التأريخ له مصادر؛ فالمؤرِّخ لا يحضر دائماً الحادثة، فإذا حضر الحادثة يمكن أن يرى الحادثة ويسجل ما يرى ، ولكن هو ليس دائماً يحضر الحادثة، فإذا كيف يسجل الحوادث؟
يأخذ المؤرخ الحوادث عادة: إما عن طريق الوثائق المكتوبة، أو عن طريق الآثار، أو عن طريق الرواية.
التأريخ القديم ما كان يعتمد على الآثار؛ لأنه لم يكن هناك كثير اهتمام بالآثار، وإنَّما كان يعتمد الوثائق إلى حد ما، وأكثر ما يعتمد عليه هو الرواية؛ ونعني بالرواية هو أن يأتي المؤرخ في القرن الثالث الهجري، وبينه وبين السيرة النبي (ص) ٣٠٠ عام، فكيف يعرف الحوادث التي وقعت أيام الرسول (ص). يسأل الناس الذين لديهم رواية عمَّن قبلهم ومن قبلهم لديهم رواية عن الجيل الذين قبلهم إلى عهد الرسول، فتفتح كتاب الطبري مثلاً تجد يقول: حدَّثنا فلان عن فلان عن فلان إلى أن يصل إلى صحابي، ويذكر الحادثة التي وقعت في عهد الرسول (ص).
فمصدر التأريخ قديماً عندنا كان الرواية، والآن له نظائر موجودة وهو ما يدون في الصحف، ما يكتب الآن في الصحف اليومية والمجلات الأسبوعية وكذلك الفصلية والشهرية، الصّحفي أو مراسل وكالات الأنباء ليس دائماً يحضر الحوادث، فمثلاً الآن في منطقة الدَّمام تقع عشرون حادثة، والمراسل هو شخص واحد لوكالة الأنباء أو صحيفة من الصحف ولا يستطيع أن يحضر في اللحظة الواحدة كل هذه الحوادث التي وقعت، إذاً كيف يعرف عن كل هذه الحوادث؟ يأتي ويسأل هذا ويسأل ذاك، ويسجِّل وينشر ما يسجِّل.
هذه العملية -عملية الرِّواية- تعطي مجالاً كبيراً للتزوير والاختلاق، ونحن إذا أردنا أن نتأكد من وقوع حادثة أو عدم وقوعها نبدأ بسلسلة الرّواة، هؤلاء الأشخاص الذين رُويت عنهم الرِّوية؛ فلان عن فلان عن فلان ونقيِّم كلّ واحد بذاته؛ وهل هو إنسان ثقة أو ليس بثقة، فإذا استطعنا أن نُثبت أنَّ جميع رواة الحادثة هم ثقات -يعني لا يكذبون- ندرس الحادثة التي قد تكشف لنا عن خطأ موجود فيها إذ قد يذكر فيها شيء غير معقول الوقوع، وهذا معناه أنَّ الحادثة غير واقعة.
فلا نكتفي بدراسة حال الرواة، لأنه لا يكفينا، بعد ذلك لابد وأن ندرس نفس الحادثة أي ما يكتبه المؤرخ عن الحادثة، فربما نكتشف فيما يكتبه المؤرخ عن الحادثة شيئاً غير معقول ولا واقع له.
أضرب مثالاً واحداً فقط، في تفسير آية التطهير (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) (١).
هناك رواة قالوا بأنَّ آية التطهير نزلت في بني العباس، وهؤلاء الرواة كانوا في العصر العباسي وأرادوا أ، يتزلَّفوا للحكَّام العباسيين، فقالوا إنَّها نزلت في بني العباس، عمّ النبي (ص).
لو أغمضنا عن حال الرواة -طبعاً الرواة غير موثقَّين حتى من علماء الجرح والتعديل عند أهل السنة- وجئنا إلى هذه الواقعة، كيف تُصوَّر هذه الواقعة؟
الواقعة تقول كما ذُكرت في التأريخ، وذكروا الرواية التالية:
قال رسول الله (ص) للعباس بن عبد المطلب: (يا أبا الفضل لا تّرِم منزلك أنت وبنوك غداً حتى آتيكم)، فانتظروه حتى جاء بعدما أضحى فدخل عليهم فقال: (السلام عليكم)،
قال: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،
قال: (كيف أصبحتم؟)
قال: بخير أحمد الله
قال: (تقاربوا، تقاربوا، تقاربوا، يزحف بعضكم إلى بعض)، حتى إذا أمكنوه اشتمل عليهم بملاءته،
ثم قال: (يا ربِّ هذا عمي وصنو أبي، وهؤلاء أهل بيتي فاسترهم من النار كستري إياهم مبلاءتي هذه)،
قال: فأمَّنَت أُسكُفة الباب وحوائط البيت، فقالت: آمين آمين آمين (٢)، والمعروف أن للعباس من الأبناء عشرة ذكور (٣).
نفس هذه القصة تدّل على أنَّها مختلقة؛ لأنَّه لا يوجد إزار في ذلك الوقت يحتوي هذه المجموعة من الناس، ولم نسمع في يوم من الأيام أنَّ العتبة والباب والسقوف تكلَّمت، وقالت: آمين آمين.
فالقصة حتى لو سندها كان صحيحاً، فإنَّ نفس القصة تدل على أنها مختلقة.
(١) سورة الأحزاب، الآية ٣٣.
(٢) الطبراني، المعجم الكبيرج١٩، ص٢٦٣.
(٣) ابن حزم الأندلسي، جمهرة أنساب العرب: ١٨.
محمود حيدر
السيد محمد باقر الصدر
السيد محمد حسين الطهراني
الشيخ د .أحمد الوائلي
الشهيد مرتضى مطهري
السيد منير الخباز القطيفي
الشيخ علي آل محسن
نحو مدينة الرضا
أصوات المنشدين تتفاعل في مديح الإمام الرضا على منصة يوتيوب
البقيع امتحان العاشقين
الشيخ موسى المياميين يحيي ذكرى استشهاد الصادق في مسجد الخضر
فرقة حماة الصلاة تقدم أنشودة "الفتى الموالي" في ذكرى شهادة الصادق
عبيدٌ لسيّد واحد: مؤرخ أمريكي يكشف أسرار العبودية في الخليج والتناقضات الإنكليزية
مَن يؤمِنُ بعد بأسطورة العلمنة؟
مرثية الجشي في الإمام الصادق
الشيخ العرادي يدعو إلى تعزيز الجماعة الصالحة في المجتمع
اليقين الرياضي والمنطق الوضعي (٣)