د. جاسم العلوي
مِن الإدراك الحاسوبي إلى اتحاد العاقل والمعقول
روجر بينروز العالم الرياضي والفيزيائي المعروف، في كتابه “ظلال العقل”، يقترب من إشكالية العلاقة بين الفيزياء والعقل بالرجوع لعالم المطلقات الأفلاطونية. يُقسِّم روجر العوالم إلى ثلاثة عوالم متباينة: العالم الفيزيائي، والعالم العقلي، والعالم الأفلاطوني.. وهذه العوالم الثلاثة تتواصل فيما بينها لتشكل وعينا.
فعالم العقل لدينا يتَّصل بالعالم الأفلاطوني الذي يَحْوِي مِثل هذه الكائنات الرياضية ذات المعاني الكلية المطلقة، ويستعين بها لفهم العالم الفيزيائي. هنا، يُحاول روجر أن يفسِّر الوعي لدينا بالمطلقات أو الكليات المعرفية، والتي ليست هي في ذاتها مُتشخِّصة في الخارج. فما يقوم به العقل الفعَّال من انتزاع هذه المعاني الكلية -كما يقول به الفلاسفة- يخصص روجر لها عالمًا خاصًّا هو العالم الأفلاطوني. هي محاولة لكنها في الحقيقة لا تزيد على أنها تُعيدنا دائما للمربع الأول. لكن في كتابه آنف الذكر، يضيف للموضوع شيئًا مُهمًّا، وهو أنَّ الإدراك الإنساني لا يُماثل الذكاء الصناعي، وليس مما يُمكن تمثيله حاسوبيًّا، بل هو شيء مُختلف تمامًا، وقبل أن نستعرض مُناقشة روجر لدعواه دعونا نستوضح المعنى، كما يُحدده روجر نفسه، من أن الإدراك الإنساني غير حاسوبي: يعني أنه خارج نطاق أو وراء القدرة على التمثيل الحاسوبي المبني على المبادئ المنطقية، وهي البنية الأساسية للأجهزة الحاسوبية.
يستعينُ روجر بالرياضيات من أجل أن يُثبت أنَّ الإدراك الإنساني؛ بما يتضمنه من عنصر الفهم لا يُماثل الإدراك الحاسوبي. أما: ولماذا الرياضيات؟ فينظر روجر أولا إلى الإدراك الرياضي على أنه لا يختلف عن بقية الإدراكات الأخرى. ويرى أنَّ الإدراك الرياضي شيء ليس حسابيًّا، بل هو تفرُّد إنساني خاص، يعتمد على مُقدرتنا على الوعي بالأشياء. وثانيًا: يُحاول روجر من خلال أمثلة رياضية بسيطة، كما سنرى بعد قليل، أن يضعنا أمام ظاهرة الوعي لدى الإنسان، والتي لا تشبه الذكاء الصناعي البتة. فأقوى الحواسيب دقة وقدرة على إجراء عمليات رياضية مُعقدة، والتي تفوق قدرة الإنسان لا تتمتَّع بالوعي الإنساني. ولتوضيح مقصود روجر دعُونا نقتبس بعض الأمثلة الرياضية التي تشمل فقط: إجراء حسابات جبرية، وتنفيذ عمليات منطقية، كما ورد في كتابه “ظلال العقل”. ولجعل المناقشة أكثر عمومية، فإنَّ روجر يفترض وجود جهاز كمبيوتر مثالي يُسمى “آلة تورنج”، وهذا الجهاز لديه قدر غير محدود من مساحة التخزين، ويستطيع الاستمرار في الحساب إلى الأبد، دون أي أخطاء، ودون أن يبلى على الإطلاق. يضع روجر وعينا الإنساني، وهذه الآلة أمام هذا العملية الحسابية المتناهية؛ وهي: اذكر عددًا طبيعيًّا لا يكون حاصلَ جمع ثلاثة أعداد مُربَّعة.
لن يختلف الذكاء الإنساني على الذكاء الصناعي؛ فكلاهما سيُنتج الأرقام الأولى، لكنَّ العملية ستتوقف بعد ذلك عند العدد 7؛ فهو أصغر عدد لا ينتج عن جمع ثلاثة أرقام مربعة.
لكنْ تُوجد حسابات مُعيَّنة لا تنتهي أبدًا؛ مثل المسألة التالية: اذكر عددًا لا يساوي حاصل جمع أربعة أعداد مُربعة. ففي مثل هذا السؤال، سيقف جهاز الكمبيوتر عاجزًا عن الإثبات، وسيظل ببساطة يحاول للأبد. أما الإنسان، فسيُدرك بعد أن يستخدم أسلوبه العقلي أنَّ أيَّ عدد يُمكن التعبير عنه كمجموع أربعة أرقام، وقد تم إثبات هذا المطلب في القرن الثامن عشر على يد عالم الرياضيات لاجرانج. مثال آخر: عندما نطلب من هذا الجهاز المثالي أن يوجد عددًا فرديًّا يُساوي حاصل جمع عددين زوجين، فإن الجهاز سيستمر في العملية الحسابية إلى الأبد. لكن الإنسان يُدرك أنَّ هذا الرقم ليس له وجود؛ ذلك لأنَّ جمع عددين زوجيين يساوي عددًا زوجيًّا.
ومثال آخر يسُوقه روجر للتدليل على أنَّ العقل يعمل بطريقة مختلفة عن الحاسوب، وأن الإدراك الإنساني يتمتع بحدس رياضي لا يُوجد شبيه له في الحاسوب؛ فإذا وضعنا السؤال التالي: اذكر عددًا زوجيًّا أكبر من 2؛ بحيث لا يكون حاصل جمع عددين أوَّليين؟ لا يُعتقد أنَّ لهذه العملية نهاية، لكن هذا ليس إلا مجرد حدس يُعرف باسم حدسية جولدباخ (Goldback).
فبأيَّة وسيلة يقنع الرياضيون أنفسهم بأنَّ هناك عمليات رياضية غير منتهية؟!
وهل يستخدم علماء الرياضيات خوارزمية مُعينة لنسميها “الخوارزمية أ” حتى يتوصلوا إلى أن بعض العمليات الحسابية غير مُنتهية؛ وبالتالي ليس عليهم القيام بأية عمليات حسابية في الوقت الذي تظل آلة تورنج تقوم بهذه العمليات إلى الأبد. يحاول روجر أن يصل إلى نتيجة مفادها أنه لا وجود لـ”الخوارزمية أ” التفكير؛ وبالتالي فإن الإدراك الإنساني بما يحويه من فهم وذكاء يختلف تماما عن الحاسوب. وأن الحدس الرياضي لا يُمكن ترميزه في صورة بعض العمليات الحسابية التي تستطيع أن تعرف أنها صحيحة.
ويعتقد روجر أنَّ الحواسيب تُعزِّز الذكاء الإنساني؛ بما لها من سرعات تفوق قدرات البشر في إجراء العمليات الحسابية، وبما لها من قدرات تخزينية هائلة، إلا أن الإنسان كينونة معقدة جدًّا، وأن محكاة الحاسوبي لا تنتج إدراكًا مشابهًا للإنسان.
يضع روجر أربع فرضيات للعلاقة بين التفكير الواعي وعملية الحساب:
1- أن التفكير في مجمله هو تنفيد لبعض الحسابات؛ وبالتالي إذا أجرينا العمليات الحسابية المناسبة كان الوعي هو النتيجة.
2- يُمكننا محاكاة نشاط المخ، عندما يكُون صاحبه واعيًا بشيء ما. ورغم أننا نستطيع محاكاة الدماغ، فإن تلك المحاكاة لا يمكنها أن تنتج وعيًا.
3- لا يُمكن محاكاة نشاط الدماغ، ويوجد شيء في النشاط الفيزيائي للدماغ يستدعي الوعي، ولكن هذا النشاط خارج نطاق العمليات الحسابية.. وهذه الفرضية تمثل وجهة نظر روجر.
4- لا يُمكن تفسير الوعي بمصطلحات علمية.
حيدر حب الله
عدنان الحاجي
الشيخ فوزي آل سيف
الشيخ عبد الله الجوادي الآملي
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
السيد محمد حسين الطهراني
الشيخ محمد مهدي الآصفي
الشيخ محمد هادي معرفة
السيد محمد باقر الصدر
السيد عادل العلوي
حسين حسن آل جامع
عبد الوهّاب أبو زيد
الشيخ علي الجشي
ناجي حرابة
فريد عبد الله النمر
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان
العلاقة بين المعجزة والوحي
الشيخ عبدالكريم الحبيل: القلب السليم في القرآن الكريم (5)
الزهراء.. الحزن الأبدي
ذاكرة التفاصيل لا يكتمل بلوغها إلا في سن المراهقة عند الأطفال
الصّحيفة الفاطميّة
السّعيد محاضرًا حول آليّات التّعامل الإيجابيّ مع الإنترنت والوسائل الرّقميّة
منتظرون بدعائنا
الشيخ صالح آل إبراهيم: ما المطلوب لكي يكون الزواج سعيدًا؟
آيات الأنفس الأولى
فرضية القائلين بالتكامل، وعدم وجود الحلقة المفقودة