قرآنيات

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ حسن المصطفوي
عن الكاتب :
من علماء إيران المعاصرين، ولد سنة 1336هـ وتوفي يوم الإثنين 20 جمادي الأولى 1426 هـ عن تسعين سنة، حاصل على شهادة الدكتوراه من كلية الالهيات في تبريز ( المعقول والمنقول). له مؤلفات عديدة منها: rn(التحقيق في كلمات القرآن).

معنى (نسف) في القرآن الكريم

مصبا - نسفت الريح التراب نسفًا من باب ضرب: اقتلعته وفرّقته، ونسفت البناء نسفًا: قلعته من أصله، واسم الآلة منسف بالكسر.

 

مقا - نسف: أصل صحيح يدلّ على كشف شي‌ء. وانتسفت الريح الشي‌ء، كأنّها كشفته عن وجه الأرض وسلبته. ونسف البناء: استئصاله قطعًا.

 

ويقال للرغوة: النسافة، لأنّها تنتسف عن وجه اللبن. وبعير نسوف: يقلع النبات عن الأرض بمقدّم فيه. وحكى ناس: هما يتناسفان، أي يتسارّان، والقياس واحد، كأنّ هذا ينسف ما عند ذاك، وذاك ما عند هذا.

 

التحقيق

 

أنّ الأصل الواحد في المادّة: هو قلع مع إثارة وتفريق. ومن مصاديقه: نسف الريح التراب، وانتساف البناء، ونسف البعير النبات بفيه، والتراب برجله في السير، ونسف المتسارّين أخذ ما أثاره كلّ منهما من المطالب.

 

والفرق بين المادّة وموادّ القلع والقمع والثوران والتفريق: أنّ النظر في القلع والقمع والنزع إلى جذب شي‌ء من محلّه. وفي الإثارة والتفريق الى جهة النشر. وفي النسف إلى الجهتين معًا. ويلاحظ في القلع: جذب شي‌ء من أصله حتّى لا يبقى منه باق.

 

وفي النزع: جذبه من محلّه فقط. وفي القمع: ضرب في إذلاله حتّى يسقط عن مقامه. وفي الإثارة: تهييج وتقليب شديد ونشر. وفي التفريق: تفكيك وفصل بين الأجزاء في قبال الجمع. وفي النسف: قلع شي‌ء مع الإثارة والتفريق معًا.

 

فظهر أنّ تفسير النسف بالقلع والكشف والسلب والفرق : للتقريب. {وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا} [طه : 97] اليَمّ بمعنى البحر، مأخوذ من العبريّة والسريانيّة.

 

يراد إنّ المعبود المعكوف عليه لا بدّ أن يكون مقتدرًا على حفظ نفسه، فضلاً عن حفظ العابدين العاكفين عليه، وإذا نرى عجزه عن ذلك المقدار من الاستطاعة والتمكّن القليل: فكيف يجوّز العقل الصحيح أن يتوجّه إليه ويستعان به ويعكف عليه.

 

فلنا أن نفنيه ونزيله بالإحراق والقلع وإثارة رماده الباقي وتفريقه في ماء البحر، حتّى لا يبقى منه أثر، بمرأى منكم ومنظر. فتشاهدون عاقبة أمر إلهكم ومقام قدرته ونفوذه.

 

{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا (105) فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا (106) لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا} [طه : 105 - 107] الوذر: الترك، وحذفت الواو للتخفيف. والقاع: أرض مستوية خالية عن الزرع، وقريب منها الأرض الصَفصف أي السهل المستوي. والأمت: الارتفاع والقلّة.

 

وسؤالهم هذا مرتبط بعقيدة القيامة، واستعجابهم من الجبال المرتفعة، وكيفيّة اندكاكها وانتسافها. فقال تعالى: يقلعها ويثيرها ويفرّقها فتصير الجبال مستوية مسطّحة كأنّها قد تغربلت بعد الاندكاك، ولم يبق منها ارتفاع ولا انخفاض.

 

{إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ (7) فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ (8) وَإِذَا السَّمَاءُ فُرِجَتْ (9) وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ} [المرسلات : 7 - 10] إن كان المراد من الموعود هو القيامة الكبرى: فيكون المعنى الطمس والانفراج والانتساف الكلّي التامّ في النجوم والسماء والجبال، بحيث يزول النظم ويختلّ عالم المادّة وتنقطع الارتباطات الدنيويّة. {يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ} [الزلزلة : 6] وإن كان المراد القيامة الصغرى القائمة للأفراد بموتهم: فيكون المعنى تحوّل عالمهم المادّي، ومواجهتهم بعالم لطيف ممّا وراء المادّي.

 

فهذا العالم المحسوس خارج عن مورد توجّههم واستفادتهم، فهو كالهباء المنثور والأرض السهلة المستوية الصفصف، لا يتجلّى في عالمهم كوكب ولا نبات ولا حيوان ولا طعام ولا أي لذّة جسمانيّة دنيويّة.

 

ولا فرق في النتيجة بين قيام القيامتين: فإنّ عالم المادّة والحياة الدنيا إذا انقضت أيّام حياتها والاستفادة من لذّاتها، وانقطعت عن برنامج الحياة الآخرة وتركت الآخرة بالكليّة: فلا يبقى فرق بين وجودها واضمحلالها، فبقاؤها وفناؤها على سواء.

______________________
- مصبا = مصباح المنير للفيومي ، طبع مصر 1313 هـ .

‏- مقا = معجم مقاييس اللغة لابن فارس ، 6 ‏مجلدات ، طبع مصر . 1390 ‏هـ.

 

 

 

 

 

 

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد