سياحة ثقافية

معالم مكّة المكرّمة الجغرافيّة والتاريخيّة (2)

 

جبل حِراء
حِراء: بالكسر، والتّخفيف، والمدّ: جبلٌ شامخ معروف من جبال مكّة، ويُسمّى «جبل النّور» لظهور أنوار النبوّة فيه، يقع في الشّمال الشرقيّ منها، ويبعد مسافة أربعة كيلومترات تقريبًا عن المسجد الحرام، وهو على يسار الذاهب إلى عرفات، ويرتفع 634 متراً. وهو جبل منيفٌ صعب المرتقى، لا يُصعَد إلى أعلاه إلّا من موضع واحد في صفاة ملساء.
وكان النّبيّ صلّى الله عليه وآله قبل أن يأتيه الوحي، يتعبّد في غارٍ أعلى هذا الجبل، إذ كان يُجاور في حراء من كلّ سنة شهراً، وكان يُطعِم في ذلك الشّهر مَن جاءه من المساكين. وفيه نزل عليه جبريل أوّل ما أُوحي إليه وبشّره بالنّبوّة. والموضع الّذي نزل فيه جبريل عليه السّلام في أعلاه من مؤخّره. والغار عبارة عن فجوة تَسَع نحو خمسة أشخاص جلوساً، وارتفاعه قامةٌ متوسّطة. وقد ذكروا أنّ رسول الله، صلّى الله عليه وآله، ارتقى ذروته ومعه نفرٌ من أصحابه فتحرّك، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله: «اسْكُنْ يا حِراءُ، فَما عَلَيْكَ إِلّا نَبِيٌّ أَوْ صِدِّيقٌ أَوْ شَهيدٌ».


شِعبُ أبي طالب
الشِّعب، لغةً، هو الفجوة بين الجبلَين، وقد يُراد منه الوادي، و«شِعبُ أبي طالب» في مكّة، يقع قريباً من المسجد الحرام، خلف الصفا والمروة، بين جَبلَي أبي قبيس وخندمة، وهو المكان الذي حصرتْ فيه قريشٌ بني هاشم في السنة السادسة من البعثة، وكتبوا الصّحيفة في مقاطعتهم؛ ويُسمّى أيضاً: «شِعب بني هاشم»، و«شِعب عليّ بن أبي طالب عليه السلام»، و«شِعب أبي يوسف».
وقد يُقال له: «شِعبُ المولد»، لأنّ فيه الدار التي وُلد فيها رسول الله صلّى الله عليه وآله، والبيت الذي سكنه النبيّ صلّى الله عليه وآله بعد زواجه من السيدة خديجة، وفيه أيضاً وُلدت الصديقة الكبرى فاطمة الزهراء عليها السلام. فقد كان هذا الشِّعب لعبد المطلّب فقسّمه بين بنيه حين ضعف بصرُه، وفيه كانت منازل بني هاشم ومساكنهم.
وتذكر كُتب السِّيَر مَا أصاب رسول الله صلّى الله عليه وآله والمؤمنين في الشِّعب من ضِيق الحصار، وأنهم جهدوا غايةَ الجهد، ونالهم من الجوع شيءٌ فظيع، ومكثوا فيه ثلاث سنين إلّا شهراً، ثمّ أنفق أبو طالب وخديجة جميع مالهما، ولا يقدرون على الطّعام إلّا من موسمٍ إلى موسم، فلقوا من الضِّيق ما اللهُ أعلم به؛ وإنّ الله قد بعث على صحيفتهم الأَرضة فأكلت كلّ ما فيها إلّا اسم الله، فذكر ذلك رسول الله صلّى الله عليه وآله لأبي طالب، فما راع قريشاً إلّا وبني هاشم عنقٌ واحد (أي جماعة) قد خرجوا من الشِّعب...


مسجد البيعة
تكثر المساجد الأثريّة في مكّة، منها مسجدان يحملان اسم مسجد البيعة:
الأوّل: بأعلى مكّة يقال له أيضاً: (مسجد الجنّ) ويقع بالقرب من مقبرة المعلاة، وهو بعد الحَجون إلى المسجد الحرام غير بعيد، وقد نزلت فيه سورة (الجنّ). وهو الذي يسمّيه أهل مكّة (مسجد الحرس) وإنّما سمّي مسجد الحرس لأنّ صاحب الحرس كان يطوف بمكّة، حتّى إذا انتهى إليه وقف عنده ولم يجُزه حتى يتوافى عنده عرفاؤه وحرسُه.
وهو في موضع الخطّ الذي خطّه رسول الله صلّى الله عليه وآله، لابن مسعود ليلةَ استمع إلى الجنّ الذين بايعوا رسول الله صلّى الله عليه وآله، في ذلك الموضع.  وهذا المسجد لا يعرف اليوم إلّا بـ«مسجد الجنّ». 
نشير هنا إلى أنّ من أحياء مكّة المكرّمة الحيّ المعروف حالياً باسم «محبس الجنّ»، وهو بالقرب من حيّ العزيزيّة المشهور. وبالعودة إلى كتاب (الإرشاد) للشيخ المفيد، فقد ذكر خبر قتال أمير المؤمنين عليه السلام لطائفة من مردة الجنّ عند خروجه، مع رسول الله صلّى الله عليه وآله، إلى بني المصطلق. وكذلك في (الخرائج) للراوندي، و(المناقب) لابن شهرآشوب، كلّ ذلك عن ابن عباس.
الثّاني: مسجد قرب «جَمرة العقبة» التي هي حدّ «مِنى» من جهة مكّة، وهو وراء العقبة بيسير إلى مكّة؛ في شِعبٍ على يسار الذاهب إلى مِنى؛ كان مسجداً مشهوراً عند أهل مكّة، وبُنِيَ فيما بعد بالحجر والجصّ، وربّما صُلِّي فيه أيّام الحجّ. وهو المكان الذي بايع الأنصار فيه رسول الله صلّى الله عليه وآله في مِنى ودَعوه إلى المدينة. وأخبار تلك البيعة مستفيضة في السيرة. وقد أزيل هذا المسجد فى التوسعات الأخيرة بمِنى.


مقبرة المَعْلاة
المعلاة، هو القسم العلويّ من مكّة، وكلّ ما نزل عن المسجد الحرام يسمّونه «المسفلة» وما ارتفع عنه يسمّونه «المَعلاة». فالمعلاة هي المكان المرتفع عن مستوى الحرم، أمّا «مقبرة المعلاة» فتقع على سفح جبل الحَجون في الجنوب الغربيّ، ويشرف على المقبرة من الجهة الغربيّة جبلُ السليمانيّة، ومن الجهة الشرقيّة جبل الحَجون. سمّيت مقبرة المعلاة بهذا الاسم لوقوعها في أعلى مكّة، وهي في نفس الموقع القديم الذي كانت عليه في الجاهليّة والإسلام، ويطلق عليها أيضاً «مقبرة الحَجون».

ولا يُعلم بمكّة شِعبٌ يستقبل ناحية من الكعبة ليس فيه انحراف، إلّا شِعب المعلاة؛ فإنّه يستقبل وجه الكعبة كلّه مستقيماً. وقد دُفن في هذه المقبرة عبد المطّلب جدّ رسول الله، وأبو طالب عمّه، والسّيّدة خديجة بنت خويلد أمّ المؤمنين سلام الله عليهم وبها - أيضاً – دُفن ياسر وسميّة أبوا الصحابيّ عمّار بن ياسر.
وقال ابن بطوطة يصف دخول الناس إلى هذه المقبرة بعد صلاة العيد: «..ثم إذا فرغ منها [أي الإمام من الخطبة] أقبل النّاس بعضهم على بعض بالسّلام والمصافحة والاستغفار، ويقصدون الكعبة الشّريفة فيدخلونها أفواجاً، ثمّ يخرجون إلى مقبرة باب المعلّى..».
ــــــ
مجلة شعائر

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة