روي أنّ أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه، قال في وصيّة لابنه محمّد بن الحنيفة رضي الله عنه:
«لَا تَقُلْ مَا لَا تَعْلَمُ، بَلْ لَا تَقُلْ كُلَّ مَا تَعْلَمُ، فَإِنَّ اللَّه تبارَكَ وتَعالى قَد فَرَضَ عَلَى جَوَارِحِكَ كُلِّهَا فَرَائِضَ يَحْتَجُّ بِهَا عَلَيْكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَسأَلُكَ عَنها، وذَكَّرَها، ووَعَظَها، وحَدَّثَها، وأَدَّبَها، ولم يَتْركْها سُدًى، فقال: ﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا﴾ (الإسراء:36).
وقال عَزَّ وجَلَّ: إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ (النور:15).
ثُمَّ استعبَدَها بِطاعةِ الله عَزَّ وَجَلَّ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ (الحج:77). فَهذِهِ فَريضةٌ جامِعَةٌ واجِبَةٌ على الجَوارِحِ.
وقال عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا﴾ (الجن:18) يعني بِالمَساجِدِ: الوَجه، واليَدَين، والرُّكبَتَين، والإِبْهامَين. وقال عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ..﴾ (فصّلت:22) يعني بِالجلود، الفُروج.
ثُمَّ خَصَّ كُلَّ جارِحَةٍ مِن جَوارِحِكَ بِفُروضٍ وَنَصَّ عَلَيها.
* فَفَرَضَ على السَّمعِ أنْ لا يُصغِيَ بِه إلى المَعاصي، فقَالَ عَزَّ وجَلَّ: ﴿وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آَيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ..﴾ (النساء:140)، وقَالَ عَزَّ وجَلَّ: ﴿وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آَيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ..﴾ (الأنعام:68).
ثمّ اسْتَثْنَى عَزَّ وَجَلَّ مَوْضِعَ النِّسيانِ، فَقالَ: ﴿..وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ (الأنعام:68). وقَالَ عَزَّ وجَلَّ: ﴿فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ (الزمر:17-18). وقَالَ عَزَّ وجَلَّ: ﴿..وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا﴾ (الفرقان:72) وقَالَ عَزَّ وجَلَّ: ﴿وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ..﴾ (القصص:55). فَهذا مَا فَرَضَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ على السَّمْعِ وهُو عَمَلُه.
* وفَرَضَ على البَصَرِ أنْ لا يَنظُرَ إلى مَا حَرَّمَ الله عَزَّ وَجَلَّ. فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ..﴾ (النور:30)، فَحَرَّم أنْ يَنظُرَ أَحَدٌ إلى فَرْجِ غَيْرِه.
* وفَرَضَ على اللّسانِ الإقرارَ والتّعبيرَ عنِ القَلبِ بِما عُقِدَ عليه، فقَالَ عَزَّ وجَلَّ: ﴿قُولُوا آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا..﴾ (البقرة:136). الآية. وقَالَ عَزَّ وجَلَّ: ﴿..وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا..﴾ (البقرة:83).
* وفَرَضَ على القَلبِ وهُوَ أَميرُ الجَوارِحِ، الّذي بِهِ تَعقِلُ وتَفْهَمُ، وتَصْدُرُ عن أَمْرِهِ ورَأْيِهِ، فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿..إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ..﴾ (النحل:106) - الآية - وقالَ عَزَّ وَجَلَّ حِيَنَ أَخبَرَ عَن قَوْمٍ أُعطُوا الإيمانَ بِأَفواهِهِم وَلَمْ تُؤمِنْ قُلوبُهُم، فقال تبارك وتعالى: ﴿..الَّذِينَ قَالُوا آَمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ..﴾ (المائدة:41) وقَالَ عَزَّ وجَلَّ: ﴿..ألَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ (الرعد:28). وقَالَ عَزَّ وجَلَّ: ﴿..وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ..﴾ (البقرة:284).
* وفرض على اليدين أنْ لا تُدْنِيهِما إلى مَا حَرَّمَ الله عَزَّ وَجَلَّ عَلَيكَ، وأَنْ تَستَعمِلَهُما بِطاعَتِه، فقالَ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ..﴾ (المائدة:6). وقَالَ عَزَّ وجَلَّ: ﴿فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ..﴾ (محمّد:4).
* وفَرَضَ على الرِّجلَينِ أَنْ تَنقُلَهُما في طاعَةِ الله، وَلا تَمْشي بِهِما مَشْيَ عاصٍ، فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا * كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا﴾ (الإسراء:37-38). وقَالَ عَزَّ وجَلَّ: ﴿الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ (يس:65).فَأَخبَرَ عَزَّ وَجَلَّ عَنها أَنَّها تَشهَدُ على صاحِبِها يَومَ القِيامة.
فَهَذا ما افْتَرَضَ الله تبارَكَ وتَعالى على جَوارِحِكَ، فَاتَّقِ اللهَ يا بُنَيّ واستَعمِلْها بِطاعَتِهِ ورِضوانِهِ، وَإِيَّاكَ أَنْ يَراكَ اللهُ تعالى ذِكرُهُ عِندَ مَعصِيَتِه أوْ يَفقدَكَ عِندَ طاعَتِه، فَتَكون مِن الخاسِرين.
* وعليكَ بِقراءَةِ القُرآنِ والعَمَلِ بِما فِيهِ، وأَمرِهِ ونَهيِهِ، والتَّهَجُّدِ بِهِ وتِلاوتِه، فَإنّهُ عَهْدٌ مِنَ اللهِ تَبارَكَ وتَعالى إلى خَلقِهِ، فَهُوَ واجِبٌ على كُلِّ مُسلِمٍ أنْ يَنظُرَ كُلَّ يَومٍ في عَهْدِهِ وَلَوْ خَمسينَ آية.
واعلم أنَّ درجات الجَنّة على عَدَدِ آياتِ القُرآنِ، فإِذا كانَ يَومُ القِيامَةِ، يُقالُ لِقارِئِ القُرآنِ: اِقْرَأْ وارْقَ، فَلا يَكونُ فِي الجَنَّةِ بَعدَ النّبِيّينَ والصِّدِّيقينَ أَرْفَعَ درَجة مِنهُ».
الشيخ عبد الله الجوادي الآملي
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
الشيخ حسن المصطفوي
الدكتور محمد حسين علي الصغير
الشيخ محمد صنقور
الشيخ علي رضا بناهيان
الشيخ محمد مهدي الآصفي
الفيض الكاشاني
السيد جعفر مرتضى
الشيخ جعفر السبحاني
حبيب المعاتيق
فريد عبد الله النمر
حسين حسن آل جامع
عبدالله طاهر المعيبد
ناجي حرابة
أحمد الرويعي
حسين آل سهوان
أسمهان آل تراب
أحمد الماجد
علي النمر
علماء يكتشفون أن الكافيين يُفعّل مفتاحًا خلويًّا قد يُبطئ الشيخوخة
أيها الشباب احذروا
التشاور مع الشباب
آيات الله في خلق الجبال (1)
معنى (عضد) في القرآن الكريم
الشّيخ صالح آل إبراهيم: إصلاح النّفس أساس كلّ تغيير إيجابيّ
(سباحة في بحر الوجود) جديد الكاتب فاضل الجميعي
(فنّ التّخطيط الإستراتيجيّ بعدسة هندسة الفكر) جديد الكاتب عبد المحسن صالح الخضر
تشخيص المجاز العقلي في القرآن وعند العرب
معنى قوله تعالى: ﴿فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي﴾