الذي قيل إنَّه كان متقدمًا في السن وكان يشدُّ حاجبيه عن عينيه بعصابة هو جابر بن عروة الغفاري ذكر ذلك الشيخ علي النمازي الشاهرودي في مستدركات علم الرجال وقال: -إن جابر بن عروة الأنصاري كان- "من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله شهد بدرًا وغيرها، وكان شيخًا كبيرًا تعصب بعصابة ترفع حاجبيه عن عينيه، فلما رأى غربة مولانا الحسين صلوات الله عليه استأذن فقال له الحسين: شكر الله سعيك يا شيخ. فقاتل وقتلَ جمعاً حتى استُشهد بين يديه" ثم أفاد رحمه الله أنَّه نقل ما ذكره عن كتاب الناسخ وأن صاحب كتاب الناسخ نقله عن أبي مخنف (1)
والظاهر أنَّ الرجل هو ذاتُه الذي ذكره القندوزي الحنفي -في ينابيع المودة- بعنوان عروة الغفاري حيث أفاد بقوله: ثم برز عروة الغفاري وكان شيخاً كبيراً شهد بدرًا وحنين وصفين، وقال له الحسين: "شكر الله لك أفعالك يا شيخ" ... ثم قتل رضوان الله عليه" (2)
وعلى أيِّ تقدير فالرجل بكلا العنوانين لم نجد له ذكراً في المصادر المتقدِّمة ضمن أنصار الحسين (ع) نعم أفاد ابن شهراشوب رحمه الله أنَّ ثمة رجلاً اسمه عبد الله بن عروة الغفاري كان ممَّن استُشهد مع الإمام الحسين (ع) في الحملة الأولى (3) والظاهر أنَّه ذاته الذي ذكره الشيخ الصدوق في الأمالي وأفاد في سياق تعداد وقائع مقتل الحسين (ع) أنَّه برز بعد مقتل حبيب بن مظاهر "عبد الله بن أبي عروة الغفاري وهو يقول:
قد علمت حقا بنو غفار
أني أذب في طلاب الثار
بالمشرفي والقنا الخطار(4)
وذكر ذلك أيضاً الفتال النيسابوري في روضة الواعظين (5) .
والظاهر أنَّ هذا الرجل ليس هو عبد الله الغفاري الذي قُتل مع أخيه عبد الرحمن والمعبَّر عنهما بالغفاريين وورد التسليم عليهما في زيارة الناحية (6) وإن كان يحتمل اتحاده مع عبد الله بن عروة الغفاري الذي ذكره الشيخ الصدوق....
وخلاصة القول إنَّ الذي قيل إنَّه شدَّ حاجبيه بعصابة عن عينيه لتقدُّمه في السنِّ هو جابر بن عروة الغفاري وأما حبيب بن مظاهر رضوان الله عليه فلم نجد من نسب له ذلك، نعم كان حبيب بن مظاهر أو ابن مظهِّر- كما هو الأرجح- شيخاً كبيراً ولعلَّ عمره الشريف قد تجاوز السبعين فقد أفاد السيد محسن الأمين في أعيان الشيعة أنَّ عمره الشريف يوم استشهاده بلغ خمساً وسبعين سنة إلا أنَّه نسب هذا القول إلى بعض المصادر المتأخرة (7) ولم نجد في المصادر المتقدِّمة مَن تصدى لتحديد مبلغ عمره.
هذا وقد نُسب إلى ابن الكلبي في جمهرة النسب أنَّه كان صحابيّاً وقال عنه ابن حجر في الإصابة في تمييز الصحابة: "له إدراك وعمر حتى قتل مع الحسين بن علي ذكره بن الكلبي" (8) ومعنى ذلك أنَّه أدرك الرسول (ص) وأنَّه تقدَّم في العمر وأفاد ذلك أيضاً يحيى بن حسين الحسني الشجري الجرجاني، في كتابه الأمالي (الأمالي الخميسية ) (9) أنَّ حبيب بن مظاهر كانت له صحبة من رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم وكذلك عدَّه حميد بن أحمد المحلي في الحدائق الورديَّة من الصحابة قال: وكانت له صحبة من رسول الله صلّى اللّه عليه وآله وسلّم (10)
نعم لم يذكره الشيخ الطوسي ضمن أصحاب النبيِّ (ص) وإنما ذكره في الرجال ضمن أصحاب أمير المؤمنين (ع) (11) وكذلك البرقي ذكره في أصحاب أمير المؤمنين (ع) وأفاد أنَّه كان من شرطة الخميس الذين ورد أنَّ أمير المؤمنين (ع) قال لهم: "تشرطوا إنَّما أشارطكم على الجنَّة، ولستُ أشارطكم على ذهبٍ ولا فضة، إنَّ نبينا صلَّى الله عليه وآله وسلم قال لأصحابه فيما مضى: تشرطوا فإنِّي لستُ أشارطكم إلا على الجنَّة" (12)
وورد عن الأصبغ بن نباتة - وكان من شرطة الخميس – كما في رجال الكشي- أنَّه سُئل فقيل له: كيف سُميتم شرطة الخميس يا أصبغ؟ قال: إنَّا ضمِّنا له الذبح وضمِنَ لنا الفتح، يعنى أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) (13)
وكان حبيب - كما في رجال الكشي- من السبعين الرجال الذين نصروا الحسين عليه السلام ولقوا جبال الحديد، واستقبلوا الرماح بصدورهم، والسيوف بوجوههم، وهم يُعرض عليهم الأمان والأموال فيأبون، ويقولون: لا عذر لنا عند رسول الله صلى الله عليه وآله إن قتل الحسين ومنا عين تطرف حتى قتلوا حوله (14)
كان حبيب شيخ الأنصار:
وأمَّا أنَّ حبيب بن مظاهر رضوان الله عليه كان شيخ الأنصار فالظاهر أنَّه كان كذلك فمضافاً إلى أنَّه كان مقدَّماً في قومه، وكان من شرطة الخميس الذين عاهدوا عليَّاً (ع) على الموت، وكان من خواصِّ أمير المؤمنين (ع) الذين أخذوا عنه علم المنايا (15) فمضافاً إلى كلِّ ذلك فإنَّ الحسين (ع) قد جعله قائداً على ميسرة أصحابه (16) وحين قتل هدَّ قتلُه الحسين (ع) وقال عند ذلك: "أحتسب نفسي وحماة أصحابي" (17)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- مستدركات علم الرجال - النمازي الشاهرودي- ج2/ 103.
2-ينابيع المودة – القندوزي الحنفي- ج3/ 74.
3-مناقب آل أبي طالب- ابن شهراشوب-ج3/ 260.
4- الأمالي- الصدوق-224 .
5- روضة الواعظين- الفتال النيسابوري- ص 178.
6- المزار - المشهدي- ص 498، إقبال الأعمال- السيد ابن طاووس-ج3/ 78.
7- أعيان الشيعى- السيد محسن الأمين-ج4/ 554.
8- الإصابة في تمييز الصحابة- ابن حجر- ج2/ 142،
9-الأمالي (الأمالي الخميسية)- يحيى بن حسين الحسني الشجري الجرجاني - ج1/ 226.
10-الحدائق الوردية في مناقب الأئمة الزيدية - حميد بن أحمد المحلي- ج1/ 210. ص ٢١٠.
11- الرجال- الشيخ الطوسي- ص 60
12-الرجال- أحمد بن محمد بن خالد البرقي- ص 3، 4.
13- اختيار معرفة الرجال (رجال الكشي) - الشيخ الطوسي- ج1/ 321. الاختصاص- الشيخ المفيد- ص 65.
14- اختيار معرفة الرجال (رجال الكشي) - الشيخ الطوسي- ج1/ 293.
15- اختيار معرفة الرجال (رجال الكشي) - الشيخ الطوسي- ج1/ 292.
16- الإرشاد- المفيد ج2/ 95. أنساب الأشراف – البلاذري- ج3/ 187 . تاريخ الطبري الطبري-ج4/
17-تاريخ الطبري- الطبري- ج4/ 335. الكامل في التأريخ- ابن الأثير- ج4/ 71.
الشيخ محمد صنقور
الشيخ محمد مهدي شمس الدين
السيد عباس نور الدين
عدنان الحاجي
السيد عبد الأعلى السبزواري
حيدر حب الله
الشيخ فوزي آل سيف
الشيخ محمد جواد مغنية
الشيخ جعفر السبحاني
السيد منير الخباز القطيفي
زهراء الشوكان
حسين حسن آل جامع
الشيخ علي الجشي
عبدالله طاهر المعيبد
حبيب المعاتيق
شفيق معتوق العبادي
جاسم بن محمد بن عساكر
رائد أنيس الجشي
ناجي حرابة
السيد رضا الهندي
حبيب شيخ الأنصار
البكاء على الإمام عليه السلام يحيي النفوس
لو بيدي يا حسين
اسم الله عليهم
الشبان والشيوخ في الثّورة الحسينيّة (ع)
البكاء على الحسين (ع) ودوره في إحياء الأمة (3)
هاجس الحرّ
حبيب بن مظاهر: الشّيخ الشّهيد
التوهّم الباطل بالانتصار وسحق الدّين بقتل أهله
معنى: أنّ الحسين (ع) وارث رسالات الأنبياء