لقاءات

شذرات رضويّة: مقابلة مع الشّيخ حسين غبريس، والشّيخ محمد عمرو

هو الإمام الرّضا عليه السّلام، الصّابر والزّكيّ، والوليّ والوفيّ، ويكفي قول المأمون في أكثر من مناسبة: "إنّ الرّضا (ع) أعلم أهل الأرض وأعبدهم" ..

صفات وخصائص وخصال متعدّدة، حملها ثامن أئمّة أهل البيت (ع) الإمام عليّ بن موسى الرّضا عليهما السّلام ،فكان خير ممثّل للقيم الإلهيّة في زمانه، وهو أنيس النّفوس، غريب طوس، الّذي خصّصنا هذا الحوار للحديث عنه، بمناسبة ولادته الشّريفة، وقد حاورت نسرين نجم، كلًّا من مسؤول العلاقات العامّة في تجمّع العلماء المسلمين في لبنان، سماحة الشّيخ حسين غبريس، وعضو تجمع العلماء المسلمين في لبنان سماحة الشّيخ محمد عمرو.

 

نبارك لكم بداية هذه الولادة الميمونة لثامن أئمّة أهل البيت (ع)، رزقنا الله وإياكم شفاعته (ع).

 

نسأل أوّلاً سماحة الشّيخ حسين غبريس عن شخصيّة الإمام الرّضا (ع) التي كانت مفزع العلماء وملجأ أهل الفكر والمعرفة، فكيف تكوّنت في ظلّ الأوضاع السّياسيّة في عصره؟

 

(أوّلًا نبارك لأنفسنا ولجميع المسلمين في أقطار الأرض، ذكرى ولادة شمس من شموس أهل البيت، ونور من الأنوار الربّانيّة، التي لا يختلف واحد عن مجموع، كلّهم أنوار، كلّهم ربّانيّون، كلّهم أئمّة هداة، عظماء، لم يسجّل التّاريخ على الإطلاق مدرسة أو أسرة أو منهجًا كما هو أئمتنا (ع)، لمناسبة ولادة الإمام الرّضا (ع) نتوجه بأحرّ التّهاني والتّباريك، ونسأل الله أن نكون على هداهم، نسير بنهجهم وهديهم.

الإمام الرّضا (ع) هو أمام اختلف بكثير من الظّروف والأحوال بوقته وبإمامته وقيادته عن غيره من الأئمّة عليهم السّلام، يمكن القول إن الفرصة كانت مؤاتية آنذاك، وسـمّيت فرصة ذهبيّة، لأنّ المأمون قد عرض عليه عرضًا مهمًّا ومميّزًا، ما يعرف بولاية العهد... أودّ أن أشير إلى أنّ الإمام الرّضا (ع) الذي تحوّل إلى مقصد وإلى هدف للزّيارة، اليوم بعد مضيّ مئات السنوات والقرون بين استشهاده (ع) ووقتنا الحاليّ، أمور كثيرة تغيّرت، وظروف تبدّلت، يكفي القول إنّ الملايين من البشر في هذا الزّمن يبذلون ما يمكنهم قصارى جهدهم، ويتمنّى الكثيرون منهم أن يزوروا مرقد أمامنا عليّ بن موسى الرّضا سلام الله عليك يا مولاي يوم ولدت ويوم استشهدت ويوم تبعث حيًّا، ونسأل الله أن نكون على نهجك ونستمرّ في هذا الخطّ المحمديِّ الأصيل).

 

(الشّيخ حسين غبريس - مسؤول العلاقات العامّة في تجمّع العلماء المسلمين في لبنان)

 

أمّا عن سبب تسميته (ع) بـــ"الرّضا" و"أنيس النّفوس" فيقول سماحة الشّيخ محمد عمرو:

 

(الرّضا لأنّه يرضي زائره حيث يزوره مؤمنًا بمقامه وبمكانته، وأيضًا بأنيس النّفوس لأنّه هو يؤنس كلّ نفس زائرة، سواء طلب منه الزّائر أم لم يطلب، فهو مؤنس لنفوس الزّائرين ولنفوس القاصدين والمحبّين ولنفوس الذّاكرين، سلام الله عليه وعلى آبائه وعلى أجداده وعلى أولاده الطيّبين الطاهرين).

 

 وحول إحاطة الإمام الرّضا (ع) بالعلوم والمعارف، وواقع زمنه العلميّ، يقول سماحة الشّيخ حسين غبريس

 

(الإمام الرّضا (ع) عرف بالكثير من السّجايا، ولكن من أبرز المسائل التي تهمّ جميع المسلمين والمتابعين للشّخصيّات القياديّة - سواء التي غابت عنّا أو الحالية - الميزات والصّفات التي يتحلّى بها القائد. هذا الإمام العظيم تحلّى بميزات عديدة ومواصفات مختلفة، ولكن أبرز أمرين يمكن الوقوف عندهما بتأنٍّ وتمعّن هما: المسألة العلميّة والمسألة السّياسيّة.

في المسألة العلميّة اشتهر الإمام بعصره أنّه حاز على مختلف العلوم بكلّ جديّة وبكلّ صراحة، قرع أبواب كلّ العلوم، ونهل منها وتميّز بها، وأصبح مقصدًا لكلّ ذي علم طبقًا لاختصاصه، أقصد بالعلوم المختلفة، كلّ العلوم التي يمكن أن تكون في ذاك الوقت قد انتشرت، وهنا لا أقصد فقط العلم الإسلاميّ الربّانيّ بمعنى الفقهيّ والعقائديّ والحديث، وهذا ما يميّز علماءنا أنهم يتبحّرون في العلوم بمختلف صنوفها، وكنّا نجد أنّ عالم الفيزياء كان يأتي إلى الإمام الرضا (ع) ليستفسر عن الفيزياء، وعالم الكيمياء عن الكيمياء، وعالم الفلك عن علوم الفلك، أي عن مختلف الشّؤون العلميّة التي كان النّاس آنذاك يلجأون إليها ليجدوا ضالّتهم، وقد اشتهر في عهده العديد من المدارس، حتى رقم العلماء الذين كانوا يتدربون ويدرسون ويتتلمذون على يديه فاق الثلاثمئة عالم في مختلف شؤون العلوم والمعارف الدّينيّة والإنسانيّة والحياتيّة وما إلى ذلك).

 

وحول هذا السّؤال يجيب أيضًا سماحة الشّيخ محمد عمرو:

 

 

(الشّيخ محمد عمرو - عضو تجمع العلماء المسلمين في لبنان)

 

(الإمام الرّضا (ع) كان يمارس العلم والمعرفة وبثّهما بين الناس، حتى أنّ المأمون جمع كلّ علماء المسيحيّة واليهوديّة والصابئة والزرادشتيّة والهنديّة والبوذيّة لديه، وطلب من الإمام الحوار والنّقاش معهم، واستطاع الإمام أن يثبت طبعًا إمامته وعلمه ومعرفته في هذا الموضوع.

إذن يوجد طريق واحد هو صراط الله الذي يعود به الإنسان لله سبحانه وتعالى من الدنيا إلى السّماء السّابعة، إلى القرب الإلهي، وهذا دليله أو طريقه أو إنارته أو شمسه، أئمّة أهل البيت (ع) بعد النبيّ محمّد (ص)، وهذا دليله واضح في الرّوايات وفي القرآن الكريم.

من هنا نحن نعلم بأنّ الإمام علي الرضا (ع) هو شمس الشّموس، وهو الذي أضاء للكون، وهو الذي أعطى علمه كما فعل والده وأجداده(ع)، وأبناؤه الذين يحملون هذه الرسالة، وآخرهم صاحب العصر والزّمان (عج) الذي يملك نور الله وعلم الله وشعاع الله ويملك طريق الله إلى القرب الإلهي، ولكن هل النّاس مهيئة لتستقبل هذا العلم "سلوني قبل ان تفقدوني، فإنّي بطرق السّماء أعلم منّي بطرق الأرض" هكذا وقف علي بن أبي طالب ليخاطب النّاس ويقول ذلك فلم يقم أحد ليسأله بل طرح هناك سؤال استهزاء. هل الأمة جاهزة للمعرفة لعلم الله، لنور الله، عندما تجهز حتمًا سيأتي الإمام لينشر العلم والمعرفة، ليبيّن ما نزل من القرآ،ن وكيف نزل وبأيّ زمن ولماذا نزل وبمن نزل، وما السّبيل بالقرآن للوصول إلى الله سبحانه وتعالى وكيف يكون الصّراط المستقيم واحدًا وسبل الشيطان متعددة).

 

 أما فيما يخصّ الجانب السّياسيّ في فكر الإمام الرّضا (ع) فيقول سماحة الشّيخ حسين غبريس:

 

(بالنّسبة للشّأن السّياسي لكلّ فترة زمنيّة، ولكلّ مجتمع له أشخاصه، له حضوره، له قادته، له الظّروف التي تحيط به، لهذا نرى أنّ الإمام الرّضا (ع) امتاز بوقته بالحكمة فهمًا للسياسة ولشؤون السياسة وظروف السياسة، وإنه واجه الحقبة العباسيّة التي كانت في عزّ قوّتها وحضورها، ولم يستطع حكّام بني العباس آنذاك الذين تعاقبوا على الحكم أن يتفوقوا بحكمتهم أو بحنكتهم أو بسياستهم على سياسة الإمام، وهو أدرك مشاريعهم، أدرك واقعهم، أدرك كلّ ما يستبطنون وما يظهرون، وبالتالي واجه كلّ هذه المؤامرات، وقبل بولاية العهد التي عرضها عليها المأمون، رغم أنّ الحاكم هو الذي تآمر عليه بعد ذلك، وفعل ما فعل من أجل أن يقتله، واستطاع أن يقتله عن طريق السّم، لكن ما يهمنا التركيز عليه، هو أن الإمام (ع) بحنكته السياسيّة، بمعرفته لكلّ الأبعاد المحيطة بالتآمر الذي يكون عليه القادة والحكام في كلّ عصر وفي كلّ مصر، بالتّالي استطاع الإمام (ع) بحنكته وبحضوره وبشخصيّته(ع) بفهمه وبوعيه وبعلمه وبخوفه من الله تبارك وتعالى والذي قرن الحكم الشّرعيّ مع السّياسة في كلّ أبعادها واستطاع الثّبات، وأن ينتصر مشروعه، وأن يجمع من حوله الكثير الكثير، مما جعل الحاكم الظّالم آنذاك أن يذهب للانتقام من شخص الإمام لأنه لم يستطع مواجهة الواقع الذي أصبح من حوله).

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد