مقالات

اختر مَن تعاشر


السيّد عبد الحسين شرف الدين
* الزوجة الصالحة أمانٌ للأبناء
ينبغي للرجل أن يختار لنفسه من بيوتات النجابة زوجةً صالحة ذات دين متين، وأخلاق حسنة، ليأمن منها على أولاده؛ فإنّ أوّل مدرسة يراها الصبيّ لَبيت أبيه وأمّه، وأوّل معلّم يقرع مسامع الولد تعليمه لَوالده، وأوّل خليط يمتزج الطفل به فيتمذّق بمذاقه ويتخلّق بأخلاقه لَأمّه، يأوي إليها في نومه ويقظته ويصحبها ليلاً ونهاراً، والطبع مكتسب من كلّ مصحوب.
أجل تنبثّ الروح في جسده وهو في أحشائها ملاصقاً لفؤادها، ثمّ ينبت لحمه ويشتدّ عظمه على دمها ولبنها، فحريّ أنْ يكتسب من أخلاقها ويؤثّر فيه طبعها.
* الاهتمام بتربية الأولاد وتهذيب أخلاقهم
إنّ من أهمّ الأمور وأوكد الشؤون بذل الجهد في تربية الأولاد، واستفراغ الوسع والطاقة في تهذيب أخلاقهم؛ فإنّ نفوسهم وقتئذٍ ساذجة تنطبع على ما يُراد، وقلوبهم خالية تميل إلى كلّ ما يمال بها إليه، فإذا شبّوا على مكارم الأخلاق ومحاسن الصفات، شابوا عليها.
والولد أكبر أعمال أبيه، فإنْ عوّده الخير -فإنّ الخير عادة- سُعِدا جميعاً، وإن تركه هملاً كان الشقاء لهما سرمداً. وقد أمر الله بإرشاد الأهل وتزكية أخلاقهم، فقال -وهو الرؤوف الرحيم-: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا﴾ (التحريم: 6) بإرشادهم إلى حياة الأبد، وإبعادهم عن الشقاء السرمدي.
وحياة الأبد إنّما تكون بمكارم الأخلاق، والشقاء بارتكاب شيء من الفواحش، وإنّ أولى أهلك بالوقاية، وأحقّهم منك بالإرشاد والهداية أولادك الذين هم بضعة منك، ولئن كنت تبالغ في حفظهم من أقلّ أذىً، وتصونهم عن أيسر مكروه، فأنت في وقايتهم من عذاب الأبد وشقاء السرمد أَوْلى وأجدر. نراك إذا انحرف مزاج أحدهم، أو عرض عارض على صحّته التي لا بدّ أنْ تبيد، ضاقت بك الدنيا برحبها أو تعرضهم على الطبيب الماهر، وتستعمل لهم الدواء الناجع، فما بالك تنفق جميع همّك على صحّة البدن وهو فانٍ البتّة، ولا تبالي بصحّة النفس الباقية؟ أعاذنا الله من سُبات العقل وخطل الآراء.

* انتقاء الأصحاب
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من أراد الله به خيراً، رزقه خليلاً صالحاً، إن نسي ذكّره، أو ذكر أعانه"(1).
يستفاد من هذا الحديث الشريف أنّه لا خيـــر إلا فــي صحبــة رجـل صالح من أهل المعرفة، بحيــث يذكّرك الله والدار الآخرة إن نسيت، ويعينك إن ذكرت.
وقال صلى الله عليه وآله وسلم: "المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يُخالل"(2). وقال صلى الله عليه وآله وسلم: "مثل الأخوين مثل اليدين، تغسل إحداهما الأخرى"(3).
لا يخفى ما في هذا الحديث من الإيماء إلى أنّ الصحبة الحسنة مشروطة بالتعاون على غسل الذنوب، ولذلك شبّههما صلى الله عليه وآله وسلم باليدين تغسل إحداهما الأخرى.
وقال أمير المؤمنين عليه السلام: "عليكم بالإخوان، فإنّهم عدّة في الدنيا والآخرة، ألا تسمعون إلى قول أهل النّار: ﴿فَمَا لَنَا مِن شَافِعِينَ * وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ﴾ (الشعراء: 99-100)".
وفيه دلالة على أنّه ينبغي أن تؤثر بالصحبة من يكون لك عدّةً في الدنيا وشفيعاً في الآخرة، من صلحاء المؤمنين وأبرار علمائهم.
* اصحب مَن إذا صحبته زانك
وقال الإمام أبو محمّد الزكيّ [الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب] عليه السلام، من موعظةٍ طويلة وعظ بها بعض أصحابه،: "وإذا نازعتك إلى صحبة الرجال حاجة، فاصحب من إذا صحبته زانك، وإذا خدمته صانك، وإذا أردت منه معونة أعانك، وإنْ قلت صدّق قولك، وإنْ صُلت شدّ صولك، وإنْ حاولتما أمراً أمّرك، وإنْ تنازعتما في شيءٍ آثرك، وإنْ مددت يدك بخيرٍ مدّها، وإنْ بدرَتْ منك ثلمة سدّها، وإن رأى منك حسنة عدَّها، وإنْ سألته أعطاك، وإنْ سكتّ ابتدأك، وإنْ نزلتْ بك إحدى الملمّات واساك، من لا تأتيك منه البوائق، ولا يخذلك عند الحقائق"(4).
فكأنه عليه السلام أراد أن يجمع حقوق الصحبة بأسرها، ويشترط أن يكون الصاحب قائماً بجميعها، فيكون حينئذٍ مصداقاً لقول أمير المؤمنين عليه السلام:
إنّ أخاك الصدق من كان معك             ومن يضرّ نفسه لينفعك
ومَن إذا ريب الزمان صدعك              شتّت فيه شمله ليجمعك(5)

* إيّاك ومصاحبة الأحمق
وقال أمير المؤمنين لابنه الحسن الزكيّ عليه السلام: "يا بنيّ، إيّاك ومصادقة الأحمق؛ فإنّه يريد أن ينفعك فيضرّك.
وإيّاك ومصادقة البخيل؛ فإنّه يبعد عنك أحوج ما تكون إليه.
وإيّاك ومصادقة الفاجر؛ فإنّه يبيعك بالتافه -أي القليل-.
وإيّاك ومصادقة الكذّاب؛ فإنّه كالسراب يقرّب عليك البعيد، ويبعّد لك القريب"(6).
وقال عليه السلام: "لا يكون الصديق صديقاً حتى يحفظ أخاه في ثلاث: في نكبته وغيبته ووفاته"(7).
وقيل: "مقاطعة الأحمق قربان إلى الله".
وذلك لأنّ صاحبه مُلقٍ بيده إلى الشرّ، مخاطرٌ بجاهه ونفسه وعرضه ودينه.
ولذا كانت مودّته أعظم ضرراً من عداوة العاقل. إنّ الأحمق إذا ساوره الغضب أو الطمع أو الشهوة أو البخل أو الجبن، أطاع هواه، وهدم من مجده جميع ما بناه، وقَلَب لحميمه ظهر المجنّ، فخذله مع الخاذلين، وحاربه مع المحاربين، ونسي الفضل بينهما، فأيّ خيرٍ في صحبة الأحمق؟ يريد أن يُزينك فيُشينك، ويحاول أن ينصرك فيخذلك، يضرُّك وهو الحريص على نفعك.
فأيّ خير في صحبته؟ إنّ في صحبته أنواعَ الضرر وأقسامَ الخطر، أقلّها سراية الحمق إلى رفيقه، كما دلّ عليه الكلام السابق لأمير المؤمنين، ولذلك قال عليه السلام: "لا تصحب المائق -أي الأحمق- فإنّه يزيّن لك فعله، ويودّ أن تكون مثله"(8).
ــــــ
1- المحجّة البيضاء، الفيض الكاشاني، ج3، ص285.
2- الأمالي، الطوسي، ص518.
3- المحجّة البيضاء، (م.س)، ص319.
4- بحار الأنوار، المجلسي، ج44، ص140.
5- حكاه عنه الغزالي في إحياء علوم الدين، ج2، ص187، وابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ج18، ص113.
6- نهج البلاغة، ص660، الحكمة 38.
7- (م.ن)، ص681- 682، الحكمة 134.
8- (م.ن)، ص718، الحكمة 293.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد