الاتجاه الأول نفي النزوع الفطري في نفس الإنسان، واعتبار الأمور التي يتصوّر الإنسان أنه ينزع إليها بصورة فطرية من البُنى الفوقية في المجتمع، والتي ينتحلها الإنسان، ويتبناها بصورة اجتماعية، وليست من النزوع الفطري في أصل الخلقة، من دون وجود عوامل خارجية فلا يحكم الإنسان، ولا يميل بصورة طبيعية إلاّ إلى أمرين:
ونعني بها أيضاً الشفاعة الرافعة للعقاب، والّذي يدلّ عليه قوله سبحانه: ﴿كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ * إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ * فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءلُونَ * عَنِ الْمُجْرِمِينَ * مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ﴾، فالآيات كما مرّ دالّة على توصيف من تناله الشفاعة ومن يحرم منها غير أنّها تدلّ على أنّ الشفاعة إنّما تنفع في الفكّ عن هذه الرهانة والإقامة والخلود في سجن النار،
الشفاعة منها تكوينية، ومنها تشريعية، فأمّا الشفاعة التكوينية فجملة الأسباب الكونية شفعاء عند الله بما هم وسائط بينه وبين الأشياء. وأمّا الشفاعة التشريعية، وهي الواقعة في عالم التكليف والمجازات، فمنها ما يستدعي في الدنيا مغفرة من الله سبحانه أو قرباً وزلفى، فهو شفيع متوسّط بينه وبين عبده. ومنه التوبة كما قال تعالى: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ﴾، ويعمّ شموله لجميع المعاصي حتّى الشرك.
يثبت القرآن الشفاعة لأصحاب اليمين، وإنّما سمي هؤلاء بأصحاب اليمين في مقابل أصحاب الشمال وربما سموا أصحاب الميمنة في مقابل أصحاب المشأمة، وهو من الألفاظ الّتي اصطلح عليه القرآن مأخوذ من إيتاء الإنسان يوم القيامة كتابه بيمينه أو بشماله، قال تعالى: ﴿يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُوْلَئِكَ يَقْرَؤُونَ كِتَابَهُمْ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً * وَمَن كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً﴾، وسنبين في الآية إن شاء الله تعالى أن المراد من إيتاء الكتاب باليمين اتباع الإمام الحق، ومن إيتائه بالشمال اتباع إمام الضلال كما قال تعالى في فرعون: ﴿يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ﴾ ، وبالجملة مرجع التسمية بأصحاب اليمين أيضاً إلى ارتضاء الدِّين كما أنّ إليه مرجع التوصيف بالصفات الأربعة المذكورة هذا.
إنّ تعيين المشفوع لهم يوم القيامة لا يلائم التربية الدِّينية كلّ الملاءمة إلّا أن يعرفوا بما لا يخلو عن شوب إبهام وعلى ذلك جرى بيان القرآن، قال تعالى: ﴿كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ * إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ * فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءلُونَ * عَنِ الْمُجْرِمِينَ * مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ * حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ * فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ﴾، بيّن سبحانه فيها أنّ كلّ نفس مرهونة يوم القيامة بما كسبت من الذنوب، مأخوذة بما أسلفت من الخطايا إلّا أصحاب اليمين فقد فكّوا من الرهن وأطلقوا واستقرّوا في الجنان، ثمّ ذكر أنّهم غير محجوبين عن المجرمين الّذين هم مرهونون بأعمالهم، مأخوذ عليهم في سقر، يتساءلون عنهم سلوكهم في النار، وهم يجيبون بالإشارة إلى عدّة صفات ساقتهم إلى النار، فرّع على هذه الصفات بأنّه لم ينفعهم لذلك شفاعة الشافعين.
تكليف عامة البشر واجب على الله سبحانه، وهذا الحكم قطعي قد ثبت بالبراهين الصحيحة، والادلة العقلية الواضحة، فإنهم محتاجون إلى التكليف في طريق تكاملهم، وحصولهم على السعادة الكبرى، والتجارة الرابحة. فإذا لم يكلفهم الله سبحانه، فإما أن يكون ذلك لعدم علمه بحاجتهم إلى التكليف، وهذا جهل يتنزه عنه الحق تعالى، وإما لان الله أراد حجبهم عن الوصول إلى كمالاتهم، وهذا بخل يستحيل على الجواد المطلق، وإما لانه أراد تكليفهم فلم يمكنه ذلك، وهو عجز يمتنع على القادر المطلق، وإذن فلا بد من تكليف البشر، ومن الضروري أن التكليف يحتاج إلى مبلغ من نوع البشر يوقفهم على خفي التكليف وجليه:"لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ".
تقوية القر آن الكريم لجانب العقل الانساني السليم، وترجيحه إياه على الهوى واتباع الشهوات، والخضوع لحكم العواطف والإحساسات الحاجة وحضه وترغيبه في اتباعه، وتوصيته في حفظ هذه الوديعة الإلهية عن الضيعة مما لاستر عليه، ولا حاجة إلى إيراد دليل كتابي يؤدي إليه فقد تضمن القرآن آيات كثيرة متكثرة في الدلالة على ذلك تصريحاً وتلويحاً وبكل لسان وبيان.
الشيخ محمد جواد مغنية
السيد محمد حسين الطبطبائي
الشيخ محمد مصباح يزدي
الشيخ محمد جواد البلاغي
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
السيد عبد الأعلى السبزواري
محمود حيدر
السيد عباس نور الدين
عدنان الحاجي
الشيخ علي رضا بناهيان
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
ناجي حرابة
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبد الوهّاب أبو زيد
فريد عبد الله النمر
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان
الحب في اللّه
العرفان الإسلامي
جمعية العطاء تختتم مشروعها (إشارة وتواصل) بعد 9 أسابيع
الرؤية القرآنية عن الحرب في ضوء النظام التكويني (2)
قول الإماميّة بعدم النّقيصة في القرآن
معنى كون اللَّه سميعًا بصيرًا
الصابئة، بحث تاريخي عقائدي
الاستقامة والارتقاء الروحي
إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا
ماهية الميتايزيقا البَعدية وهويتها*