علمٌ وفكر

معلومات الكاتب :

الاسم :
السيد محمد حسين الطبطبائي
عن الكاتب :
مفسر للقرآن،علامة، فيلسوف عارف، مفكر عظيم

رسالة في أسماء الله سبحانه وتعالى (1)

قد ذكرنا في رسالة التوحيد أن التوحيد منه ذاتي ومنه اسمي ومنه فعلي. أما التوحيد الذاتي فقد ذكر هناك أنه خارج عن حيطة التوصيف ودائرة البيان. وأما الأسماء والأفعال فإذ لم نستوف البيان فيهما هناك أردنا أن نأتي هاهنا بعض البيان في الاسم ونشرحه بعض الشرح بالجمع بين البرهان العقلي والبيان النقلي بما يلائم ذوق هذه الرسائل.

 

وأما التفصيل التام لهذه الأبحاث فموكول إلى مطولات كتب القوم رضوان الله عليهم ونعني بها الكتب المعمولة على الجمع بين الذوق والبرهان والتشفيع بين العقل والنقل. وأما الكتب التي شأنها أن تضع قضايا ساذجة يحكم بها الأفهام العامية وضعًا ثم تدافع بالدفاع الجدلي عنها بالغًا ما بلغ فلا يهمنا الرجوع إليها ولا الركون إليها ولا لهذه الأبحاث مساس بها ولا لنا شغل بمن هذا طرز بحثه وطور مطالبه والله المعين.

 

[فصل 1 في تقسيم أسماء الله تعالى]

 

قد عرفت في رسالة التوحيد أن الله سبحانه هو الوجود الصرف الذي له كل كمال وجودي. فكل ما فرض هناك غيره عاد عينه فله وحدة عينية يستحيل معه فرض ثان له فلا تعدد ولا اختلاف ولا تعين هناك بمعنى المحدودية بحد مفروض لا مصداقًا ولا مفهومًا بل كل ما فرض تعينًا مفهومًا أو مصداقًا كان متأخرًا عن هذه المرحلة المفروضة.

 

ثم إنه لاشتماله على حقائق جميع الكمالات الوجودية متصف بجميعها فهو مسمى بها وهي أسماؤه إذ ليس الاسم إلّا الذات مأخوذًا ببعض أوصافه فهو في نفسه وبذاته سبحانه متصف بها ومسمى بها ومفاهيمها تنتزع عن ذاته بذاته. وإذا لوحظ معه الوجودات الفائضة منه المترشحة عنه ظهرت بينها وبين أسمائه الذاتية جلت أسماؤه نسب هي كالروابط تربطها بها دون الذات فإنه مبرى عن التعينات والنسب كما عرفت.

 

وبالجملة فهناك تظهر تعينات وأوصاف أخر وتنتزع مفاهيم أخرى تلحق بالقسم الأول وذلك كالخلق والرزق والرحمة والكرم واللطف والإعادة والبدء والإحياء والإماتة والبعث والحشر والنشر وغير ذلك وهذه هي أسماء الأفعال المتأخرة عن الذات وأسمائها وتنتزع عن مقام الفعل.

 

بقي هنا شيء وهو أن هذه الأسماء لو انتزعت عن مقام الفعل فإنما انتزعت عنه بما أن بينه وبين الذات نسبة ما ورابطة ما والألم يصدق هذه الأسماء على الذات البتة فيؤول الاتصاف إلى اعتبار الحيثية بمعنى أن الذات بحيث لو فرض خلق مثلاً فهو خالقه ولو فرض رزق فهو رازقه فإذن سبيل الأسماء الفعلية سبيل الأسماء الذاتية في أن الجميع موجودة للذات حقيقة، نعم الأسماء الذاتية لا تحتاج في انتزاعنا إيّاها إلى أزيد من الذات بذاته والأسماء الفعلية تحتاج في مرحلة الانتزاع إلى فعل متحقق في الخارج فافهم ذلك.

 

ثم إنّك تعلم أن الكمالات الوجودية حيث كانت موجودة للذات والنواقص العدمية مرتفعة عنه كانت هناك أوصاف سلبية على سبيل الأوصاف الإيجابية إلّا أنها حيث كانت إعدامًا فهي غير متحققة هناك وإنما هي منتزعة من غيره انتزاعًا ومدلولها سلب السلب ويرجع إلى إثبات الوجود.

 

وقد تبين من جميع ما مرّ أن أسماءه سبحانه على كثرتها تنقسم أوّلاً إلى أسماء ذاتية وفعلية، وثانيًا إلى أسماء ثبوتية وسلبية وهكذا إلى أسماء خاصة وعامة.

 

[فصل 2 في الدلائل النقلية من الكتاب والسنة]

 

والنقل أيضًا يدل على ما مرّ أما ما تدل على الأسماء الذاتية والفعلية والثبوتية والسلبية فغير ضروري الإيراد لبلوغها من الكتاب والسنة في الكثرة فوق حد الإحصاء على أن بعضها سيورد إن شاء الله سبحانه في طي الفصول الآتية.

 

[فصل 3 في أن الذات المقدسة كانت أوّل الأسماء]

 

قد عرفت في الفصل الأول ذاته المقدسة ذات صرافة وإطلاق مبرّأة من جميع التعينات مفهومية ومصداقية حتى عن نفس الإطلاق وحيث كان هذا بعينه تعينًا ما يمحق عنده التعينات ويطوي بساط جميع الكثرات كان هذا أول الأسماء وأول التعينات وهو المسمى بمقام الأحدية، ثم يظهر التعينات الإثباتية وأول تلك نفس الإثبات وذلك أنه هو وهو الهوية، ثم يظهر بقية التعينات: فمن حيث أن هذه الحقيقة التامة حاضرة عند نفسها واجدة لها يظهر تعين العلم وحيث أنها المبدأ التام لكل كمال وجودي يظهر تعين القدرة ويظهر من تآلف القدرة مع العلم تعين الحياة، ثم تظهر بقية التعينات من تآليف بساطتها. فقد تبين أن الأسماء بينها ترتب ما يتفرع به بعضها على بعض آخر.

 

ثم نقول في بيان أسمائه سبحانه قد عرفت أن الوجود هو الحقيقة الخارجية فحسب وغيره كالماهيات أمور منتزعة ذهنية لا خارجية لها إلّا بعرض الوجود وأما مع قطع النظر عنها فهي باطلة الذات هالكة العين وهذه الحقيقة الخارجية حيث أنها تطرد العدم بذاتها يستحيل طريان العدم عليها لامتناع اجتماع النقيضين فإذن هي واجبة الوجود بذاتها. ومن هنا يظهر أن للوجود الحقيقي وحدة وصرافة لا يمكن معه فرض ثان له وهو أحديته كما مرّ فهو وحده لا شريك له.

 

ومن هنا يظهر امتناع فرض قوة أو إمكان أو تغير أو تحول هناك إذ هو لصرافته حاو لكل كمال وجودي فرض فهو صريح الفعلية فكما أنه واجب الوجود بالذات فهو واجب الوجود من جميع الجهات هذا ومن الواجب أن تعلم أن هذا البيان إنما يجري في الوجود الواجبي الصرف المستقل بذاته دون الوجود الإمكاني فإنه لمعلوليته رابط موجود في غيره يستحيل أن يوضع فيحكم عليه بشيء كوجوب الوجود والقيام بنفسه ونحو ذلك.

 

فما نشاهده من الماهية الموجودة إنما نشاهد الوجود الحقيقي الواجبي بمقدار ما تقوم به هذه الماهية وهو المراد بقولنا وجود الممكن ظهور ما للواجب فيه وأن الممكن مظهر للواجب فهو نور.

 

ومن هنا يظهر أيضا أن كل ما فرض ذا ماهية متساوية النسبة إلى الوجود والعدم فهو في تحقق ذاته ووجوده يحتاج إلى الواجب سبحانه وآثاره الذاتية كائنة ما كانت محتاجة إليه سبحانه أيضًا وإن كانت بحيث إذا نظر العقل إليها حكم باقتضائه إيّاها وهو الوساطة فكما أن الأربعة وهي عدد ما تحتاج في وجودها إليه سبحانه فكذلك كونها زوجًا وضعف الاثنين ومجذورًا له وسائر آثاره محتاجة إليه سبحانه وإن كان كلّها بوساطة الأربعة واقتضائها فذاته سبحانه بذاته هو المبدأ لكل وجود ممكن وهذه هي القدرة الواجبية إذ القدرة بمعنى صحة الفعل والترك أي إمكان الطرفين مستحيلة في حقه سبحانه لكونه واجب الوجود من جميع الجهات فهو سبحانه مبدأ بذاته لكل موجود بحسب ما يليق بذات ذلك الموجود فهو مبدأ بالفعل لكل موجود بالفعل ومبدأ بالفعل لكل موجود بالقوة ولنفس القوة والإمكان فهو المفيض لكل شيء وآثاره بفيوضات الوجود وبركات الظهور والبروز.

 

ومن هناك يظهر أيضًا أن ذاته موجودة لذاته وحاضرة لها لا حجاب بينه وبين ذاته وجميع الكمالات الموجودة لذاته فهو في مقام ذاته عالم بذاته وصفاته وبجميع الموجودات المترشحة عن ذاته وهو العلم الذاتي. وأيضًا كل موجود حاضر بذاته عنده سبحانه كيف وبعرض وجوده سبحانه وجد وبنوره استشرق فهو سبحانه كما يشهدها عزّ ذاته المقدسة بذاته في مرتبة ذاته يشهدها في مرتبة وجوداتها الخارجية ومواطنها الواقعية كلًّا في ظرفه وموطنه وهو العلم الفعلي، على أن كل علم متحقق عند الموجودات فهو له أيضًا.

 

وحيث ثبت له سبحانه العلم والقدرة ثبت له الحياة إذ المحيي هو الدرّاك الفعّال. وحيث ثبت أن إيجاده للموجودات بنحو الظهور في مواطن ذواتها وظروف هوياتها ثبت أن كل كمال وجمال وحسن فهو له سبحانه ثابتة فيه والحسن والجمال تمامية وجود الشيء وكمالاته وآثاره فهو سبحانه متصف بكل صفة حسن وجمال.

 

وحيث كان كل منقصة ورذيلة ومحدودية وقبح وسوء منحلاًّ بالتأمل التام إلى عدم كمال مطلوب ولا سبيل للإعدام إلى ساحته المقدسة كانت النقائص الإمكانية طرًّا والكدورات الماهوية جميعًا راجعة إلى الماهيات الإمكانية ومن لوازمها وتوابعها فهو سبحانه طاهر من كل دنس قدوس من كل نقص وخبث فهو المستجمع لجميع صفات الجمال والجلال.

 

ومن هنا يظهر أن الايتلاف والاجتماع بين صفات الجمال والجلال هو المقتضي لفيضان الوجود على الموجودات ولمعان النور وانبثاثه في هذه الظلمات فلولا صفات الجلال لم يكن وجود ولولا صفات الجمال لم يكن إيجار فافهم.

 

ثم أن هذه الأسماء الحسنى والصفات العليا وإن كثرت مفاهيمها إلّا أنه ليس لها إلّا مصداق واحد وهو الذات المقدسة إذ من المستحيل كما عرفت فرض اثنينية ما هناك فكل حيثية في الذات عين الحيثية الأخرى والكل عين الذات فهو تعالى موجود من حيث أنّه عالم وعالم من حيث أنه موجود وقادر بعين حياته وحي بعين قدرته وهكذا وهذا هو واحد به الذات فهو سبحانه واحد كما أنه أحد.

 

فتبين من جميع ما مرّ أنه سبحانه بأحدية ذاته يمحق ويطمس جميع الكثرات ثم يتنزل إلى مقام الأسماء على وحدتها فينبعث بذلك الكثرات المفهومية دون المصداقية ثم يتنزل إلى مراتب الموجودات الإمكانية بظهورها في مظاهرها وإظهارها لمكامنها فينبعث حينئذ الكثرات المصداقية.

 

مثل ذلك أنّك إذا رجعت إلى صفاتك وجدت أنك عالم وأنت أنت وقادر وأنت أنت وسميع وبصير وذائق وشام ولامس وأنت أنت فشيء من صفاتك لا يخلو ولا يخرج منك أنت فهذا واحدية صفاتك في ذاتك ثم إذا رجعت إلى نفسك وجدت أنّه ليس هناك إلّا أنت مع أنك صاحب صفات كثيرة غير أنها قد استهلكت وانمحت في هذه المرحلة وهذا مقام أحدية ذاتك.

 

ثم إنك إذا زدت على ذلك وتصورت مرتبة خيالك المنبسط على صور خيالاتك الجزئية ثم جزئيات متخيلاتك ثم تنزلت إلى أفعالك واعتبرت نفسك معها علمت أن الجميع قائمة بك لا تخلو عنك فلو أمعنت وأتقنت في تأملك في هذا المثل صحّ لك تعقل ما تنتجه هذه البراهين التي أسلفناها.

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد