قرآنيات

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
عن الكاتب :
أحد مراجع التقليد الشيعة في إيران

سورة الفيل

محتوى السورة  

 

هذه السورة - كما يظهر من اسمها - تشير إلى الحادثة التاريخية التي اقترنت بولادة رسول اللَّه صلى الله عليه وآله، وفيها نجّى اللَّه سبحانه الكعبة من شرّ جيش كافر كبير تجهّز من اليمن ممتطياً الفيل.

 

التذكير بهذه القصة فيه تحذير للكفار المغرورين المعاندين، كي يفهموا ضعفهم تجاه قدرة اللَّه تعالى الذي أباد جيشاً عظيماً بطير أبابيل تحمل حجارة من سجّيل، وهو سبحانه إذن قادر على أن يعاقب هؤلاء المستكبرين المعاندين.

 

فضيلة تلاوة السورة  

 

في المجمع: أبو بصير عن الإمام الصادق عليه السلام قال: «من قرأ في الفريضة «أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ» شهد له يوم القيامة كل سهل وجبل ومدر بأنّه كان من المصلين، وينادي يوم القيامة مناد: صدقتم على عبدي، قبلت شهادتكم له، أو عليه. أدخلوا عبدي الجنة، ولا تحاسبوه فإنّه ممن أحبّه وأحبّ عمله».

 

إنّ هذه الفضائل وهذا الثواب لمن كانت قراءته باعثاً على انكسار روح الغرور في نفسه، وعلى السير في طريق رضا اللَّه سبحانه.

 

أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1) أَ لَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (2) وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ (3) تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ (4) فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ (5)

 

قصة أصحاب الفيل  

 

ذكر المفسرون والمؤرخون: إنّ «ذو نواس» ملك اليمن اضطهد نصارى نجران قرب اليمن كي يتخلوا عن دينهم (ذكر القرآن قصة هذا الاضطهاد في موضوع أصحاب الأخدود في سورة البروج).

 

بعد هذه الجريمة نجا من بين النصارى رجل اسمه (دوس) وتوجه إلى قيصر الروم الذي كان على دين المسيح، وشرح له ما جرى. ولما كانت المسافة بين الروم واليمن بعيدة، كتب القيصر إلى النجاشي (حاكم الحبشة) لينتقم من (ذو نواس) لنصارى نجران، وأرسل الكتاب بيد القاصد نفسه.

 

جهّز النجاشي جيشاً عظيماً يبلغ سبعين ألف محارب بقيادة (أرياط) ووجهه إلى اليمن، وكان (أبرهة) أيضاً من قواد ذلك الجيش. اندحر (ذو نواس) وأصبح (أرياط) حاكماً على اليمن، وبعد مدّة ثار عليه أبرهة وأزاله من الحكم وجلس في مكانه.

 

بلغ ذلك النجاشي، فقرر أن يقمع (أبرهة). لكن أبرهة أعلن استسلامه الكامل للنجاشي ووفاءه له. حين رأى النجاشي منه ذلك عفا عنه وأبقاه في مكانه. و(أبرهة) من أجل أن يثبت ولاءه، بنى كنيسة ضخمة جميلة غاية الجمال، لا يوجد على ظهر الأرض مثلها آنذاك، وقرر أن يدعو أهل الجزيرة العربية لأن يحجّوا إليها بدل (الكعبة)، وينقل مكانة الكعبة إلى أرض اليمن.

 

أرسل أبرهة الوفود والدعاة إلى قبائل العرب في أرض الحجاز، يدعونهم إلى حج كنيسة اليمن. تذكر بعض الروايات أنّ مجموعة من العرب جاؤوا خفية وأضرموا النار في الكنيسة، وقيل إنّهم لوثوها بالقاذورات، ليعبروا عن اعتراضهم على فعل أبرهة ويهينوا معبده.

 

غضب أبرهة وقرر أن يهدم الكعبة هدماً كاملًا، للانتقام ولتوجيه أنظار العرب إلى المعبد الجديد، فجهّز جيشاً عظيماً كان بعض أفراده يمتطي الفيل، واتجه نحو مكة. عند اقترابه من مكة بعث من ينهب أموال أهل مكة، وكان بين النهب مائتا بعير لعبد المطلب.

 

بعث (أبرهة) قاصداً إلى مكة. جاء رسول أبرهة إلى مكة وبحث عن شريفها فدلوه على عبد المطلب، فحدثه بحديث أبرهة، فقال عبد المطلب، نحن لا طاقة لنا بحربكم، وللبيت ربّ يحميه.

 

وكان عبد المطلب أوسم الناس وأجملهم وأعظمهم فلما رآه أبرهة أجله وأكرمه عن أن يجلسه تحته وكره أن تراه الحبشة يجلس معه على سرير ملكه [فنزل أبرهة عن سريره] فجلس على بساطه، وأجلسه معه عليه إلى جنبه، ثم قال لترجمانه: قل له: حاجتك فقال له ذلك الترجمان فقال: حاجتي أن يرد علي الملك مئتى بعير أصابها لي فلما قال ذلك قال أبرهة لترجمانه: قل له: قد كنت أعجبتني حين رأيتك ثم قد زهدت فيك حين كلمتني أتكلمني في مئتى بعير أصبتها لك وتترك بيتاً هو دينك ودين آبائك قد جئت لهدمه، لا تكلمني فيه؟!

 

قال له عبد المطلب: إنّي أنا ربّ الإبل، وإنّ للبيت ربّ سيمنعه... فرد أبرهة على عبد المطلب الإبل التي أصاب له. فلما انصرفوا عنه انصرف عبد المطلب إلى قريش فأخبرهم الخبر وأمرهم بالخروج من مكة، والتحرز في شعف الجبال، والشعاب، تخوفاً عليهم من معرة الجيش ثم قام عبد المطلب فأخذ بحلقة باب الكعبة وقام معه نفر من قريش يدعون اللَّه ويستنصرونه على أبرهة وجنده فقال عبد المطلب وهو آخذ بحلقة باب الكعبة:

 

لا هُمّ إنّ العبد يمنع رحله فامنع حلالك

‌لا يغلبن صليبهم ومحالهم عدواً محالك

إن كنت تاركهم وقبلتنا فأمر ما بدا لك

 

قال ابن إسحاق: ثم أرسل عبد المطلب حلقة باب الكعبة، وانطلق هو ومن معه من قريش إلى شعف الجبال فتحرزوا فيها ينتظرون ما أبرهة فاعل بمكة إذا دخلها.

 

فلما أصبح أبرهة تهيأ لدخول مكة، وهيأ فيله وعبى جيشه وكان اسم الفيل محموداً، وأبرهة مجمع لهدم البيت، ثم الانصراف إلى اليمن. فلما وجهوا الفيل إلى مكة أقبل نفيل بن حبيب [الخثعمي] حتى قام إلى جنب الفيل، ثم أخذ بإذنه فقال: أبرك محمود، أو ارجع راشداً من حيث جئت، فإنّك في بلد اللَّه الحرام، ثم أرسل أذنه، فبرك الفيل، وخرج نفيل بن حبيب يشتد حتى أصعد في الجبل، وضربوا الفيل ليقوم، فأبى، فضربوا رأسه بالطبرزين [ليقوم] فأبى، فأدخلوا محاجن لهم في مراقه فبزغوه بها ليقوم فأبى، فوجّهوه راجعاً إلى اليمن فقام يهرول ووجّهوه إلى الشام ففعل مثل ذلك، ووجّهوه إلى المشرق ففعل مثل ذلك، ووجّهوه إلى مكة فبرك، فأرسل اللَّه عليهم طيراً من البحر أمثال الخطاطيف والبلسان، مع كل طائر منها ثلاثة أحجار يحملها: حجر في منقاره، وحجران في رجليه، أمثال الحمص والعدس، لا تصيب منهم أحداً إلّا هلك.

 

وقيل: إنّ الحجر كان يسقط على الرجل منهم فيخترقه ويخرج من الجانب الآخر. (أبرهة) أصيب بحجر، وجُرح، فأعيد إلى صنعاء عاصمة ملكه، وهناك فارق الحياة. وقيل: إنّ مرض الحصبة والجدري شوهد لأوّل مرّة في أرض العرب في تلك السنة. وفي هذا العام ولد رسول اللَّه صلى الله عليه وآله حسب الرواية المشهورة، وقيل إنّ بين الحادثتين ارتباطاً.

 

إنّ أهمية هذه الحادثة الكبرى بلغت درجة تسمية ذلك العام بعام الفيل، وأصبح مبدأ تاريخ العرب «1».

 

التّفسير

 

كيد أبرهة: يخاطب اللَّه رسوله صلى الله عليه وآله في الآية الأولى من السورة ويقول له: «أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ». «أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِى تَضْلِيلٍ». لقد استهدفوا الكعبة ليهدموها وليقيموا بدلها كعبة اليمن، وليدعوا قبائل العرب إلى حج هذا المعبد الجديد، لكنّه سبحانه حال دون تحقق هدفهم، بل زاد الكعبة شهرة وعظمة بعد أن ذاع نبأ أصحاب الفيل في جزيرة العرب، وأصبحت قلوب المشتاقين تهوى إليها أكثر من ذي قبل، وأسبَغَ على هذه الديار مزيداً من الأمن. كيدهم إذن صار في تضليل، أي في ضلال حيث لم يصلوا إلى هدفهم.

 

ثم تشرح الآيات التالية بعض جوانب الواقعة: «وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ».

 

عبارة «طيراً أبابيل» تعني طيراً على شكل مجموعات، والمشهور أنّ هذه الطير كانت تشبه الخطاطيف قدمت من صوب البحر الأحمر في اتجاه أصحاب الفيل.

 

«تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مّن سِجّيلٍ» «2». «فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ». و«العصف»: هو النبات الجاف المتهشّم، أي هو (التبن) بعبارة أخرى. وتعبير «مأكول» إشارة إلى أنّ هذا التبن قد سحق مرّة أخرى بأسنان الحيوان، ثم هشّم ثالثة في معدته، وهذا يعني أنّ أصحاب الفيل، قد تلاشوا بشكل كامل عند سقوط الحجارة عليهم. وفي هذا السورة تحذير وإنذار لكل الطغاة والمستكبرين في العالم، ليعلموا مدى ضعفهم أمام قدرة اللَّه سبحانه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) سيرة النبي صلى الله عليه وآله لابن هشام الحميري 1 / 28؛ وبحار الأنوار 15 / 70 و 130؛ ومجمع البيان 10 / 442.

(2) «سجّيل»: كلمة فارسية مأخوذة من دمج كلمتين هما «سنگ» و «گل»؛ وتعني الطين المتحجّر.

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد