علمٌ وفكر

الحرب النفسية للصناعة التقنية على الأطفال (2)


المترجم : أبو طه / عدنان أحمد الحاجي ..

نظرة خاطفة من وراء الستار
في الوقت الذي حققت فيه شركات التواصل  الاجتماعي وشركات ألعاب الفيديو نجاحًا مدهشًا في إخفاء استخدام التصميم الاستدراجي عن الجمهور، حدث اختراق واحد في عام ٢٠١٧ عندما تم تسريب مستندات الفيس بوك Facebook  إلى صحيفة ذا استراليان The Australian. أظهر التقرير الداخلي الذي أعده المسؤولون التنفيذيون في الفيسبوك أن الشبكة الاجتماعية التي تتباهى للمعلنين أنه من خلال مراقبة المشاركات والتفاعلات والصور في الوقت الحقيقي، تستطيع الشبكة من تتبع متى يشعر المراهقون "بعدم الأمان"،  و"لا قيمة لهم" ، و"متوترين" و، "عديمي الفائدة "و بالفشل". لماذا الشبكة الاجتماعية تفعل هذا؟ كما تفاخر التقرير بقدرة Facebook على استهداف الإعلانات الصغيرة إلى "لحظات يحتاج فيها الشباب إلى رفع الثقة".


مروجون رقميون
يتمثل خط صناعة التكنولوجيا الرسمي  في استخدام تقنيات الاستدراج  لجعل المنتجات أكثر جاذبية وممتعة. لكن كشف  المطلعين على الصناعة يمكن أن يكشف عن دوافع أكثر قتامة. مطور ألعاب الفيديو جون هوبسون، حاصل على درجة الدكتوراه في مجال العلوم السلوكية والدماغية، كتب ورقة بعنوان "تصميم لعبة سلوكية Behavioral Game Design.” .  يصف فيها استخدام ميزات التصميم لتغيير سلوك لاعب ألعاب الفيديو، يجعله يبدو وكأنه مجرّد مجرب يدير مختبر حيوانات ليعرف مدى قوتها، حيث يجيب على أسئلة مثل: "كيف يمكننا جعل اللاعبين يحافظون على نسبة عالية ومتسقة من النشاط؟ "و" كيف نجعل اللاعبين يلعبون للأبد. "
كاشفاً عن العلوم الطبيعية الذي وراءه، يقول هوبسون: "إن هذا لا يعني القول بأن اللاعبين هم نفس الفئران، ولكن هناك قواعد عامة للتعلم تنطبق عليهما بالتساوي". بعد أن كتب الورقة، تم توظيف هوبسون من قبل مايكروسوفت. حيث ساعد في قيادة تطوير نظام اكس بوكس لايڤ  Xbox Live ، وهو نظام ألعاب مايكروسوفت  Microsoft  عبر الإنترنت. كما ساعد في تطوير ألعاب إكس بوكس الرائجة عند الأطفال، بما في ذلك تلك الموجودة في مسلسل هالو Halo. أولياء الأمور الذين أعمل معهم ليس لديهم أدنى فكرة عن المقدار الهائل عن القوة النارية  المالية والنفسية التي تستهدف أطفالهم لاستبقائهم يلعبون ألعاب الفيديو "إلى الأبد"
وهناك خبير تكنولوجيا استدراج آخر هو بيل فولتون، مصمم الألعاب الذي تدرب في علم النفس المعرفي والكم. بدأ مجموعة أبحاث المستخدم للألعاب المايكروسوفت    Microsoft’s Games User-Research في  قبل تأسيس وكالة استشارات خاصة به.  فولتون كان شفافاً عن قوة التصميم الاستدراجي وعن نية صناعة الألعاب، حيث كشف لمجلة شركة بيغ فور اكوانتينغ PwC’s: "لو كان مصممو اللعبة سيحسبون شخصًا  عن كل نشاط اجتماعي طوعي أو هواية أو تسلية، سيضطرون إلى إشراك ذلك الشخص على مستوى عميق جدًا بكل طريقة ممكنة. "
هذا هو التأثير المهيمن للتصميم الاستدراجي اليوم: بناء ألعاب فيديو ومنتجات وسائل تواصل  اجتماعية، بشكل  جذاب جداً  للمستخدمين إلى الحد الذي  يمكنه أن يبعدهم  عن العالم الحقيقي ليقضوا حياتهم في المجالات التي هدفها الربح. لكن الانخراط في مهنة  على حساب أنشطة  العالم الحقيقي هو عنصر أساسي من عناصر  الإدمان. وهناك أدلة متزايدة على أن التصميم الاستدراجي أصبح الآن قويًا إلى درجة أنه قادر على المساهمة في إدمان ألعاب الفيديو  والإنترنت - التشخيصات التي أصبحت معترفًا بها رسميًا في الصين وكوريا الجنوبية واليابان والتي هي قيد النظر في الولايات المتحدة.
لا يبدو أن التصميم للاستدراجي يؤدي إلى إدمان الأطفال على الأجهزة فحسب، بل تُستخدم معرفة الإدمان لجعل التصميم الاستدراجي أكثر فاعلية في اختطاف العقل. كما يعترف رامزي براون في حلقة من برنامج قناة  CBS سي بي إس التلفزيونية ستون دقيقة ( CBS's 60 Minutes) ، "بما أننا قد توصلنا إلى حدٍ ما إلى كيف تعمل هذه الأجزاء من الدماغ التي تعالج الإدمان ، فقد اكتشف الناس كيف يعصّرونها أكثر  وعن مدى كيف يدمجون المعلومات في تطبيقات على التلفون. "


سرقة من الطفولة
إن إنشاء منتجات رقمية ذات تأثيرات شبيهة بالعقاقير قادرة على "سحب الشخص" عن الانخراط في أنشطة الحياة الواقعية هو السبب في أن تكنولوجيا الاستدراج مدمرة للغاية. اليوم، من المرجح أن يصرف تصميم الاستدراج   الأشخاص البالغين عن قيادة السيارة  بأمان، وعن العمل المنتج  وعن التواصل  مع أطفالهم - وكلها أمور مهمة  تحتاج إلى اهتمام عاجل. ومع ذلك، ولأن عقل الطفل والمراهق يمكن التحكم فيه بسهولة أكثر من عقل البالغ، فإن استخدام التصميم الاستدراجي له تأثير مؤلم أكثر على الأطفال.

تعمل تقنيات الاستدراج على إعادة تشكيل الطفولة، وإغراء الأطفال حتى يكونوا بعيدين عن الأسرة والعمل المدرسي لقضاء المزيد والمزيد من حياتهم جالسين أمام الشاشات والهواتف. وفقًا لتقرير مؤسسة أسرة كايزر Kaiser Family Foundation report,  يقضي الأطفال الصغار في الولايات المتحدة ٥ ساعات ونصف يوميًا على تقنيات الترفيه، بما في ذلك ألعاب الفيديو ووسائل التواصل الاجتماعية ومقاطع الفيديو عبر الإنترنت. وما هو أكثر من ذلك، فإن المراهق العادي يقضي الآن ٨ ساعات كل يوم لاعباً بالشاشات والهواتف. إن الاستخدامات المنتجة  للتكنولوجيا - عندما يكون التصميم الاستدراجي أقل تأثيراً - هو فائت لأوانه تقريباً، حيث يقضي أطفال الولايات المتحدة ١٦ دقيقة فقط يوميًا مستخدماً الكمبيوتر في المنزل لواجبات مدرسية.
بشكل هادئ، أصبح استخدام الشاشات والهواتف للتسلية هو النشاط المهيمن للأطفال. يقضي الأطفال الصغار وقتًا أطول في التفاعل مع شاشات الترفيه أكثر مما يقضونه في المدرسة، ويقضي المراهقون وقتًا أطول في اللعب باستخدام الشاشات والهواتف أكثر مما ينامون. والنتيجة واضحة في المطاعم، وفي السيارة الواقفة بجانبك على إشارة المرور، وحتى العديد من الفصول الدراسية: ومما يشهد على نجاح تكنولوجيا الاستدراج، الأطفال مأخذون جداً بهواتفهم وأجهزتهم الأخرى إلى حد أنهم قد أداروا ظهورهم عن العالم من حولهم . مختبئون في غرف النوم على الأجهزة، أو مستغرقون على هواتفهم في وجود أفراد العائلة الآخرين، العديد من الأطفال يفتقدون الانخراط  في الحياة الواقعية مع الأسرة والمدرسة، وهما ركنان أساسيان في الطفولة يؤديان إلى نمو سعيد وناجح. حتى خلال اللحظات القليلة التي يقضي فيها الأطفال بعيدًا عن أجهزتهم، غالبًا ما ينشغلون بفكرة واحدة: الرجوع إليها مرة أخرى.
بالإضافة إلى إزاحة أنشطة الطفولة الصحية، تعمل التقنيات الاستدراجية على جذب الأطفال إلى البيئات الرقمية السامة في كثير من الأحيان. وهناك تجربة متكررة لكثيرين هي التعرض للتنمر عبر الإنترنت، مما يزيد من خطر تركهم  المدرسة واحتمال الانتحار. وهناك اعتراف متزايد بالتأثير السلبي "للـخوف من تفويت الفرصة  FOMO"، حيث يقضي الأطفال حياتهم الاجتماعية على  وسائل التواصل وهم يشاهدون عرضًا للأقران الذين يبدون أنهم يتمتعون بقضاء وقت ممتع بدونهم، مما يغذي مشاعرهم بالوحدة، وأنهم أقل منهم.


الجيل المرتبط بالتنكلوجيا الرقمية ينهار
إن الآثار المدمجة لأزاحة أنشطة الطفولة الحيوية والتعرض للبيئات غير الصحية على الإنترنت تدمر جيلاً. في مقالها الأخير في موقع  أتلانتيك عنوانه؛ "هل  الهواتف الذكية دمرت جيلاً؟"، الدكتورة جين توينج، أستاذة علم النفس في جامعة ولاية سان دييغو، تصف كم تدفع عدد الساعات الطويلة التي تقضى على الهواتف الذكية ووسائل التواصل الاجتماعية بالفتيات المراهقات في الولايات المتحدة إلى معاناة  من معدلات اكتئاب وسلوكيات انتحارية عالية.
ونظرًا لأن العمر المعتاد حين يحصل الأطفال فيه على أول هاتف ذكي لهم قد انخفض إلى ١٠  أعوام، فلا غرابة في أن ترى مشاكل نفسية خطيرة - كانت يوماً مجالًا يختص بالمراهقين - أما الأن فقد تطور وأصبح  يعاني منه الأطفال الصغار. وقد زادت الإصابات الذاتية (التي تقوم بها الفتاة بإيذاء نفسها بنفسها)، كجرح نفسها، يصل إلى حد الخطورة مما يستدعي العلاج في غرفة الطوارئ، بشكل كبير بين الفتيات اللواتي تتراوح أعمارهن بين ١٠ و ١٤ عامًا، بزيادة ١٩٪ سنوياً منذ عام ٢٠٠٩.
في حين يتم جذب الفتيات إلى الهواتف الذكية ووسائل التواصل  الاجتماعية، فمن المرجح أن يُغوى الأولاد نحو عالم ألعاب الفيديو، غالباً على حساب التركيز على المدرسة.  كميات كبيرة من الألعاب لها ارتباط بالحصول على درجات  مواد دراسية  متدنية، لذا بما أن الأولاد يقضون وقتاً  أكثر من البنات على الألعاب، فليس من المستغرب أن ترى هذا الجيل من الأولاد يعاونون من صعوبة في دخول  الجامعة : ٥٧٪ من طلبات الالتحاق بالجامعات تمنح بالكامل للشابات مقارنة بـ ٤٣ فقط. ٪  تمنح إلى الشباب. ومع انتقال الأولاد إلى مرحلة الرجولة، لا يمكنهم التخلص من  عادات لعبهم. فقد أظهر الاقتصاديون الذين يعملون مع المكتب الوطني للأبحاث الاقتصادية مؤخراً أن العديد من الرجال الأمريكيين الشباب يختارون لعب ألعاب الفيديو بدلاً من الانضمام إلى القوى العاملة.
بصفتي طبيبة نفسية للأطفال والمراهقين، فإن النتيجة الحتمية محرجة وكاسرة للقلب على حد سواء. القوى المدمرة للسكلوجيا التي تنشرها صناعة التكنولوجيا تؤثر بشكل كبير على الأطفال أكثر من الاستخدامات الإيجابية للسايكلوجيا من قبل مقدمي خدمات الصحة النفسية وداعمي الأطفال. من الواضح أن السايكلوجيا  تضر بالأطفال أكثر من أن تساعدهم

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد