مقالات

الجود والبخل‏


الفيض الكاشاني ..
إنّ من ثمرة الزهد السخاء ، ومن ثمرة الرغبة في الدنيا البخل ، فالمال إن كان مفقودًا ينبغي أن يكون حال العبد القناعة وإن كان موجودًا ينبغي أن يكون حاله السّخاء واصطناع المعروف، فإن السخاء من أخلاق الأنبياء وهو أصل من أصول النجاة.
وعنه عبّر النّبي (صلى الله عليه وآله) حيث قال : «السّخاء شجرة من شجر الجنّة أغصانها متدلية على الأرض فمن أخذ منها غصنا قاده ذلك الغصن إلى الجنّة»(1) ، وقال (صلى الله عليه وآله): قال جبرئيل : قال : قال اللّه تعالى «إن هذا دين ارتضيته لنفسي ولن يصلحه إلا السخاء وحسن الخلق فأكرموه بهما ما استطعتم» (2) ، وقال (صلى الله عليه وآله): «ما جبل اللّه أوليائه إلا على السّخاء وحسن الخلق»(3) ، وقال : «إن من موجبات المغفرة بذل الطعام وإفشاء السّلام وحسن الكلام»(4) ، وقال : «تجافوا عن ذنب السّخي فإن اللّه أخذ بيده كلّما عثر أقاله»(5) ، وقال (صلى الله عليه وآله): «طعام الجواد دواء وطعام البخيل داء»(6) ، وقال (صلى الله عليه وآله): «إن السّخي قريب من اللّه قريب من الناس قريب من الجنة ، بعيد من النار ، وإن البخيل بعيد من اللّه بعيد من النّاس بعيد من الجنّة ، قريب من النار»(7)، وجاهل سخي أحب إلى اللّه من عابد بخيل وأدوى الداء البخل وأرفع درجات السخاء الإيثار، وهو أن يجود بالمال مع الحاجة قال اللّه تعالى في معرض الثناء : {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر : 9] .
وقال النبيّ (صلى الله عليه وآله): «أيما امرء اشتهى شهوة فرد شهوته وآثر على نفسه غفر له»(8).
وينبغي للفقير أن لا يمنع بذل قليل ما يفضل عنه ، فإن ذلك جهد المقل وفضله أكثر من أموال كثيرة تبذل من ظهر غنى وقال النبيّ (صلى الله عليه وآله): «درهم من الصّدقة أفضل عند اللّه من مأة ألف درهم قيل وكيف ذلك يا رسول اللّه؟ ، قال : أخرج رجل من عرض ماله مأة ألف يتصدق بها وأخرج رجل درهما من درهمين لا يملك غيرهما طيبة بها نفسه ، فصار صاحب الدرهم أفضل من صاحب مأة ألف درهم»(9).
واعلم أن الإمساك حيث يجب البذل بخل والبذل حيث يجب الإمساك تبذير، وبينهما وسط هو المحمود، وينبغي أن يكون السخاء والجود عبارة عنه، إذ لم يؤمر رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) إلا بالسخاء وقيل له : {وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ} [الإسراء : 29] ، وقال تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} [الفرقان : 67] ، فالجود وسط بين الاقتار والإسراف، وبين البسط والقبض وهو أن يقدر بذله وإمساكه بقدر الواجب، ولا يكفي أن يفعل ذلك بجوارحه ما لم يكن قلبه طيّبًا به غير منازع له فيه، بل ينبغي أن لا يكون لقلبه علاقة مع المال إلا من حيث يراد المال له ، وهو صرفه إلى ما يجب صرفه إليه شرعًا أو مروة وعادة، وواجب المروة والعادة يختلف في الأحوال والأشخاص فيستقبح من الغنى المضايقة ما لا يستقبح من الفقير ، ومع الأهل والأقارب ما لا يستقبح من الأجانب ، ومع الجار ما لا يستقبح مع البعيد ، وفي الضيافة ما لا يستقبح أقل منه في المبايعة والمعاملة إلى غير ذلك.
وبالجملة حد البخل هو إمساك المال عن غرض ذلك الغرض، وهو أهم من حفظ المال وفي مقابلة السخاء والجود.
___________________
1- تنبيه الخواطر : ج 1 ، ص 170.
2- تنبيه الخواطر : ج 1 ، ص 170.
3- الترغيب و الترهيب : ج 3 ، ص 383.
4- تنبيه الخواطر : ج 1 ، ص 170.
5- تنبيه الخواطر : ج 1 ، ص 171.
6- احياء علوم الدين : ج 3 ، ص 230.
7- تنبيه الخواطر : ج 1 ، ص 171 ، و ارشاد القلوب : ص 136.
8- تنبيه الخواطر : ج 1 ، ص 172.
9- إحياء علوم الدين : ج 4 ، ص 192.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة