قرآنيات

أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ

الشيخ محسن قراءتي

 

قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾ [النساء : 59] .

 

تشير هذه الآية الى وظيفة الناس تجاه الله ورسوله، ومع وجود ثلاثة مراجع (الله)، (الرسول)، (أولو الأمر)، لن يصل الناس إلى طريق مسدود أبداً.

 

وإن طاعة هذه المراجع الثلاثة لا تتنافى والتوحيد القرآني؛ ذلك لأن طاعة النبي وأولي الأمر قبس من طاعة الله تعالى وفي طولها لا في عرضها، وبأمر الله تعالى صارت طاعة الاثنين لازمة.

 

وقد جاء في تفسير الأمثل عن ابن عباس أنه عندما أراد النبيّ (صلى الله عليه وآله) أن يذهب الى غزوة تبوك خلّف علياً (عليه السلام) مكانه على المدينة، وقال له: (أنت منّي بمنزلة هارون من موسى) فنزلت هذه الآية.

 

في الآية المتقدمة على هذه الآية ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ۚ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا﴾ جاءت التوصية على ردّ الأمانات الى أهلها، وكأنّ هذه الآية تقول: إن ردّ الأمانات الى أهلها إنما يكون في ظل طاعة الله ورسوله وأولي الأمر.

 

وإن تكرار أمر (أطيعوا) رمز تنوعّ الأمر، فالنبي (صلى الله عليه وآله) تارة يبيّن الأحكام الإلهية، وأحياناً يعطي الأوامر الحكومية، وقد كان يتمتع بمنصبي (الرسالة)، و(الحكومة)، فالقرآن تارة يخاطب النبي بقوله: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [النحل : 44]، وتارة يقول: ﴿لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ﴾ [النساء : 105].

 

ولو دققنا قليلاً في القرآن لرأيناه يأمر أحياناً بـ (لا تطع)، و(لا تتبع)، المفسدين، الضالين، الجاهلين، والجبّارين، و ...؛ وعليه فموارد (أطيعوا) يجب أن تكون في أشخاص لم يرد النهي عن إطاعتهم، ولا تكون طاعتهم في تضاد مع طاعة الله ورسوله وأولي الأمر.

 

وما طُرح في هذه الآية هو طاعة أولي الأمر، ولكن لم يطرح موضوع الرجوع إليهم عند النزاع، بل عُرّف الله ورسوله فقط بعنوانهم مرجع حلّ النزاع، وهذا علامة على أنه لو وقع النزاع في تشخيص مصداق أولي الأمر فيجب الرجوع إلى الله ورسوله في حلّ ذلك، وقد جاء في الروايات النبوية تعريف أولي الأمر وأنهم هم أهل البيت (عليهم السلام) (1).

 

يقول حسين بن أبي العلاء: عرضت عقيدتي في أوصياء النبي  ووجوب طاعتهم على الإمام الصادق (عليه السلام)، فقال: بلى، إنه هكذا، إنهم من قال الله في حقّهم: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ ... وَهُمْ رَاكِعُونَ﴾ [المائدة : 55] (2).

 

قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في خطبة له وكذلك في عهده لمالك الأشتر: (فالرد إلى الله الأخذ بمحكم كتابه، والردّ إلى الرسول الأخذ بسنته الجامعة غير المفرقة) (3)، كذلك قال (عليه السلام): كل حاكم لم يعمل بحكم أهل بيت النبي المعصومين فهو طاغوت (4).

_____________________

1. كمال الدين ، الصدوق ، ص 222 .

2. الكافي ، ج1 ، ص 187 .

3. نهج البلاغة : خطبة رقم (125) .

4. دعائم الإسلام ، ج2 ، ص530 .

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد