الله سبحانه وتعالى على أداء ما أمر به من واجبات والإنتهاء عما نهانا عنه من محرمات وذلك عهد بيننا وبين الله سبحانه وتعالى، فحري بنا أن نؤدي ذلك العهد الإلهي الرباني، ونستمر على طاعة الله ونستقيم في طريق طاعته "إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا" 30 - فصلت، أنت عندما قلت ربي الله وآمنت بالله وآمنت برسول الله واتبعت الرسول عليك عندئذ أن تستقيم في طريق الهدى، فذاك هو عهد الله سبحانه وتعالى، ذلك هو الوفاء بعهد الله سبحانه وتعالى.

 

 

نحن نكثر نقض العهود بيننا وبين الله نحن كل يوم عدة مرات نقول أستغفر الله وأتوب إليه، كلمة أتوب إليه نكررها كثيرا، أتوب إلى الله، أتوب إلى الله ثم بعد ذلك نرجع إلى المعصية وهكذا، الإنسان المؤمن الوفي بعهد الله إذا قال أتوب إلى الله لابد أن تكون تلك التوبة توبة نصوحة وصادقة وبوعد صادق بينه وبين الله سبحانه وتعالى.

هناك من عاهد الله سبحانه وتعالى وعاهد رسوله لئن أغناه الله سبحانه ليتصدق ويعطي ويهب الفقراء والمساكين، فلما أغناهم الله سبحانه وتعالى نقضوا العهد، الآن كثير ربما واحد منا يقعد وهو جالس في أحلام اليقظة يقول لو أنا الله يعطيني كذا كان أبني كذا مسجد وأسوي كذا حسينية وما شابه ذلك وأعطي الفقراء، ويقعد يتصور لمبلغ معين مئة مليون أو مليار من الأموال ويقعد يوزع فيها ويعطي وكذا، ولكن الكلام مو في عالم التصور والأحلام، إنما الكلام في عالم الواقع، قارون لما آتاه الله ما آتاه من الثروة الطائلة والله سبحانه وتعالى أمره على لسان نبيه موسى وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ۖ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ۖ وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ۖ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ" 77 - القصص، أربع نصائح قدمها إليه وهي تقريبا يعني برنامج للأغنياء ماذا يفعلون في تلك الأموال، ماذا رد قارون؟ "قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِي " 78 - القصص، هذا من شطارتي وقدراتي أنا عندي قدرات وأنا شاطر وأمتلك خبرة وأنا عندي شهادة جامعية كبيرة، أعرف كيف أحصل الأموال ومثلا أعقد صفقات رابحة وما إلى ذلك هذه من شطارتي وهذا الكلام مو بس قارون يقوله في ناس كثير في هذا الزمان يقولون "إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِي" تقول له مثلا تصدق تبرع أدي حق الله قال هذه مال تعبي مال نشاطي ومال كذا وقدراتي وإلى آخره، ثعلبة جاء إلى رسول الله (ص) كان فقير فطلب من رسول الله أن يدعو له بالغناء فرسول الله نصحه ووعظه بأن قليل من المال يسير خير لك من الكثير، فأصر وأصر ثم ذهب إلى أمه وقال لها قولي لرسول الله يدعو لي بالغناء والثروة، كان رسول الله يعرض عنه ذيك الأم بقلبها الرؤوف الحنون كلمت رسول الله أن يدعو له فدعا له رسول الله وهذا عاهد الله ورسوله بأن إذا يستغني بيتصدق وبيعطي وإلى آخره "وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُم مِّن فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوا وَّهُم مُّعْرِضُونَ" 75، 76 - التوبة، ماذا كانت النتيجة؟! النتيجة النفاق في القلوب والمعاذ بالله "فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ" 77 - التوبة، إذا النتيجة خلف الوعد خلف الميثاق خلاف العهد والميثاق مع الله يؤدي إلى النفاق في القلوب وينتهي بقسوة القلب والبعد عن الله سبحانه وتعالى هذا السبب الثاني.

السبب الثالث، ترك الإنفاق في سبيل الله، والغلظة على الفقراء والمساكين، كما أن رحمة الفقراء والمساكين ترقق القلوب وتلينها لذكر الله وتجعلها قلوبا خاشعة، كذلك أيضا ترك الإنفاق في سبيل الله وحب المال وزينة الحياة الدنيا يقسي القلب وعدم الرحمة بالفقراء والمساكين يقسي القلوب والمعاذ بالله ويؤدي إلى عذاب الله، وأقرأ عليكم هذه القصة القرآنية الجميلة، وكل قصص الله في كتابه الكريم للعبرة والعظة وبها أختم.

 

قال تعالى في سورة نون سورة القلم "إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ" 17، أناس عندهم جنة قيل أنهم أخوة وعندهم جنة، الجنة يبدو فيها صرام، يا تكون جنة نخيل أو جنة عنب أو جنة مشمش، أيضا المشمش يصرموه كذلك يصير يصرم، يبدو أن عموما هي جنة، الله سبحانه وتعالى لم يذكر لنا طبيعة تلك الجنة، وإن كان بعض المفسرين الذين يحبون أن يتهافتون على القصص من هنا وهناك ينسجوا قصص كثيرة حول طبيعة تلك الجنة وين كانت تلك الجنة هذا لا يهم، القصة سيقت للعبرة، قصة سيقت للعبرة، أن أناس كانوا أصحاب جنة، وأقسموا أنهم حددوا يوم من الأيام بأنهم سيصرمون جنتهم صباحا مبكرين من الصباح، وأخذوا على ذلك موعدا قاطعا "وَلَا يَسْتَثْنُونَ * فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ" 18، 19 - القلم، في الليل في النوم، طاف عليها طائف من الله، أن الله على كل شيء قدير، ذاك قارون خسف الله به وبداره الأرض، الأرض ابتلعته، هؤلاء طاف عليهم طائف من ربك وهم نائمون "فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ" 20 – القلم، كأنها مصرومة ما فيها شي بتاتا، إحترق كل ثمرها، جلسوا من الصباح مبكر "فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ" 21 – القلم، يلا قوموا يلا بسرعة تجاهزوا للذهاب إلى البستان للصرام، "فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ * أَنِ اغْدُوا عَلَىٰ حَرْثِكُمْ إِن كُنتُمْ صَارِمِينَ" 21، 22 - القلم، يلا نذهب إلى حرثنا إلى المزرعة "فَانطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ" 23 - القلم، سر من الفجر لا احد يشوفكم ممن؟ من الفقراء والمساكين، "فَانطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ * أَن لَّا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُم مِّسْكِينٌ" 23، 24 - القلم، انظروا إلى اللؤم والدناءة!، لا يجي أحد عليكم مسكين تعطوه كيلو رطابة وكيلو تمر أو، حينما يقسو القلب على الفقراء والمساكين، وَغَدَوْا عَلَىٰ حَرْدٍ قَادِرِينَ * فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ" 25، 26 - القلم، قالوا ويش مضيعين الطريق، مو هذه جنتنا احنا جنتنا مي مصرومة وهذه مصرومة! ما فيها شي بالمرة ذي مو جنتنا يا جماعة احنا مضيعين الطريق!، فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ، اتأكدوا مو ضالين الطريق هي هي جنتهم، ماذا قالوا؟ قالوا "بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ" 27 – القلم، وين ما نحطها عمياء، يعني كذا هالتعب وو، وما بذلناه في البستان تالي يصبح كذي يحترق كله ما في شي! ويش هالحرمان ويش هالحظ التعيس! ويش ويش، ويش كذا!! عادة الإنسان يلوم نفسه بهالكيفية، الظاهر يبدو أن فيهم واحد شوي في قلبه نداوة من إيمان ومن رحمة "قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ" 28 – القلم، لماذا لم تكونوا من ذاكرين الله من المصلين من المتعظين، "قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ" 29 – القلم، الحين انتبهوا، زين الإنسان أحيانا يجيه سطار في الدنيا ينبهه، أحيانا الله سبحانه وتعالى يعطيك عظة في الدنيا، أو واحد مثلا يصيبه حادث أو يصيبه نوع من المصيبة يؤدب بالعقوبة، "إِلهي لا تُؤَدِّبْني بِعُقُوبَتِكَ، وَلا تَمْكُرْ بي في حيلَتِكَ" - دعاء أبي حمزة الثمالي، هذول بأيش أدبهم الله؟ بالعقوبة، عاقبهم في الدنيا، الظاهر انهم تأدبوا فينبغي بنا أن لا نكون بتلك الكيفية، الله يأدبنا بالعقوبات والمصائب، تصيبه مصيبة ويتأدب، "فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ" 30 - القلم، كل واحد يلوم الآخر، " قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ" 31 - القلم، الظاهر أنهم رجعوا إلى أنفسهم، عَسَىٰ رَبُّنَا أَن يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِّنْهَا إِنَّا إِلَىٰ رَبِّنَا رَاغِبُونَ" 32 - القلم، كذلك العذاب، هذا عذاب من عذاب الدنيا، ولعله نبههم ووعظهم وأرشدهم إلى الحق والطريق الصواب، ولكن والمعاذ بالله لو ماتوا على تلك الحالة ما سوف يكون مصيرهم؟ مصيرهم عذاب الآخرة، كذلك العذاب، هذا نوع من عذاب الدنيا، عقاب أدبوا به في الدنيا "وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ ۚ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ" 33 – القلم.