مقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
السيد محمد باقر الحكيم
عن الكاتب :
عالم فقيه، وأستاذ في الحوزة العلمية .. مؤسس المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق ، استشهد سنة٢٠٠٣

الزهراء (ع) ودور المرأة في المجتمع الصالح (2)

الدور الثاني ـ حرکة التکامل الفردي

 

وهو من الأدوار المهمة التي یمکن أن نجد معالمها فی شخصیة الزهراء (ع) بصورتها الکاملة، ونفهم من خلاله جانبًا آخر من أدوار المرأة في الحیاة الإنسانیة، هو دور التکامل الفردي في الحرکة نحو الله سبحانه وتعالى.

 

لقد أراد الله تبارك وتعالى لهذا الإنسان أن یتحرك باتجاه الکمالات المطلقة، التي یتصف بها الله سبحانه وتعالى. وبطبیعة الحال لا یمکن للإنسان أن یصل إلی ذلك الکمال المطلق، وإنما أرید له أن یتحرك باتجاه ذلك الکمال، باتجاه العلم، لأجل أن یکون في صراط العلم الإلهي الکامل، وأرید له أن یتحرك باتجاه الجود وفي طریق الإحسان والخیر، وباتجاه کل ما یوصله للکمالات الإلهیة من خلال الخلوص في العبودیة لله سبحانه وتعالى، کما یبیّن ذلك القرآن الکریم: «وما أُمروا إلاّ لیعبدوا الله مخلصین له الدین حنفاء ویقیموا الصلاة ویؤتوا الزکاة وذلك دین القیّمة» (البينة 5).

 

هذا الأمر هو الذي یعبر عن هذه المسیرة في حرکة الإنسان نحو التکامل، وعندما نأتي إلی الزهراء (ع) نجد فیما نجد من صفاتها هذه الخصیصة، وهذا الأمر الذي أکدت علیه الآیات الشریفة التي وردت في سورة الدهر، عندما تحدّثت عن أولئك العباد الأبرار الذین وصلوا إلى أعلی درجات التکامل، في حرکة العبودیة لله تعالى، والتقوی والارتباط بالله سبحانه وتعالى، فالزهراء (ع) مثلت أیضًا المحور في هذه الحرکة التي تحدث عنها القرآن الکریم.

 

هذا التحرك في طریق التکامل هو من الأمور ذات العلاقة بدور المرأة في الحیاة، فکما أنّ الرجل لا بدّ له أن یتحول في حرکته إلى عبد صالح مخلص في عبودیته لله سبحانه وتعالى، وأن یتصف بالدرجات الکمالیة العالیة من التقوی والصلاح والعلم والتواضع والصبر والإحسان والجود والبذل والعطاء، إلى غیر ذلك من الدرجات العالیة التي دعا إلیها الإسلام في مسیرة کمالات الإنسان، وجهاد النفس والرقي نحو الله تعالى، کذلك أرید للمرأة في أدوارها أن تسلك هذا الطریق وأن تتکامل في هذا الجانب، لأن قابلیتها في الرقي والکمال والوصول إلى الله تعالى قابلیة کاملة، ومؤهلاتها في ذلك مؤهلات کاملة.

 

ولعلّ ترکیز القرآن الکریم في هذا الجانب فیما یتعلق بالسیدة الصدیقة فاطمة الزهراء (س)، وکذلك بالنسبة إلى السیدة مریم (ع) عندما یخاطبها القرآن: «یا مریم اقنتي لربك واسجدي وارکعي مع الراکعین» (آل عمران 43)، رغم أنها (ع) کانت من القانتین والساجدین والراکعین وکذلك الحال مع السیدة آسیة زوجة فرعون في إخلاصها وإقبالها علی الله تعالى، وفي نظرتها إلى الحیاة الآخرة، وطلبها في أن یبني الله لها بیتًا في الجنة، وینجیها من غرور السلطان وزخارف هذه الدنیا التي کانت تحیط بها من کل جانب ومکان، باعتبارها امرأة أعظم ملوك العالم فرعون الذي کان یملك الدنیا، مع کل ذلك تنازلت عن هذه الزخارف والبهارج وجمیع اللذات وجعلت هدفها ینحصر في أن یکون لها بیت في الجنة وأن ینجیها الله من فرعون وعمله.

 

هذا الأمر حینما یرکز علیه القرآن الکریم، یرکز علیه لیعطي للمرأة هذا الدور أي الاهتمام بهذا الجانب في حرکتها الإنسانیة، إذ إن المرأة فی حرکتها الإنسانیة یمکنها -کما یمکن للرجل- أن تأخذ من شهوات هذه الدنیا وزینتها ما تشاء في الحدود الشرعیة: «قل من حرّم زینة الله التی أخرج لعباده والطیبات من الرزق قل هي للذین آمنوا في الحیاة الدنیا خالصةً یوم القیمة کذلك نفصّل الآیات لقوم یعلمون» (الأعراف 32)، وهو أمر أحلّه الله تبارك وتعالى لعباده من الرجال والنساء، ولکن الاستغراق في هذه اللذات وهذه الشهوات، والاستغراق في زینة الحیاة الدنیا، بحیث یمثّل ذلك الهموم الاجتماعیة العامة للوسط النسوي، هو مما لا یریده الله تعالى لهذه المرأة.

 

ومن الطبیعی أن نحفظ في حرکة المرأة التوازن بین إشباع هذه الحاجات والرغبات، بما یحفظ للمجتمع حیویته وقدرته علی الحرکة، والحذر من السقوط في مستنقع هذه الشهوات والرغبات، والاستغراق في الزینات بحیث تتحول -في حالة السقوط- کل هذه القضایا إلى هموم في أوساطنا الاجتماعیة والفردیة وأوساط المرأة. ونجد في مجتمعاتنا الحاضرة -مع الأسف- الکثیر من الرجال الذین وقعوا في هذا المستنقع، کما وقعت فیه الکثیر من النساء بحیث صارت قضیة الزینة والزخارف الدنیویة هي القضیة الأولى التي تتحدث عنها النساء، وتتداولها المجتمعات الخاصة بهن مثلاً، أو ما یشبه ذلك من الإسراف فی مجالس الاستقبال أو حفلات الزواج.

 

والشي‏ء المهم الذی لابد أن ننتبه إلیه، وتنتبه إلیه المرأة في موضوع دورها الکبیر في هذا المجال، هو أن النصوص الشریفة التي وردت تتحدث عن الزهراء (س) في حیاتها الخاصة الفردیة، وفي لبسها وأکلها وشربها، وفي زهدها بهذه الأمور والزینات، أرید منها إعطاء هذا التوجیه الخاص في حرکة المرأة ودورها في الحیاة.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد