مقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
محمد رضا اللواتي
عن الكاتب :
كاتب وباحث عماني متخصص في الفلسفة الإسلامية، صدر له "المعرفة والنفس الألوهية في الفلسفة"، "برهان الصديقيين"، وله رواية بعنوان "البعد الضائع في عالم صوفي"، استدراكاً على الرواية العالمية (عالم صوفي)، يستعرض فيه تاريخ الفلسفة الإسلامية وأشهر رموزها وأهم إنجازاتها ومسائلها.

الترغيب والترهيب في الإسلام (١)

 

✒️ الحلقة الأولى 


انتقد الفكر الغربي القرآن انتقاداً لاذعاً جداً، وعده كتاب الخشونة الأول،  وكتاب الإرهاب والتخويف الذي لا نظير له على وجه الأرض، فهو يعد الناس بعذاب أبدي لا ينتهي، ويؤسس تربيته للناس على هذه القاعدة، أي الترهيب الشديد من نار خالدة لا تنطفئ ولا توجد ذرة رحمة فيها. ورغم أنه يرغب أيضاً في النعيم لكنه ترغيب محاط بالترهيب وبث الرعب في النفس من مصير أسود محتوم. وهكذا أعلن هؤلاء بأن منهجاً كهذا لا بد أن نعتبره ضد الفطرة، وضد منهج دعوة الإنسان إلى الفضائل عبر التفكير دون استخدام العنف المبطن والعنف العلني. 


لقد صرح الفيلسوف البريطاني راسل بأن ديناً يعد الناس بعذاب لا نهاية له لا يمكن أن يكون ديناً إنسانياً على الإطلاق.  


وشجبت أوروبا منهج الإسلام التربوي واعتبرته مسيئاً للإنسانية،  وتلقى التعليم العربي هذه الانتقادات على خجل شديد، وتم إبعاد الطرق التربوية الإسلامية عن مناهج التربية والتعليم تحت الضغوط، واتبعت الأسر التي عاشت عوامل اقتصادية جيدة منهج التربية الغربي الذي يدعو إلى الاحترام المتبادل بين جميع الأطراف وإبعاد لغة الترهيب كلياً واعتماد لغة التفكير في المناهج التربوية، ووقع العديد أسيراً لهذه الرؤية دون اعتراف صريح منهم بأنها أفضل من منهج القرآن المروع والمخيف بشكل ديمومي.  


وبين الفينة والأخرى، يطرح الشباب أسئلة حول سر هذا العنف في القرآن، ولماذا هذا الكتاب قائم على منطق التعذيب الأبدي. 


هذه الأسئلة تتكرر كثيراً وهي في الحقيقة احتجاجات على هيئة استفسارات، ترتكز على النظر إلى الظواهر دون فهم الأسس التي استندت عليها هذه الظواهر. 


إنهم يقولون: 


{ وَأَمَّا مَنْ أُوتِىَ كِتَٰبَهُۥ بِشِمَالِهِۦ فَيَقُولُ يَٰلَيْتَنِى لَمْ أُوتَ كِتَٰبِيَهْ (25) وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ (26) يَٰلَيْتَهَا كَانَتِ ٱلْقَاضِيَةَ (27) مَا أَغْنَىٰ عَنِّي مَالِيَهْ ۜ (28) هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ (29) خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (30) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ(31) ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ (32)} [١]


يقولون بأن هذا الشكل من العذاب لا يتصوره عقل، ولا يقبله الإنسان حتى على ألد أعدائه، فكيف تبناه القرآن في حق إنسان ضغيف؟ 


وتجاه قوله تعالى: 

{انطَلِقُوا إِلَىٰ مَا كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ (29) انطَلِقُوا إِلَىٰ ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ (30) لَّا ظَلِيلٍ وَلَا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ (31) إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ (32)} [٢]


يقولون أليست هذه صور تشبه صور الأفلام الهوليوودية القائمة على العنف الفظيع بحيث أن ناراً بحجم خرافي ترمي شرارة بحجم قصر، وترى وتنظر وتلتقط البشر وتحولهم إلى رماد؟ 


ثم أن الجلود التي نضجت من العذاب تستبدل بأخرى جديدة ليبقى العذاب خالداً، ماذا صنع هذا الإنسان المسكين ليلاقي هذا اللون من العقاب؟ أي رب ذاك الذي أعد كل تلك الوسائل المتنوعة من العنف من حبال وأحجار ونار وماء للشرب من اللهب؟ 


إنهم يقولون:

{فَقَالُواْ رَبَّنَا بَٰعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوٓاْ أَنفُسَهُمْ فَجَعَلْنَٰهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَٰهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ ۚ إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لَءَايَٰتٍۢ لِّكُلِّ صَبَّارٍۢ شَكُورٍۢ} [٣]


أي جرم ارتكبوه حتى يقوم الرب بتمزيقهم كل ممزق؟ ما هذا العنف الذي يضمه هذا الكتاب بين دفتيه؟ 


أتذكر أثناء وجودي في برمنجهام للدراسة، أن إمرأة هندية كانت تقارن بين الدعوة إلى الله الواردة في كتاب الهندوس المقدس فيدا وبين القرآن وكانت مطلعة جداً على القرآن.  كانت تقول بأن فيدا يدعو إلى الله، باعتباره محبة وحنان، في حين يدعو القرآن إلى الله العنيف جداً جداً إلى الحد الذي يطلب أهل النار رحمة بتخفيف العذاب عنهم يوم من بقائهم الأبدي في العذاب،


{'وَقَالَ ٱلَّذِينَ فِى ٱلنَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ٱدْعُواْ رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِّنَ ٱلْعَذَابِ} [٤]


 لكنه لا يقبل طلبهم حتى تخفيف ساعة ضمن عذاب لن يزول،  هذا لا يمكن أن يكون كتاباً من رب، بل من أعرابي عنيف القلب فاقد للرأفة،  غليظ جداً. 


وكانت تقول بأنه وحتى نظرية التناسخ الهندوسية التي تقول بأنك إن كنت شريراً فقد تنشر في المرحلة القادمة من حياتك على هيئة صرور،  تفسح المجال لأن لا يبقى المرء معذباً بنحو لا نهائي، في حين لا يقبل القرآن ذلك أبداً.  


وهنا،  يجب أن أوضح أمراً هاماً جداً، وهو: 


أن جماعة من علماء المسلمين، في السنة بنحو أكثر، وفي الشيعة بنحو أقل، ذهبوا إلى رفض هذا العذاب الأبدي وإنكار وجوده بنحو أبدي، بل بنحو مؤقت، ومآله إلى الزوال. 


ومن أولئك، فريق من العرفاء من الذين ينتمون إلى مدرسة الشيخ محيي الدين ابن عربي، الذي صرح بأن العذاب مشتق من العذوبة، وأنه آخر المطاف سيتحول إلى حديقة إبراهيم الخليل في نار نمرود،  أي سيصبح ربما بعد أحقاب متمادية،  برداً وسلاماً على أهل النار. 

هؤلاء،  ولكي يعالجوا صريح القرآن القائل بالخلود في النار، زعموا بأن أهل النار لن يخرجوا منها لأن القرآن يقول خالدين فيها، لكن النار ستغدو باردة عليهم، وعندما يواجهون الآيات من قبيل :

{وَمَن يَعْصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُۥ يُدْخِلْهُ نَارًا خَٰلِدًا فِيهَا وَلَهُۥ عَذَابٌ مُّهِينٌ} [٥]


فالقرآن هنا لم يكتف بالقول بأنهم خالدون في النار،  بل أكد أيضاً بأن لهم في ذلك الخلود عذاب مهين، وإذا بهم يلتفون حول المعنى فيقولون بأنه عذاب مهين إن نظر إليه أهل الجنة،  لكنه لذيذ إن وقع فيه أهل النار!


وهكذا، أخذوا يبررون وجهة نظرهم بأدلة تارة يسمونها عقلية وأخرى قرآنية، وصفها العلامة الطباطبائي بقوله "مطروحة بمخالفة الكتاب " وقال بأن روايات أهل البيت، على كثرتها، تخالفها، ثم أخذ في الرد عليها واحدة تلو الأخرى حتى أسقطها جميعا. [٦] 


ويبقى السؤال: 


إن معنى ما مر، أن الترهيب في الإسلام حقيقي ١٠٠%، وليس مفتعلاً لأجل هدف ما، فهو ليس مصطنعاً من أجل تخويف ونهر الإنسان عن الحرام، هو ليس كما يصفه صديق - صراخ والد رحيم على ولده العاصي -  بل هو حقيقي جداً، بكل بشاعته، حقيقي، ومخيف إلى أبعد الحدود،  وبذلك فالقرآن الكتاب الوحيد على وجه الأرض اليوم يعد الناس الأشرار بهذا اللون الفظيع من العذاب الحقيقي. 


وعليه، نتساءل: ما السر في ذلك؟ لماذا؟ كيف نقبل ذلك؟ وما مصير المنهج التربوي المعتمد على هذه الرؤية؟ والتي أكدت المناهج الغربية خطأه، وكونه لا يتماشى مع منهج الدعوة إلى التفكير، وجر الإنسان إلى الفضيلة بلا تخويف وتعنيف؟ 

 


(١) الآيات من سورة الحاقة.
(٢) الآيات من سورة المرسلات.
(٣) الآية ١٩ من سورة سبأ.
(٤) الآية ٤٩ من سورة غافر.
(٥) الآية ١٤ من سورة النساء.
(٦) الميزان، ج١،ص٤١٢.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة