قد يبدو للوهلة الأولى أنّ المحسوسات هي أوضح معلوماتنا، إلّا أنّ أدنى تمعّن يشعرنا أنّ الأمر ليس كذلك، ولو اكتفينا في المسائل الفلسفية وحتى المسائل العلمية بالاعتماد على المحسوسات، لوقعنا قطعاً في ضلال مبين، فقد شحنت كتب علماء النفس بالأخطاء التي تعرض الحواس بما فيها الباصرة، حيث ذكروا عشرات الأخطاء للعين.
فما تردده من القول «لا أصدق حتى أرى بعيني» يفيد أنّ العين من أوثق السبل لإدراك الواقعيات، وهذا من أكبر الأخطاء، وذلك لأننا نرى بعيننا عدّة أشياء لا واقع لها؛ الأمر الذي يكشف عن اشتباه العين أو عدم قدرتها على الإدراك، على سبيل المثال لو أمسكنا بمشعل وجعلنا ندوره لرأيناه على شكل دائرة من النار، والحال إننا نوقن بعدم وجود مثل هذه الدائرة في الخارج، ولم يخدعنا بذلك سوى العين.
وهكذا الحال بالنسبة للإعلانات الضوئية التي ترينا مختلف الأطياف والأمواج الجميلة بواسطة مصابيحها الملونة، في حين لا واقع لتلك الأطياف وكلها ناشئة من أخطاء الباصرة، فلو كانت أعيننا ترى الأشياء على حقيقتها فليس هنالك من وجود لهذه الألواح الجميلة، بل هذه السينما وأفلامها الصاخبة إنّما تتمّ على أساس استغلال خطأ الباصرة، لأنّ العين لو لم تخطىء، فإنّ أفلام السينما ليست أكثر من حفنة صور منفصلة ومتفرقة وليس لها أن تشد إليها الأنظار.
ربّما ليس هناك من لم ير منظر السراب من بعيد حين سفره في فصل الصيف، فهو يبدو كأمواج جميلة من الماء وسط الجادة، وحين نقترب لا نرى سوى صحراء قفراء، فيتضح أنّ ذلك كان بسبب انكسار الضوء وخطأ الباصرة، بل كلنا نرى الهروب السريع للقمر من خلال سحب الغيوم في الليالي المقمرة، وكأنّه جاسوس يفرّ من مخالب الشرطة، والحال ليس الحركة للقمر، بل السحب هي التي تتحرك وتمر بسرعة، بينما نراها ساكنة والقمر متحرك، وهذا خطأ آخر من أخطاء الباصرة.
ونقرب المطلب أكثر: الكل يزعم أنّ الموضوع الفلاني «ملموس» أو أننا لمسنا الحقيقة الفلانية، كناية عن أنّ الموضوع في غاية الوضوح، والحال حس اللامسة هو الآخر زائف، فإن قلت ليس الأمر كذلك، قلت لك: أعد ثلاثة ظروف من الماء، أحدها حار جدّاً (بحيث لا يحرق يدك) والثاني بارد جدّاً، والثالث معتدل، ثم اغمر إحدى يديك لمدّة قليلة في الماء الحار والأخرى في الماء البارد، ثم اغمرهما معاً في الماء المعتدل، آنذاك سترى ما يذهلك حيث ستشعر بإحساسين متضادين في آن واحد، حيث تخبرك إحداهما بأنّ هذا الماء الثالث بارد جدّاً، والأخرى أنّه حار جدّاً، وإن جربت ذلك بإصبعين تحصل على نفس هذه النتيجة العجيبة، والحال أنّه ماء له درجة حرارة معينة واحدة.
مثال آخر: ضع إصبعك الوسطى على الخنصر ثم حركهما على وريد صغير في يدك الأخرى بحيث يكون تحتهما، آنذاك ستشعر بوجود وريدين، حيث ستفيد اللامسة أنّ 1 / 2، وهكذا سائر الأمثلة، فهل يمكن والحالة هذه الاعتماد على الحس بمفرده؟ أم هل يمكن إلغاء دور الإدراكات الذهنية والعقلية التي من شأنها تصحيح أخطاء الحواس ومنع الضلال؟ فمن المسلم به إننا نقول بأنّ الحس قد أخطأ في الموارد المذكورة ومئات الحالات الأخرى من هذا القبيل؛ والأمر هذا من الأحكام العقلية التي تستند إلى ما وراء الحس، والواقع هو أنّ هذا الحكم العقلي هو المقياس والأداة لإصلاح حواسنا وتسديدها فيما يلتبس عليها من أمور.
وعليه فإن قلنا بفقدان قوانين الحس لقيمتها ما لم تخضع لقوانين الذهن فلا نرانا قد جانبنا الحقيقة.
الشيخ محمد الريشهري
الشيخ محمد مصباح يزدي
السيد محمد حسين الطبطبائي
الشيخ محمد جواد مغنية
عدنان الحاجي
الشيخ جعفر السبحاني
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
الشيخ باقر القرشي
السيد ابو القاسم الخوئي
محمود حيدر
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
ناجي حرابة
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبد الوهّاب أبو زيد
فريد عبد الله النمر
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان