قال الله سبحانه وتعالى في محکم کتابه الکریم: «إنما یرید الله لیذهب عنکم الرجس أهل البیت و یطهرکم تطهیرا» (الأحزاب 33).
یترکز الحدیث حول الواجبات والمسؤولیات التي یمکن للمرأة أن تضطلع بها في کل وقت، سواءً من ناحیة الظروف التي تحیط بواقعنا الراهن، أو من ناحیة النصوص القرآنیة، وتلك التي وردت في السنّة النبویة المطهرة، والتي یکاد یجمع علی مضمونها المسلمون جمیعًا، مع قطع النظر عن تفاصیل تلك المضامین في هذا النص أو ذاك.
مقام الزهراء (ع) وشخصيتها في الإسلام
في مجمل النصوص الواردة فی موضوعنا هذا، نری أنّ الإسلام أکّد کثیرًا علی شخصیة فاطمة الزهراء (ع) ودورها الکبیر في الحیاة الإسلامیة، فمن خلال آیة التطهیر مثّلت الزهراء (ع) المحور في هذه الآیة الکریمة، فهي ابنة رسول الله (ص) وزوجة الإمام علي أمیر المؤمنین (ع)، وأم الحسنین (ع)، وهؤلاء الخمسة هم الذین نزلت فیهم آیة التطهیر هذه، وأکدها رسول الله (ص) لأمته في تلاوته (ص) لها مرات عدیدة علی مسامع صحابته، حین کان یطرق باب فاطمة الزهراء (ع) في رواحه ومجیئه من المسجد أو في ذهابه وإیابه من السفر، أو في المناسبات المختلفة، کان یطرق (ص) الباب علی فاطمة الزهراء وهو یتلو «إنما یرید الله لیذهب عنکم الرجس أهل البیت ویطهرکم تطهیرا».
هذا هو نوع من أنواع التأکید علی شخصیة الزهراء (س) المبارکة، وکذلك الحال في آیة المودة وآیة القربی، وسورة الدهر، وآیة المباهلة، وغیرها من الآیات التی تتحدث عن أهل بیت النبي (ص)، نجد فاطمة الزهراء (ع) هي المحور لکل هذه المضامین، فعندما نتحدث عن المودة في قربی النبی (ص) نجد أن الزهراء (ع) هي أقرب الناس إلیه (ص)، وهکذا في جمیع المناسبات.
وتأتی الأحادیث الشریفة الواردة عن النبی الأکرم (ص)، والتی رواها وأثبتها الفریقان من الشیعة والسنة، تؤکد ذلك بحیث لا یضاهیه تأکید ورد عن الرسول (ص)، إلاّ ما ورد عنه (ص) في التأکید علی منزلة ودور بعلها علي (ع)، ومکانة ابنیها الحسن والحسین (ع)، فنجد رسول الله (ص) یقول : «إن الله لیغضب لغضب فاطمة ویرضی لرضاها»، و«الزهراء سیدة نساء العالمین»، «فاطمة مني یرضیني ما أرضاها ویغضبني ما أغضبها»، إلی غیر ذلك مما جاء عن رسول الله (ص) في مقام التأکید علی هذه الشخصیة.
تأکید الرسول (ص) علی شخصیة الزهراء (ع)
هذا الأمر فی الحقیقة یثیر سؤالاً کبیرًا هو: لماذا قام رسول الله (ص) بهذا القدر الکبیر من التأکید علی شخصیة الزهراء (س)؟
قد یفهم الإنسان منذ البدایة سبب التأکید الوارد من رسول الله (ص) علی شخصیة الإمام علي (ع)؛ باعتبار أن علیًّا (ع) أُرید له أن یکون إمامًا للمسلمین، وأن یأخذ هذا الموقع المتمیّز بین المسلمین في هذه الرسالة الخاتمة رسالة الإسلام، التي امتازت بوجود منصب الإمامة فیها.
و کذلك یفهم ترکیز وتأکید الرسول الأکرم (ص) بخصوص الإمامین الحسن والحسین (ع)، باعتبارهما یمثلان امتداد هذه الإمامة، وباعتبار الدور العظیم الذی یمکن أن یقوم به هذان الإمامان في مستقبل الإسلام، کما قام فعلاً بهذا الدور الإمام الحسن (ع) والإمام الحسین (ع)، وهو من الأدوار المتمیزة في حرکة التاریخ الإسلامي.
لکن قد یبدو هذا الأمر غریبًا بالنسبة إلى التأکید بخصوص الزهراء (ع)، فهل هذه القصة هي مجرد تعبیر عاطفي أصیل؟ أم کان وراء هذا التأکید أهداف أخری مهمة وصالحة؟
السؤال السابق طرحته لنتبین الدور المتمیز الذی یراه الإسلام للمرأة فی الحیاة الإنسانیة والمجتمع الصالح، وأراد النبی (ص) ومن قبله القرآن الکریم، في نصوصه الشریفة التي أکدت علی شخصیة الزهراء (ع)، أن یجلي ویوضح هذا الدور في حیاة المسلمین والإنسانیة بصورة عامة؛ لأن المرأة قبل الإسلام وفي کل الحضارات السابقة للإسلام، لم یکن لها مثل هذا الدور المتمیز الذي رسمه الإسلام لها، سواء في الحضارات الوضعیة المادیة، کالحضارة الرومانیة أو الحضارة الفارسیة أو الیونانیة، وغیرها من الحضارات التي شهدها التاریخ البشري، أو فیما وصلنا من الرسالات الإلهیة الأخری أیضًا، التي لا یبدو فیها هذا الدور للمرأة بهذه الصورة وهذا الوضوح.
القرآن الکریم مثلاً یتحدث عن دور متمیز لنساء مهمات في التاریخ الإنساني، من قبیل دور امرأة فرعون آسیة بنت مزاحم، ودور السیدة مریم بنت عمران (ع)، التي تحدث عنها القرآن الکریم بحدیث الاصطفاء والتطهیر والموقع الخاص، ولکن یبقی هذا الحدیث فیما عرضه القرآن حدیثًا یرتبط بالسلوك الشخصي لمریم (س)، وتکاملاتها المعنویة الروحیة، وکذلك في السلوك الشخصي والموقف الرسالي ذي الطابع الشخصي لآسیة امرأة فرعون.
أما الزهراء (س) فإن لوجودها ودورها -من خلال نظرة الإسلام وتأکیداته- أبعادًا أوسع بکثیر من هذا البعد، الذي یمکن أن نراه فی شخصیة السیدة مریم (ع)، من خلال ما تحدث عنها القرآن الکریم، أو نراه في شخصیة آسیة من خلال ما تحدث عنها القرآن کذلك.
فالزهراء (ع) حینما یصفها النبي (ص) بأنها سیدة نساء العالمین من الأولین والآخرین، علی ما ورد عنه (ص)، یراد من ذلك إعطاء وتقدیم الأبعاد المتعددة في هذه الشخصیة، ومن ثم إعطاء هذه الأدوار المتعددة في شخصیة المرأة وحرکتها في المجتمع والتاریخ، لأن الزهراء هي المثال الصالح لذلك.
وبصورة مختصرة أشیر إلی مجموعة من هذه الأدوار وعناوینها الرئیسیة في شخصیة الزهراء (ع)، وأترك المجال للتفکیر فی المقارنة واستنباط الآفاق والتفاصیل، لیُکتشف في هذه الأبعاد خصوصیة الزهراء (ع)، التي لا یمکن أن توجد في النساء التی سبقن الزهراء (ع)، ومن ثم معرفة سر کل هذا التأکید الواسع من قبل رسول الله (ص)، وقبله تأکید القرآن الکریم، علی شخصیة الزهراء (ع)؛ وذلك لرسم معالم الأدوار التي یمکن أن تضطلع بها المرأة في الحیاة الإنسانیة وفي المجتمع الصالح، من خلال تقدیم هذا المثل الصالح، وهذه القدوة والأسوة الطاهرة، وهذا النموذج الراقي والکامل للمرأة وأدوارها في المجتمع.
الدور الأول ـ الهویة الإنسانیة التکاملیة
وهو ما یمکن أن نستنبطه من نصوص القرآن الکریم، والأحادیث الشریفة التي وردت عن الرسول الأکرم (ص) بخصوص فاطمة الزهراء (ع)، وهو جانب الکمال في الهویة الإنسانیة.
القرآن الکریم والرسالة الإسلامیة أرادا أن یعطیا هذه الصورة وهذا الفهم، حول هویة المرأة في مضمونها وموقعها في مسیرة الحیاة الإنسانیة، فالقرآن الکریم والسنة النبویة الشریفة تؤکدان أن المرأة من حیث هویتها الإنسانیة، تحظی وتتصف بهویة کاملة في إنسانیتها، ولا یوجد فیها أي جانب من جوانب النقص في هذه الهویة، بحیث یعیق حرکتها الإنسانیة التکاملیة. والله تبارك وتعالى أراد للإنسان في هذه الحیاة أن یقوم بواجبات ومسؤولیات کثیرة، وأعطی لهذا الإنسان حقوقًا في هذه الحیاة من أجل أن یوصل مسیره إلی الله سبحانه وتعالى: «یا أیها الإنسان إنك کادح إلی ربك کدحًا فملاقیه» (الانشقاق 6)، ویبلغ في هذا المسیر درجات الکمال الإنساني القریب من الله تعالى.
عدنان الحاجي
الشيخ عبد الله الجوادي الآملي
الشيخ حسن المصطفوي
الشيخ د .أحمد الوائلي
السيد محمد باقر الحكيم
السيد جعفر مرتضى
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
الشيخ علي رضا بناهيان
الشيخ محمد مهدي النراقي
الشيخ محمد جواد مغنية
حسين حسن آل جامع
حبيب المعاتيق
فريد عبد الله النمر
عبدالله طاهر المعيبد
ناجي حرابة
أحمد الرويعي
حسين آل سهوان
أسمهان آل تراب
أحمد الماجد
علي النمر
كيف يستخدم الدماغ المعالم البصرية للاهتداء بها؟ وكيف نفهم فشل المصابين بالزهايمر في ذلك؟
السير النزولي للإنسان
معنى (كبر) في القرآن الكريم
كيف يدنو؟!
الزهراء (ع) ودور المرأة في المجتمع الصالح (1)
حنّت، وأنّت، ومدّت يديها!
هل ذكر الإنجيل مأساة فاطمة (ع) بنت محمد (ص)؟
زهد فاطمة (عليها السلام)
أحب الناس إلى الرسول الكريم (ص)
معنى (سيل) في القرآن الكريم