
إنّ التضرّع والدعاء سلاح المؤمن الحقيقيّ: «اغفر لمن لا يملك إلّا الدعاء»(1)؛ لأنّ جوهر الدّعاء هو الاعتراف بالفقر والحاجة إلى الغنيّ المطلق؛ إذ ليس ما سوى الله إلّا الفقر المحض: ﴿أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ﴾ (فاطر: 15). ومضافاً إلى اضطلاع المؤمن المنتظر بالوظائف العمليّة الممهّدة لظهور إمام العصر عجل الله تعالى فرجه الشريف، ينبغي أن لا يغفل عن الدعاء للإمام الغائب عن الأنظار عجل الله تعالى فرجه الشريف.
دعاء المنتظرين للإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف
«دعاء العهد» هو أحد الأدعية الشريفة الواردة عن الإمام الصادق عليه السلام، وهو بالإضافة إلى مضامينه وإرشاداته القيّمة، يُعدّ أحد أهمّ الأدعية المخصوصة بمنتظري الإمام المهديّ الموجود الموعود عجل الله تعالى فرجه الشريف؛ إذ يتضمّن جملة من المعارف التوحيديّة، ويؤكّد على ضرورة الارتباط الدائم بإمام العصر عجل الله تعالى فرجه الشريف، ولزوم الاستقامة واستمرار الدفاع عنه، مع الإشارة إلى الخطوط العريضة لبرنامج حكومة إمام العصر عجل الله تعالى فرجه الشريف ونحو ذلك من المعارف السامية الواردة في هذا الدعاء الشريف.
توحيد وإقرار
وقد وردت في الفقرة الأولى من هذا الدعاء الملكوتيّ كلمة التوحيد، والثناء على الله، والإقرار بربوبيّته، وبإرسال الرسل وإنزال الكتب وتشريع الأديان الإلهيّة التي هي من تجلّيات ربّ العزّة. إذ جاء في نصّ الدعاء: «اللَّهُمَّ رَبَّ النُّورِ الْعَظِيمِ، وَرَبَّ الْكُرْسِيِّ الرَّفِيعِ، وَرَبَّ الْبَحْرِ الْمَسْجُورِ، وَمُنْزِلَ التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ وَالزَّبُورِ، وَرَبَّ الظِّلِّ وَالْحَرُورِ، وَمُنْزِلَ الْفُرْقَانِ الْعَظِيمِ، وَرَبَّ الْمَلاِئكَةِ الْمُقَرَّبِينَ وَالْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ».
التوحيد ومعرفة الإمام
ثمّ يبدأ بالتوسّل بعظمة الأسماء الإلهيّة وسرمديّة ذات الباري، وطلب إبلاغ الإمام «القائم» بأمر الله عليه السلام. وهذا المقطع يُبرز مدى الترابط بين الإمام والتوحيد إلى جانب انحسار طريق معرفة الإمام في الارتباط بهذا المقام المنيع. والوجه فيه ما تقدّم من: أنّ مَن لم يعتقد بتوحيد الله وربوبيّته، لا يمكنه أن يعرف الإمام أو أن يرتبط به. «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِاسْمِكَ الْكَرِيمِ، وَبِنُورِ وَجْهِكَ الْمُنِيرِ (...) بِاسْمِكَ الَّذِي أَشْرَقَتْ بِهِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرَضُونَ (...) يَا حَيّاً قَبْلَ كُلِّ حَيٍّ (...) يَا حَيُّ لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ».
العهد وبذل المهجة في سبيله
ثم أُشير في الفقرة اللاحقة من هذا الدعاء الشريف إلى عقد الداعي المنتظِر العهدَ مع إمامه وإشهاد الله عليه؛ لغرض توكيد هذا العهد الذي على أساسه يكون الداعي في كلّ زمانٍ ومكانٍ من أنصار إمام العصر وأتباعه الذابّين عنه والعاملين بسنّته وسلوكه، سائلاً الله أن يسدّده ليبذل مهجته في هذا الطريق:
«اللَّهُمَّ إِنِّي أُجَدِّدُ لَهُ فِي صَبِيحَةِ يَوْمِي هَذَا وَمَا عِشْتُ مِنْ أَيَّامِي، عَهْداً وَعَقْداً وَبَيْعَةً لَهُ فِي عُنُقِي، لا أَحُولُ عَنْهَا وَلا أَزُولُ أَبَداً. اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْ أَنْصَارِهِ وَأَعْوَانِهِ وَالذَّابِّينَ عَنْهُ وَالْمُسَارِعِينَ إِلَيْهِ فِي قَضَاءِ حَوَائِجِهِ وَالْمُمْتَثِلِينَ لِأَوَامِرِهِ وَالْمُحَامِينَ عَنْهُ وَالسَّابِقِينَ إِلَى إِرَادَتِهِ وَالْمُسْتَشْهَدِينَ بَيْنَ يَدَيْهِ. اللَّهُمَّ إِنْ حَالَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ الْمَوْتُ الَّذِي جَعَلْتَهُ عَلَى عِبَادِكَ حَتْماً مَقْضِيّاً فَأَخْرِجْنِي مِنْ قَبْرِي مُؤْتَزِراً كَفَنِي شَاهِراً سَيْفِي مُجَرِّداً قَنَاتِي مُلَبِّياً دَعْوَةَ الدَّاعِي فِي الْحَاضِرِ وَالْبَادِي».
الدعاء بتعجيل الفرج
ثمّ يطلب الداعي من الله تعالى أن ينال زيارة مظهر الجمال والجلال الإلهيّ، مع الإشارة إلى ظهور الفساد في البرّ والبحر وطلب تعجيل فرج حجّة الله وظهوره.
«اللَّهُمَّ أَرِنِي الطَّلْعَةَ الرَّشِيدَةَ وَالْغُرَّةَ الْحَمِيدَةَ، وَاكْحُلْ نَاظِرِي بِنَظْرَةٍ مِنِّي إِلَيْهِ، وَعَجِّلْ فَرَجَهُ، وَسَهِّلْ مَخْرَجَهُ، وَأَوْسِعْ مَنْهَجَهُ (... ...) وَاجْعَلْهُ اللَّهُمَّ مَفْزَعاً لِمَظْلُومِ عِبَادِكَ (... ...) اللَّهُمَّ اكْشِفْ هَذِهِ الْغُمَّةَ عَنْ هَذِهِ الأُمَّةِ بِحُضُورِهِ، وَعَجِّلْ لَنَا ظُهُورَهُ، إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً، وَنَرَاهُ قَرِيباً، بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ»(2).
ختاماً، إنّ فقرات هذا الدعاء التي تصف حالات المنتظرين الحقيقيّين، ترشد السالكين إلى جوانب أخرى من أبعاد الانتظار الحقيقيّ وتوضّح أنّ حياة المجتمع رهينة ظهور آثار إمام العصر وعناياته عجل الله تعالى فرجه الشريف. وأمّا الفقرات الأخيرة من هذا الدعاء فهي ناظرة إلى برنامج حكومة الإمام الحجّة عجل الله تعالى فرجه الشريف، وفيها إشارة إلى جملة من الأمور التي سيقوم بها آخر حجّة إلهيّة حين ظهوره.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) إقبال الأعمال، ابن طاووس، ج3، ص337.
(2) البلد الأمين، الكفعمي، ص83.
أقسام العلّة
الشيخ محمد جواد مغنية
البحث التاريخي
السيد جعفر مرتضى
معنى (نضد) في القرآن الكريم
الشيخ حسن المصطفوي
الكلمات في القرآن الكريم
الشيخ جعفر السبحاني
الصورة والفاعلية التواصلية
أثير السادة
لمحات من عالم البرزخ
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
حياتنـا كما يرسمها الدين
السيد علي عباس الموسوي
اتجاهات التفسير في المكي والمدني
الشيخ محمد علي التسخيري
الألفاظ الدالة على الأصوات في القرآن الكريم
الدكتور محمد حسين علي الصغير
كيف تنمو دوافع الخير والكمال في أبنائنا؟
السيد عباس نور الدين
السيّدة المعصومة: ملتقى الجمال والجلال
حسين حسن آل جامع
على غالق
حبيب المعاتيق
أيقونة في ذرى العرش
فريد عبد الله النمر
سأحمل للإنسان لهفته
عبدالله طاهر المعيبد
خارطةُ الحَنين
ناجي حرابة
هدهدة الأمّ في أذن الزّلزال
أحمد الرويعي
وقف الزّمان
حسين آل سهوان
سجود القيد في محراب العشق
أسمهان آل تراب
رَجْعٌ على جدار القصر
أحمد الماجد
خذني
علي النمر