الحب والعشق، أقوى ما يربط بين موجودين.
يفيد قانون الجاذبية الذي يحكم عالم المادة، أنّ قوة الجذب تتناسب طردياً مع حاصل ضرب الكتلتين، وعكسياً مع مربع المسافة بينهما.
ويسري حكم هذا القانون في العالم المعنوي والعشق الإلهي أيضاً، فكلما سمت قيمة الأشخاص وتقاربت نفوسها، زادت علاقة الحب والعشق بينها!
مع وجود اختلاف بسيط يختص به عالم المادة، فأحياناً يولّد الاختلاف والتضاد تجاذباً بين الجسمين ( كما في التجاذب الحاصل بين الشحنتين الموجبة والسالبة )، على خلاف ما يحدث في عالم الأرواح، حيث تقوى رابطة الجذب كلما زاد الشبه فيما بينها، وتضعف إذا ما وُجد التضاد والاختلاف.
نتجه بعد هذه المقدمة القصيرة صوب عالم الأحاديث؛ لنتعرّف على مدى علاقة الرسول الكريم (صلّى الله عليه وآله) بابنته فاطمة الزهراء (عليها السلام)، وإلى أيِّ مقدار كان يحبها؟
يُروى عن عائشة أنّها قالت: ما رأيت أحداً أشبه كلاماً وحديثاً من فاطمة برسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وكانت إذا دخلت عليه رحّب بها، وقام إليها، فأخذ بيدها فقبّلها، وأجلسها في مجلسه) (1).
وجاء في رواية أخرى: ( كان كثيراً ما يقبّل عرف فاطمة ) (2). وتنص رواية ثالثة على: ( كان كثيراً ما يقبّلها في فمها) (3).
لقد كان الرسول (صلّى الله عليه وآله) يظهر الكثير من محبته لفاطمة (عليها السلام)، حتى أثار ذلك حفيظة عائشة، حيث قالت لرسول الله (صلّى الله عليه وآله): يا رسول الله، ما لكَ إذا جاءت فاطمة قبّلتها، حتى تجعل لسانك في فيها كله، كأنّك تريد أن تطعمها عسلاً؟! قال (صلّى الله عليه وآله): نعم يا عائشة، إنّي لمّا أُسري بي إلى السماء... وقصَّ عليها قصة ثمار الجنة التي تناولها (4).
وجاء في صحيح أبي داوود: كان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) إذا سافر كان آخر عهده بإنسان من أهله فاطمة (عليها السلام)، وأَوّل مَن يدخل عليه إذا قَدم فاطمة (عليها السلام) (5). كما نقل (أحمد بن حنبل ) هذه الرواية في مسنده (6).
لكن نعلم أنّ للحب والحنان الواقعيين طرفين، فالحنان المطلق له جانب سلبي، ويكون سطحياً عديم القيمة، وكما أسلفنا فإنّ العشق الواقعي دليل على التشابه، وعندما يحصل التشابه ستتولّد الجاذبية بين الطرفين.
لذا فإنّ الروايات الإسلامية تعكس حقيقةً مهمةً، أَلا وهي أنّ العلاقة التي كانت تربط الرسول (صلّى الله عليه وآل ) بابنته فاطمة الزهراء (عليها السلام)، كانت علاقة متبادلة وبنفس الشدة، وإليك شواهد ما أشرنا إليه:
جاء في صحيح مسلم عن عبد الله بن عمر بن محمد بن أبان الجعفي، بينما رسول الله يصلي عند البيت وأبو جهل وأصحابه له جلوس، وقد نُحرت جزور بالأمس فقال أبو جهل: أيّكم يقوم إلى سلا جزور بني فلان فيأخذه فيضعه في كتفي محمد إذا سجد، فانبعث أشقى القوم فأخذه، فلمّا سجد النبي (صلّى الله عليه وآله)، وضعه بين كتفيه، قال فاستضحكوا وجعل بعضهم يميل إلى بعض، وأنا قائم أنظر لو كانت لي مِنعة طرحته عن ظهر رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، والنبي (صلّى الله عليه وآله) ساجد ما يرفع رأسه، حتى انطلق إنسان فأخبر فاطمة فجاءت، وهي جويرية فطرحته عنه، ثمّ أقبلت عليهم تشتمهم، فلمّا قضى النبي (صلّى الله عليه وآله) صلاته، رفع صوته ثمّ دعا عليهم، وكان إذا دعا دعا ثلاثاً، وإذا سأل سأل ثلاثاً، ثمّ قال: (اللَّهمَّ عليك بقريش، ثلاث مرات، فلمّا سمعوا صوته ذهب عنهم الضحك، وخافوا دعوته ثمّ قال: اللّهمَّ عليك بأبي جهل بن هشام، وعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة، وأميّة بن خلف، وعقبة بن أبي معيط)، فوالذي بعث محمداً (صلّى الله عليه وآله) بالحق، لقد رأيت الذي سمّى صرعى يوم بدر، ثمّ سُحبوا إلى القليب قليب بدر (7).
نعم، لقد كانت الزهراء (عليها السلام) منذ صغرها خليطاً من (المحبة) و(الشجاعة)، وهي دائماً على أُهبة الاستعداد في الدفاع عن أبيها (صلّى الله عليه وآله).
ونطالع أيضاً في نفس المصدر السابق عن أحداث غزوة أحد ما يأتي: (قال سهل بن سعد: جُرح وجه رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وكُسرت رباعيته، وهُشمت البيضة على رأسه، فكانت فاطمة بنت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) تغسل الدم، وكان عليُّ بن أبي طالب يسكب عليها بالمِجَن، فلمّا رأت فاطمة أنّ الماء لا يزيد الدم إلاّ كثرةً، أخذت قطعة حصير فأحرقته حتى صار رماداً، ثمّ ألصقته بالجرح فاستمسك الدم) (8).
نقل (أبو نعيم الأصفهاني) في (حلية الأولياء)، عن عليّ بن محمد بن إسماعيل، عن...عن أبي ثعلبة الخشني أنّه قال: قَدم رسول الله (صلّى الله عليه وآله) من غزاة له، فدخل المسجد فصلّى فيه ركعتين - وكان يعجبه إذا قدم أن يدخل المسجد فيصلي فيه ركعتين - ثمّ خرج فأتى فاطمة فبدأ بها قبل بيوت أزواجه، فاستقبلته فاطمة (عليها السلام)، وجعلت تقبّل وجهه وعينيه وتبكي.
فقال لها رسول الله (صلّى الله عليه وآله): (ما يبكيك؟ قالت: أراك قد شحب لونك، فقال لها: يا فاطمة إنّ الله عزّ وجلّ بعث أباك بأمر، لم يبقَ على ظهر الأرض بيت مدر ولا شعر إلاّ أدخله به عزاً أو ذُلاً، يبلغ حيث بلغ الليل) (9).
وروي فيما روي عن أحداث الخندق عن عليٍّ ( عليه السلام ) في حفر الخندق، إذ جاءته فاطمة بكسرة من خبز فرفعتها إليه، فقال: ما هذه يا فاطمة؟ قالت: من قرص اختبزته لابنيَّ جئتك منه بهذه الكسرة، فقال: يا بنية، أَما إنّها لأوّل طعام دخل فم أبيك منذ ثلاث (10).
ما أعظم قوى الجذب التي تربط بين هذا الأب وابنته؟ جاذبية متأصلة في أعماق روحيهما، ومحبة قد ارتشفت من منبع وجودهما، وعلاقة عشق تمخض عنها اتحاد روح الأب بروح ابنته في الملكوت الأعلى. فهل هناك أفضل من هذا الافتخار لفاطمة الزهراء (عليها السلام)؟. فخر وفضيلة لم تكن لأي أحد عبر تاريخ الإسلام، سوى لمعلمها علي بن أبي طالب (عليه السلام).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1. مستدرك الصحيحين، ج3، ص154.
2. كنز العمّال، ج7، ص111.
3. فيض الغدير، ص176.
4. تاريخ بغداد، ج5، ص87.
5. صحيح أبي داود، ج26، باب ما جاء في الانتفاع بالعاج.
6. مسند أحمد بن حنبل، ج6، ص282.
7. صحيح مسلم ( كتاب الجهاد والسّير )، وصحيح البخاري ( كتاب بدء الخلق، باب، ما لقي النبيّ وأصحابه من المشركين ).
8. صحيح مسلم ( كتاب الجهاد والسير ) وصحيح البخاري ( كتاب بدء الخلق، باب ( ما لقي النّبيّ وأصحابه من المشركين ).
9. حلية الأولياء ج2، ص30.
10. ذخائر العقبى، ص47.
عدنان الحاجي
الشيخ عبد الله الجوادي الآملي
الشيخ حسن المصطفوي
الشيخ د .أحمد الوائلي
السيد محمد باقر الحكيم
السيد جعفر مرتضى
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
الشيخ علي رضا بناهيان
الشيخ محمد مهدي النراقي
الشيخ محمد جواد مغنية
حسين حسن آل جامع
حبيب المعاتيق
فريد عبد الله النمر
عبدالله طاهر المعيبد
ناجي حرابة
أحمد الرويعي
حسين آل سهوان
أسمهان آل تراب
أحمد الماجد
علي النمر
كيف يستخدم الدماغ المعالم البصرية للاهتداء بها؟ وكيف نفهم فشل المصابين بالزهايمر في ذلك؟
السير النزولي للإنسان
معنى (كبر) في القرآن الكريم
كيف يدنو؟!
الزهراء (ع) ودور المرأة في المجتمع الصالح (1)
حنّت، وأنّت، ومدّت يديها!
هل ذكر الإنجيل مأساة فاطمة (ع) بنت محمد (ص)؟
زهد فاطمة (عليها السلام)
أحب الناس إلى الرسول الكريم (ص)
معنى (سيل) في القرآن الكريم