قراءة: محمود إبراهيم (مجلة شعائر)
الكتاب: صلح الحسن عليه السلام
تأليف: الشيخ راضي آل ياسين
تقديم: السيد عبد الحسين شرف الدين العاملي
الناشر: «شركة الأعلمي للمطبوعات»، بيروت 2010م
قلّ أن حظيت قضية تاريخية باهتمام المحققِّين في التاريخ الإسلامي، كقضية «الصلح» بين الإمام الحسن بن عليّ عليه السلام، ومعاوية بن أبي سفيان في النصف الأول من القرن الهجري الأول. فالجدل الذي دار منذ ذلك التاريخ اتّخذ خطوطاً ومناحي لا حصر لها، وشابَهَا الكثير من التضليل والغموض والافتراء. لعلّ الأظهر من الأضاليل النظر إلى صلح الإمام كمساومة للحكم الأموي وإضفاء الشرعية عليه. وهذا ما يخالف حقيقة الموقف الحسنيّ وهو يواجه السلطة الأموية التي لم تدّخِر وسيلة إلا وأخذت بها لفرض الغلبة وترسيخ «المُلك العضوض».
الكتاب الذي بين أيدينا للعلامة الشيخ راضي آل ياسين، هو واحدٌ من أبرز الأعمال التي أرَّخت لهذه الحقبة المفصلية من التاريخ الإسلامي الأول. ففيه من جلاء الحقائق ما يجعله وثيقة مرجعية لبيان ما تخلّل تلك الحقبة من أحداث، وكشف الحجب عن الظروف والأسباب التي أدت إلى حدوثها.
سوف يتبين لقارئ الكتاب أن البحوث التي يتضمّنها هي من الأهمية العلمية ما يمنحها قيمة استثنائية. لا سيما لناحية ما أورده المحقّق من أحداث وروايات ووقائع أسندها إلى كبار الثقات المسلمين من المؤرخين والمدوّنين.
منزلة الكتاب ومرجعيته
نال الكتاب منزلة خاصة لدى عدد كبير من علماء الإمامية حين صدوره. ولعلّ التقديم الذي خصَّه به الإمام السيد عبد الحسين شرف الدين إنما يعكس هذه المنزلة وخصوصيتها.
في مستهلّ تقديمه للكتاب يُعرب الإمام شرف الدين عن عظيم سروره بهذا العمل الذي كان أمنية للتحقيق بالنسبة إليه. يقول في هذا الصدد:
«كم كنت أحاول ذلك (أي تأليف كتاب عن صلح الإمام الحسن) لكنّ اللّه عزّ وجلّ شاء بحكمته أن يختصّ بهذه المأثرة مَن هو أولى بها، وأحقّ بكلّ فضيلة. عنيت به مؤلف هذا السِّفر البكر (صلح الحسن عليه السلام)، فإذا هو في موضوعه فصل الخطاب، ومفصل الصواب، والحدّ الفاصل بين الحقّ والباطل».
يضيف: «لقد وقفت منه على فصول غرّ، تمثّل فضل مؤلّفها الأغر الأبر، في كل ما يشتركان فيه من التحقيق، والدقّة والاعتدال، وسطوع البيان والبرهان، والتأنّق والتتبّع، والورع في النقل، والرحابة في المناظرة، والإحاطة بما يناسب الموضوع، مع سهولة الأسلوب، وانسجام التراكيب، وبلاغة الإيجاز إذا أوجز، وقبول الإطناب إذا أطنب. فالكتاب يخضع لفكر منظّم مبدع حجّة، يصل وحدته بجداول دفَّاقة بالثراء العقلي والنقلي، وبروادف غنية كلّ الغنى، في كلّ ما يرجع إلى الموضوع، ويتمّ عليه عناصره القيمة».
ولا يكتفي الإمام شرف الدين بتوصيف الكتاب وتسجيل انطباعاته الذوقية، بل اهتمّ بمضمونه العلمي والقواعد المنهجية التي اتّبعها المؤلّف. عن مضمون الكتاب وأبحاثه يقول:
«مَن أمعن في ما اشتمل عليه هذا الكتاب، من أحوال الإمام الحسن عليه السلام ومعاوية، علم أنهما لم ترتجلهما المعركة ارتجالاً، وإنما كانا في جبهتيهما خليفتين، استخلفهما الميراث على خُلُقين متناقضين: فَخُلُق الحسن إنما هو خُلُق الكتاب والسنّة، وإن شئتَ فقُل: خُلْق محمّدٍ وعليّ صلوات الله عليهما. وأما خُلُق معاوية فإنما هو خُلق (الأمويّة)، وان شئتَ فقل: خُلق أبي سفيان وهند، على نقيض ذلك الخُلق».
ومن الواضح أن مقالة الإمام شرف الدين في الكتاب هي استقراء عميق للصراع الذي أطلقه البيت الأموي ضدّ بيت النبوّة منذ اليوم الأول للبعثة الشريفة. وحين نقرأ مقدّمته سيظهر لنا وكأنه أراد أن يلخِّص حقبة كاملة من التاريخ بهذا العدد القليل من الصفحات. فقد كان واضحاً بالنسبة إليه، كما بالنسبة لمؤلّف الكتاب، أن الصراع بين الهاشمية والأموية هو صراعٌ بين الخيار الإلهيّ والخيار الدنيويّ.
«والمتوسّع في تاريخ البيتين... يُدرك ذلك بجميع حواسّه. لكنْ لمّا ظهر الإسلام، وفتح اللّه لعبده ورسوله فتحَه المبين، ونصره ذلك النصر العزيز، انقطعت نوازي الشر (الأمويّ)، وبطلتْ نزعات أبي سفيان... وحينئذ لم يجد أبو سفيان وبنوه ومن إليهم بدّاً من الاستسلام، حقناً لدمائهم المهدورة، فدخلوا في ما دخل فيه الناس، وقلوبهم تنغل بالعدواة له، وصدورهم تجيش بالغلّ عليه، يتربّصون الدوائر برسول الله ومن إليه، ويبغون الغوائل لهم. لكن رسول اللّه صلّى الله عليه وآله كان - مع علمه بحالهم - يتألّفهم بجزيل الأموال، وجميل الأقوال والأفعال، ويتلقّاهم بصدرٍ رحب، ومحيّا منبسط، شأنه مع سائر المنافقين من أهل الحقد عليه، يبتغي استصلاحهم بذلك. وهذا ما اضطرّهم إلى إخفاء العداوة له، يطوون عليها كشْحهم خوفاً وطمعاً، فكاد الناس بعد ذلك ينسون (الأمويّة) حتّى في موطنها الضيق – مكّة».
ثم يشير إلى السيرة الأموية بعد دخولها الإسلام، ملاحظاً أن ميادين الفتح بعد رسول اللّه صلّى الله عليه وآله، لم تعرف «الأمويّة»بشيء.
الانقلاب الأموي على الوحي النبويّ
الغاية من هذا الكتاب كما يقول المؤلّف هي جلاء الحقائق عن حقبة خطيرة ودقيقة طرأت على الإسلام بعد سنين قليلة من وفاة النبيّ الأعظم صلّى الله عليه وآله. وهي الحقبة التي شهدت بداية الانقلاب على الأعقاب. كما بيّن القرآن المجيد من قبل (آل عمران/144):﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ﴾.
يقصد الكاتب إذاً إلى «تفلية الحقبة القصيرة من الزمن بما هي ظرف أحداث لا تقلّ بأهميتها ولا بموقعها (الاستراتيجي) في التاريخ عن أعظم الفترات التي مرّ بها تاريخ الإسلام منذ وفاة الرسول صلّى الله عليه وآله وإلى يوم الناس، لأنّها كانت بداية إقرار القاعدة الجديدة في التمييز بين السلطات الروحيّة والسلطات الزمنية في الإسلام، واللحظة التي صدّقت بأحداثها الحديث النبويّ الشريف الذي أنبأ برجوع الأمر بعد ثلاثين عاماً إلى (المُلك العَضوض)، ولأنها الفترة التي تبلورت فيها الحزازات الطائفية لأول مرة في تاريخ العقائد الإسلامية».
لم يكن قليلاً من مجهود هذه الفصول - كما يقول المحقّق: «أن ترجع بالخبر اليقين عن الكثير من تلك الحقائق ـ أبعد ما تكون تأتّياً في البحث وأكثر ما تكون تفسّخاً في المصادر، وأقلّ ما تكون حظّاً من تسلسل الحوادث وتناسق الأحداث، فتعرضها في هذه السطور مجلّوة على واقعها الأول، أو على أقرب صورة من واقعها الذي تنشّأت عليه بين أحضان جيلها المختلف الألوان. فإذا بالحسن بن عليّ عليه السلام بعد هذا وعلى قِصر عهده في خلافته من أطول الخلفاء باعاً في الإدارة والسياسة، والرجل الذي بلغ من دقّته في تصريف الأمور وسمّوه في علاج المشكلات أنه استغفل معاوية بن أبي سفيان أعنف ما يكون في موقفه منه حذراً وانتباهاً واستعداداً للحبائل والغوائل.
وإذا (بالصلح) الذي حاكه على معاوية أداته الجبارة للقضاء على خصومه في التاريخ، دون أن يكون ثمة أية مساومة على بيعة أو على خلافة أو على مال. وإذا كلّ خطوات هذا الإمام، وكل إيجاب أو سلب في سياسته – قائماً أو قاعداً – آية من آيات عظَمته التي جهلها الناس وظلمها المؤرّخون».
مصادر التحقيق
لقد اعتمد المؤلف منهجية البحث العلمي في تحقيقه لهذا المنعطف الفاصل بين الإسلام المحمّدي وإسلام السلطة الأموية، «لذا فإنموضوعاً من العمق والعسر كموضوع هذا الكتاب لَحريٌّ بأن لا يدرّ على كاتبه بأكثر مما درّت به هذه الفصول»، فقد حرص على «استقصاء المواد، وتنسيق عناصر الموضوع، وتهذيبها من الزائف والدخيل».
لكنه أومأ إلى (فقر المادة) وأثره على البحث. «أما المؤلفات الكثيرة العدد التي وردت أسماؤها في معاجم المؤلفين الأولين، ممّا كُتب عن قضية الإمام الحسن عليه السلام فقد حِيل بيننا وبين الوقوف عليها. وكانت مع الكثير من تراثنا القديم قيد المؤثرات الزمنية، وطعمة الضياع والانقراض أخيراً. وكان ذلك عصب النكبة في الصحيح الصحيح من تاريخ الإسلام، وفي المهمّ المهمّ من قضاياه الحسّاسة أمثال قضيتنا - موضوع البحث».
وكان من حُسن الصدف، للمؤلّف انه أفاد من الموسوعات والمدوّنات والأخبار ليجلي الكثير من حقائق تلك الحقبة التي ساهمت الثقافة الأموية في تشتيت وتغييب معظمها. لذا بدا هذا الكتاب بمثابة استجابة لنداء التصويب التاريخي، خصوصاً وأنه ارتكز على مصادر ومراجع مدوّنات أهل السنة والجماعة، فضلاً عن المدونات الخاصة بالإمامية في هذا المضمار.
الشيخ محمد هادي معرفة
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
السيد عباس نور الدين
عدنان الحاجي
السيد محمد حسين الطبطبائي
الشيخ علي آل محسن
الشيخ علي المشكيني
الشيخ محمد مهدي الآصفي
السيد جعفر مرتضى
الشيخ جعفر السبحاني
عبد الوهّاب أبو زيد
ناجي حرابة
حسين حسن آل جامع
فريد عبد الله النمر
الشيخ علي الجشي
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان
منهج القرآن في الإفادة والبيان
الانحراف عن الفطرة والتخبط في المتاهات
مزدحم بالفراغ، الدّيوان الشّعريّ السّابع للشّاعر علي مكّي الشّيخ
ذكاء الشّرّ.. أهـمّيّته وضرورة اكتسابه
التوازن الدقيق بين الانفعالات الإيجابية والسلبية
الشّاعر أحمد الرّمضان ضيف عرش البيان وحديث حول الفكاهة في الشّعر
شقائق النّعمان، أن ترى الحقيقة من خلف حجاب
مراكز متقدّمة لجمعيّة تراتيل الفجر القرآنيّة بصفوى في مسابقة (اقرأ) في البحرين
التحدّي بمن أنزل عليه القرآن الكريم
نشأة المذاهب الأربعة