علمٌ وفكر

معلومات الكاتب :

الاسم :
عدنان الحاجي
عن الكاتب :
من المترجمين المتمرسين بالأحساء بدأ الترجمة عام ٢٠١١، مطّلعٌ على ما ينشر بشكل يومي في الدوريات العلمية ومحاضر المؤتمرات العلمية التي تعقد دوريًّا في غير مكان، وهو يعمل دائمًا على ترجمة المفيد منها.

ما نمط ذاكرتك؟ هل تتذكر ماضيك بتفاصيله أم تتذكره كماضٍ مجرد وخالٍ من التفاصيل؟

ترجمة: عدنان أحمد الحاجي

 

أثبتت دراسة أن قابلية الناس سواء أكانت لاستحضار تفاصيل معينة من تجاربهم السابقة (ما يّعرف بالذاكرة العرضية (1)) أو حقائق ومعلومات عامة (ما يّعرف بالذاكرة الدلالية (2)) تنعكس بشكل رئيس في أنماط نشاط أدمغتهم، أي متأصلة في وظائفه وطريقة التواصل بين مناطقه، مما قد ينعكس على نوع ذاكرته.

 

لماذا يمتلك بعض الناس ذاكرة غنية بالتفاصيل من التجارب سابقة (ذاكرة عرضية)، في حين يتذكر البعض الآخر الحقائق والمعلومات العامة فقط دون استحضار تفاصيلها (ذاكرة دلالية)؟

 

فريق من باحثي معهد أبحاث روتمان في مركز بايكريست Baycrest للعلوم الصحية أثبت للمرة الأولى أن هذه الطرق المختلفة في تذكر التجارب والأحداث الماضية ترتبط بأنماط اتصالية دماغية وظيفية (3) متميزة والتي قد تكون متأصلة في الشخص وتوحي بوجود خاصية "ذاكرة" ثابتة تدوم مدى حياته، وهي تعتبر استعدادًا فطريًّا للتذكر بطريقة معينة طوال حياة الشخص، وليست شيئًا عابرًا تتغير بسهولة أو تعتمد على الظروف. نشرت نتائج هذه الدراسة في دورية كورتكس (4) Cortex.

 

"على مدى عقود، كل الأبحاث تقريباً التي أجريت على الذاكرة ووظائف الدماغ تعامل الناس كما لو كانوا جميعًا متشابهين في هذه الخاصية، وذلك من خلال حساب متوسط بيانات المشاركين. إلا أن الدكتورة سيني شيلدون Signy Sheldon من جامعة ميغيل McGill أفادت بأن الذاكرة تختلف اختلافًا كبيرًا من شخص إلى آخر، وهذه خاصية يُمكننا جميعًا ملاحظتها في حياتنا اليومية حين نقارن مدى اختلاف تذكّر الناس لنفس الحدث الواحد.

 

"ولكن كما نعرف من التجربة ومقارنة بين ما نتذكره ويتذكره الآخرون، فإن خصائص الذاكرة تختلف باختلاف الناس. وتبين دراستنا أن خصائص الذاكرة هذه تتوافق مع الاختلافات الثابتة في وظائف الدماغ، حتى لو لم نطلب من المشتركين القيام بأداء مهام الذاكرة (والتي تُعرف بـ "حالة الراحة") وهم مستلقون في جهاز الرنين المغناطيسي الوظيفي".

 

وتفيد نتائج هذه الدراسة بأن هذه الاختلافات في القدرة على التذكر ليست عشوائية، بل ترتبط باختلافات مُتّسقة وقابلة للقياس في كيفية عمل أدمغة الناس، حتى عندما لا يُحاولون تذكّر أي شيء فعليًّا. بمعنى آخر، قد تعكس الطريقة المُتميّزة التي تعمل بها ذاكرة شخص ما نمطًا مُستقرًّا وفريدًا في نشاط دماغه.

 

في هذه الدراسة، أكمل 66 شابًا سليمًا بمتوسط عمر يبلغ 24 عامًا، استبانة على الذاكرة الذاتية (SAM) - تصف مدى تذكرهم للأحداث والوقائع المتعلقة بسيرتهم الذاتية. تراوحت إجاباتهم بين نوعين متطرفين من ذاكرة السيرة الذاتية: أحد هذين النوعين هو ذاكرة السيرة الذاتية الفائقة (5) (HSAM)، وفي الطرف المقابل، ذاكرة السيرة الذاتية الضعيفة جدًّا (SDAM) (6). مكّنت هذه الاستبانة الباحثين من دراسة التباين الطبيعي في مدى الذاكرة الذاتية بين هؤلاء الأصحاء.

 

بعد إكمالهم الاستبانة، فُحصت أدمغة المشاركين الـ 66 في مركز بايكريست تحت جهاز التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي في حالة الراحة (أي حين لم يقوموا بأداء أي مهمة تذكر)، والتصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي هي تقنية تعمل على تتبع أنماط الاتصالية الوظيفية بين مناطق الدماغ، أو كيف تتلازم أنشطة مناطق الدماغ المختلفة معًا. وبالجمع بين قدرات الذاكرة التي أبلغ عنها المشاركون ذاتيًّا وأنماط الاتصالية الوظيفية في أدمغتهم، تمكن الباحثون من دراسة مدى تطابق الاختلافات في الذاكرة الذاتية مع الاختلافات في الاتصالية الوظيفية في أدمغتهم.

 

ووجدوا أن الاتصالية بين الفصين الصدغيين الأنسيين (7) والمناطق الواقعة في الجزء الخلفي من الدماغ، المعنية بالمعالجة البصرية، كانت أقوى لدى الذين أفادوا بذاكرة سيرة ذاتية فائقة (غنية بالتفاصيل). في المقابل، وجدوا أن الاتصالية بين الفصين المذكورين أعلاه والمناطق الدماغية الأمامية، المسؤولة عن التنظيم والتفكير المنطقي، أقوى لدى أولئك الذين لديهم قدرة على تذكر أحداث الماضي باعتبارها وقائع مجردة وخالية من التفاصيل، لا تجارب حية مليئة بالمشاعر أو الصور الذهنية الحية.

 

طرحت هذه النتائج تساؤلات مثيرة لاهتمام علماء الإدراك لها علاقة بالشيخوخة وصحة الدماغ. واحدة من أكثر الاستفسارات المستفزة للتفكير بشكل خاص، هو ما إذا كانت بعض خصائص الذاكرة الذاتية قد تكون وقائية، مما قد يؤخر ظهور التدهور الإدراكي المرتبط بالشيخوخة؟

 

أوضح الدكتور برايان ليڤين Brian Levine، كبير مؤلفي الدراسة وكبير الباحثين في معهد روتمان للأبحاث التابع لمركز بايكريست وأستاذ علم النفس في جامعة تورنتو: "مع تقدم الناس في السن أو بإصابتهم بمراحل مبكرة من الخرف، فإن من أوائل التغييرات الملحوظة هي صعوبة تذكر تفاصيل الأحداث السابقة [ضعف ذاكرة السيرة الذاتية المشبعة بالتفاصيل، أو الذاكرة العرضية]".

 

"لكن لا أحد تناول بالدراسة مدى علاقة هذه التغيرات الملحوظة بالذاكرة. وقال إن الذين تعودوا على امتلاك ذاكرة سيرة ذاتية فائقة، غنية بالتفاصيل، قد يكونون أكثر حساسية جدًّا للتغيرات البسيطة (للفروق الدقيقة بين مستوى ذاكرتهم السابقة والحالية) في الذاكرة مع تقدمهم في السن، بالرغم من أن أولئك الذين لديهم قدرة على تذكر الأحداث الماضية على أنها عبارة عن وقائع مجردة وخالية من التفاصيل قد يكونون أكثر قدرة على مقاومة مثل هذه التغييرات". بحسب قوله.

 

هل يمكن لخصائص ذاكرة الشخص أن تساعد في علاج مشكلات الذاكرة في السنوات المتقدمة من العمر؟ يقول الدكتور ليڤين أن نتائج روتمان تفتح الباب أمام احتمالات مثيرة تتطلب مزيدًا من الاستكشاف العلمي.

 

هذا البحث هو جزء من اتجاه جديد في التركيز على الاختلافات في بنية الدماغ ووظيفته في الأصحاء. وهو البحث الأول في ربط هذه الاختلافات الدماغية باختلافات في عمل ذاكرة السيرة الذاتية.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1-  الذاكرة العرضية هي ذاكرة أحداث السيرة الذاتية (الأوقات والأماكن، والعواطف المرتبطة بها، وغيرها كمعرفة من، ماذا، متى، أين، لماذا). وهي مجموعة من التجارب الشخصية السابقة التي وقعت في وقت معين ومكان معين". مقتبس من نص نرد على هذا العنوان: https://ar.wikipedia.org/wiki/ذاكرة_عرضية 

2- "الذاكرة الدلالية تعود إلى المعرفة العامة (الحقائق والأفكار والمعنى والمفاهيم) التي يمكن التعبير عنها حيث أنها مستقلة عن التجربة الشخصية".  مقتبس من نص نرد على هذا العنوان: https://ar.wikipedia.org/wiki/ذاكرة_صريحة

3- "تُعرَّف الاتصالية الوظيفية في الدماغ بأنها المصادفة الزمانية لأحداث فسيولوجية عصبية بعيدة مكانيًا.  بمعنى، تُظهر أي منطقتين اتصاليةً وظيفيةً لو كانت هناك علاقة إحصائية بين مقاييس النشاط المسجلة لهما". ترحمناه من نص ورد على هذا العنوان: https://www.sciencedirect.com/topics/medicine-and-dentistry/functional-connectivity

4- https://www.sciencedirect.com/science/article/pii/S0010945215003834?via=ihub

5- "ذاكرة السيرة الذاتية الفائقة (HSAM) هي حالةٌ نادرةٌ، بحيث يتذكر الشخص الذي يتمتع بها كل لحظة في حياته بكل تفاصيلها ولا ينسى شيئاً مهما مرت السنون". مقتبس من نص ورد على هذا العنوان: https://ar.wikipedia.org/wiki/فرط_الذاكرة

6- https://memoryos.com/article/severely-deficient-autobiographical-memory-sdam-what-you-should-know

7- https://ar.wikipedia.org/wiki/فص_صدغي

المصدر الرئيس

https://www.mcgill.ca/newsroom/channels/news/what-your-memory-style-257328

 

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد